البدية.. معالم الماضي وحداثة الحاضر

تجمع بين البحر والجبل
05:36 صباحا
قراءة 7 دقائق
الفجيرة بكر المحاسنة:

تعد منطقة البدية التي تبعد عن إمارة الفجيرة 40 كيلومتراً شمال مدينة الفجيرة على الطريق الرابط ما بين مدينة خورفكان ودبا الفجيرة، إحدى أهم مناطق الفجيرة التاريخية والأثرية التي تحتضن التاريخ العريق لأهل الفجيرة بشكل عام وأهالي المنطقة بشكل خاص نظراً لوجود مسجد البدية الأثري الذي يعد من أقدم المساجد في الإمارات، ولوجود عدد من الآثار التاريخية والحصون التاريخية والأفلاج والآبار والمنازل القديمة، كما تحتضن المنطقة الجبال العالية المطلة على الساحل البحري وتتخللها المزارع الخضراء والوديان في مواسم هطول الأمطار مشكلة مناظر طبيعية خلابة، لذلك تحظى بإقبال كبير من السياح والزوار من داخل وخارج الدولة للتمتع بهذه المناظر التي تبقى خالدة في الذاكرة على مر العصور، ولكي تذكر السياح والأجيال المقبلة بماضي القبائل والأهالي الذين عاشوا على أرضها، كما عرفت منطقة البدية بالماضي بكثرة انتشار عيون المياه العذبة وآبار المياه وبطبيعتها الجبلية الخلابة خاصة في مواسم الربيع.

امتهن أهالي البدية منذ القدم صيد الأسماك بأنواعها وركوب البحر والزراعة حتى عرفت المنطقة بتنوع المحاصيل الزراعية ذات الجودة العالية نتيجة لتربتها الخصبة ومياهها العذبة وجوها الجميل الذي يساعد كثيراً على الإنتاج الزراعي الوفير كأشجار النخيل بأنواعها والمانجو والرمان ونباتات الغليون والعديد من المحاصيل الزراعية، كما تتميز عن غيرها من المناطق بالهدوء الشديد وبمناطقها الساحرة الجميلة كونها جبلية مطلة على البحر من الجهة الشرقية، الخليج زارت منطقة البدية التابعة إدارياً إلى إمارة الفجيرة، ورصدت التقرير التالي.

توجهنا إلى مسجد البدية الأثري في وقت الظهيرة والذي ما زالت تقام فيه الصلاة ويعد من أقدم مساجد الإمارات، حيث يعود بناؤه لعام 1446م، مبني من الطين والحجارة السوداء والجبس المحروق ويتخذ بناؤه طابعاً فريداً، وتعلو سقفه 4 قباب ترتكز على عمود دائري وسط المسجد، ويقع أمامه بئر ماء قديمة وبجانبه شجرة سمر تعود لمئات السنين، كما يجاوره من الجهة الغربية برجان قديمان كانا يستخدمان في الماضي لرقابة الساحل البحري للمنطقة ومزارع المنطقة وللدفاع عنها، كما يحظى مسجد البدية الأثري والمنطقة الأثرية المجاورة له باهتمام كبير من قبل هيئة الفجيرة للسياحة والآثار، حيث يتردد على المسجد أعداد كبيرة من السياح والزوار من مختلف أنحاء العالم وعلى مدار أيام الأسبوع.

وبعد تأدية صلاة الظهر في مسجد البدية الأثري والتجول بالمنطقة التقينا الوالد أحمد ربيع العبدولي الذي حدثنا عن البدية قديماً قائلاً: «كانت الحياة في الماضي قاسية وصعبة نظراً لقلة موارد الرزق حيث كنا نعتمد في حياتنا بشكل أساسي على ركوب البحر وصيد الأسماك بأنواعها المختلفة والبعض من الأهالي كان يذهب مع أبناء المناطق الساحلية في رحلات البحث عن اللؤلؤ في أعماق البحار، كما كنا نعتمد على زراعة جميع أنواع الأشجار، خاصة النخيل والحبوب بأنواعها، وجمع الحطب وتحويله إلى سخام«فحم»، والبعض من الأهالي كان يقوم بتجارة المحاصيل الزراعية في أسواق دبا والشارقة، والبعض كان يقوم بشراء محاصيل التمور من الأهالي وشراء الحطب وبيعهما أو مقايضتهما مع التجار العمانيين أو الإيرانيين، الذين كانت قواربهم ترسو على الساحل البحري للقرية محملة بالزيت والدقيق والملح وبعض الأقمشة وغيرها من احتياجات أهل القرية، وكانت الحياة بسيطة قائمة على البركة والمحبة بين الجميع وتقديم يد العون والمساعدة لمن يحتاجها، سواء من داخل المنطقة أو خارجها، عندما كان يقوم أحد أهالي المنطقة ببناء منزل الكل من الرجال يقومون بمساعدته إما بشكل مباشر أي المساهمة في أعمال التشييد، أو تقديم المال، وكذلك في موسم جني التمور الكل يقوم بمساعدة الآخرين، وهكذا في كافة مجالات الحياة، وفي حال إقدام أحد شباب القرية على الزواج الكل يقوم بