الإبل.. مال وجمال وطريقة عيش

01:50 صباحا
قراءة 6 دقائق
كتبت:فدوى إبراهيم
للإبل مكانة تاريخية وتراثية في حياة شعوب العديد من دول العالم وبالأخص المنطقة العربية والخليجية، حيث كانت السبيل للتنقل والعيش، وهذه المكانة لم تفقدها في دولة الإمارات التي حرصت على أن تبقي بل وترفع من مكانة الإبل رغم تحضر الحياة فيها، بل وزرع تلك القيمة للإبل في حياة الجيل الجديد.
حظيت الإبل بشكل عام وفي الإمارات بشكل خاص باهتمام مميز، أدبياً وعلمياً، وعكف عليها مختصون إماراتيون لتوثيق تلك المكانة عبر كتاباتهم، وقد عايشها الكثير منهم وفصّلوا القول في الإبل حتى أنهم تفحصوا تفاصيل التفاصيل في حياتها ووثقوها. أما في المحافل العامة فنجد أن دولة الإمارات ودول الخليج الأخرى قد أولت في عصرنا الحديث مكانة للإبل في المهرجانات الخاصة بالسباق والمزاين، وشحذت الجهود لإنشاء العديد من المراكز العلمية التي تعنى بها، بالإضافة إلى اهتمام عدد من شركات الأغذية بالعودة بنا إلى عصر كان فيه حليب الإبل غذاء رئيسياً، فوفرته بعبوات أنيقة ووزعته في الأسواق.
أنواع وأسماء
قدمت الإبل التي أبدع الله تعالى خلقها خدمات كبيرة للبشر، وخاصة العرب الذين استخدموها للتنقل، وأكلوا لحمها، وشربوا لبنها، وطوعوا جلودها لصنع أوعية الشرب، واستثمروا وبرها لصناعة الحبال والخيام والمنسوجات، وأوقدوا بفضلاتها نار الطبخ. ويتحدث الكاتب الإماراتي حمّاد الخاطري النعيمي في كتابه «الإبل في التراث الإماراتي» عن مكانة الإبل في المجتمع الإماراتي بين الماضي والحاضر، فيقول: «كانت الإبل ما زالت ترافق حياة المجتمع في الإمارات، وهي جزء من حركته اليومية، سواء في البادية أو الساحل، فقد عدّها سكان الساحل والصحراء وسائط للنقل والغزو والثروة، فمالك الإبل يعتبر من الأثرياء، إضافة إلى الفائدة من لبنها ولحمها ووبرها، وكانت القبائل الإماراتية تهتم بالإبل وتغذيتها وامتلاك الأصائل منها، وهي إلى اليوم تعتزّ بإبلها رغم التحضّر والتقدّم العمراني الذي شهدته منذ الاستقلال حتى هذا الوقت، وهذا الاهتمام لم يقتصر على عامة المجتمع، بل شمل الجميع، حكامًا وشعباً».
إن الإبل مال وجمال، ولها ملامح في ذلك منها: انتصاب الأذنين، طول الباع، سمر العلابي، اليدان الدنّا، عسماء اليدين، طويلة بهار، الخفاقة، المسلوبة، نشلا القوايم، سديدة حال، الباط الواسع، الأنف المهزوع، الغارب الممدود، صغر الخف، صغر الزور، ابتعاد الحريشاء أو المرافق عن الإبط، انحناء الرقبة، ولها من الأسماء الكثير، نسرد منها ستة عشر اسماً من ضمنها الإبل، وهي: الجمل، البعير، الناقة، النضا، الشول، الشيب، البدر، الملواح، العلاكيم، العناديل، شملال، شملّة، الهجاهيج، النيب، السلاهيب، كما يذكر أنواعاً لها هي: العرابي، الحراير، الحزامي، الخواوير.. أما عن سنَ الإبل، فيختلف في تسميته بين الذكور والإناث، فالذكر الذي لم يكمل سنته الأولى، ولم يفصل عن أمّه، يسمى الحوار، والقعود هو ابن الخمس سنوات، أما الجمل فهو البعير القادر على التلقيح، والثلب منها هو الجمل المسنّ، ويسمى الهلب لدى البعض، بينما الهرش هو الجمل المسنّ الذي لم يعد قادراً على أداء مهامه، أما الإناث، فالتي لم تتجاوز العام هي: الحوارة، والبكرة التي تجاوزت السنة الثانية حتى الخامسة، أما الناقة فتطلق على الأنثى التي بلغت خمس سنوات، وأصبحت جاهزة للتلقيح، والتي دخلت السنة الثامنة أو التاسعة، تسمى البازل، والفاطر هي الناقة التي لم تعد صالحة لمهام العمل والإنجاب.
سلالات عريقة
عثر المنقبون على مجموعة من عظام الإبل، تعود إلى الألفين الخامس والرابع قبل الميلاد، ضمن مقبرة ضخمة في مواقع عدة، منها جبل البحايص في الشارقة، وجزيرة غناضة بأبوظبي، وهيلي في العين، وشمل في رأس الخيمة، وتل أبرق في أم القيوين، كما تم العثور على رسم لجمل على حجر جيري في جزيرة أم النار في أبوظبي. وتمتلك دولة الإمارات سلالات عريقة من الإبل، يعود نسبها لإبل السعودية أو عُمان، وتنقسم إلى سلالتين رئيسيتين: الحزميات، وهي كبيرة الحجم وذات عظام متينة وخفها كبير، وتتسم بطريقة مشي تختلف عن باقي الإبل، حيث تباعد بين رجليها، أما العربيات، فهي من أفضل سلالات السباق والركوب، وهذا ما توضحه الكاتبة فاطمة مسعود المنصوري في كتابها «الإبل في الإمارات: دراسة تاريخية، تراثية، أدبية».

وتوسم الإبل لأغراض علاجية كالغدة والضلع والمغص والتواء الرقبة والتهاب الأذن وعتامة العين، وغيرها، وهو أحد الطرق الشعبية في العلاج بعيداً عن المضادات الحيوية والكيمياوية التي يعتقدون أنها تؤثر على الإبل، كما توسم لتحديد ملكية الإبل لأصحابها بحسب وسم القبيلة، وهو كالشعار بالنسبة لها.
وتشهد الدولة اهتماماً كبيراً بالإبل ماضياً وحاضراً، من خلال ميادين الهجن الخاصة بالسباقات والمراكز البحثية المتخصصة بإجراء البحوث العلمية الخاصة بالإبل، كما تحرص مؤسسات وشركات التغذية حالياً على إنتاج منتجات الإبل كالحليب، فالإبل ليست جزءاً من التراث الشعبي فقط بل هي مصدر اقتصادي لإنتاج الحليب واللحوم ولها دورها في تحقيق الأمن الغذائي، ويشار إلى أن الجهات المعنية بالاهتمام بالإبل والمحافظة عليها في الدولة هي المؤسسات الخدمية التي تقدم خدماتها للجمهور كالخدمات الإرشادية من قبل الأطباء البيطريين والمختصين لمربي الإبل، وإنشائها المستشفيات والمختبرات والعيادات البيطرية المتنقلة للقيام بالجراحات والولادات والعلاجات، وغيرها، أما اتحاد سباقات الهجن فقد شكل في العام 1992م، ويعد نقلة نوعية في تنظيم رياضة سباقات الهجن التراثية، وشروط تلك المسابقات هو إعدادها، مشاركاتها، ملكيتها، سلوكها، فوزها، ضربها، فحصها من المنشطات، راكب الهجن، السيارة التي تتابع السباق، الهدوء، وتنظيم الحضور بالمنصات، ويعتبر نادي تراث الإمارات أحد أبرز المؤسسات المعنية بحفظ التراث وإحيائه، وتعمل على تعريف الأجيال على تراثها بما في ذلك الإبل وحياتها وتدريبها، وما إلى ذلك، وإعداد المختبرات البيطرية والمراكز البحثية المتخصصة في الهندسة الوراثية للإبل.
يشار إلى أن الإبل شوهدت للمرة الأولى في شبه الجزيرة العربية، ثم انتشرت في آسيا وإفريقيا، والإبل من الثدييات المجترة، آكلة الأعشاب، ويصل ارتفاع البعير منها إلى مترين عن سطح الأرض، ويصل وزنه إلى أكثر من 700 كغم.
قيمة اقتصادية
وتعد الإبل ومنتجاتها من بين أهم الموارد الغذائية التي كانت قديماً أساسية، وهي اليوم تعود للأسواق فرغم وجود الكثير من البدائل الغذائية، إلا أن لمنتجات الإبل فوائد خاصة لا تضاهيها أي من منتجات الدواب الأخرى، ويعتبر حليب النوق غذاءً كاملاً للإنسان، لأنه يحتوي على العناصر الرئيسية والضرورية للجسم، وذلك بحسب الدكتور محمد مصطفى مراد في كتابه «اقتصادات الإبل: مراجعة للماضي ونظرة للمستقبل»، وحليب النوق أبيض اللون مائل للصفرة أحياناً، طعمه لذيذ لمن اعتاده ورائحته طيبة عندما ترعى النوق على النباتات العطرية، ومذاقه يميل للملوحة، إذا رعت على نباتات مالحة، أما درجة حموضته، فهي عالية ما يمنع فساده بسرعة، ويتميز حليب النوق باحتوائه على مواد كيميائية حافظة له بشكل طبيعي مما يقلل من نمو البكتريا والفساد، ويتكون بشكل كبير من الماء بنسبة 86% ومكونات أخرى كالبروتين، الدهن، سكر اللاكتوز، وغيرها في الظروف الطبيعية للناقة، وهو بذلك يساعد على نمو العظام عند الأطفال، وعلى تقوية عضلة القلب، وزيادة نسبة الإخصاب، وحماية اللثة وتقوية الأسنان، وتنظيف الأمعاء، وبناء وترميم خلايا الجسم، والوقاية من السكري، إلا أن تصنيع حليب الإبل يواجه صعوبات، بسبب عدم وجود أنزيمات كافية وصغر حبيبات الدهن وسماكة غشائها، إلا أنه مع التطور استطاع البعض تصنيع الأجبان والزبدة وغيرها من المنتجات، بعد أن عالجوا حليب الإبل ببعض الإضافات.
أما لحوم الإبل فقد تناولها العرب والرومان والفرس والإغريق، وكانت لحومها تقدم في الولائم والموائد الملكية، وتعتبر لحوم الإبل ذات رطوبة أعلى من اللحم البقري، ومكوناتها عالية القيمة الغذائية والأحماض الأمينية، وتحتوي على مجموعة من الفيتامينات الهامة للجسم، وتمتاز بلونها الأحمر الوردي، وحلوة المذاق قليلاً، وتمتاز بقلة الدهن، حيث تتجمع الدهون في السنام عن باقي الجسم، وهي الأكثر أماناً للإنسان صحياً، لأن الإبل أقل الحيوانات تعرضاً للأمراض، وتساهم بخفض الوزن، وتقي من أمراض القلب بسبب قلة دهونها.
وهناك العديد من الصناعات النسيجية من وبر الإبل، أبرزها البسط والخيم، وتتميز جلود الإبل بالمتانة والقوة واللمعان بعد الدباغة مما يجعلها مميزة في صناعة الحقائب والأحذية، وتصنع من عظامها الأمشاط ومن غضاريفها وأوتارها الصمغ ومن دهنها المراهم الجلدية للأطفال ومستحضرات التجميل. وتوفر سباقات الهجن فرص عمل للكثيرين، كما تستقطب الزوار من جميع أنحاء العالم كمتفرجين أو مشاركين، حيث توزع الجوائز الضخمة وتستقطب الرعاة من المستثمرين، وأصحاب الشركات وخصوصاً شركات السيارات والخيم وأصحاب المنتجات المصنوعة من الإبل، وتستقطب السياح لمشاهدتها في بر الصحراء، والتقاط الصور معها وعلى ظهورها، واقتناء منتجاتها القيَمة.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"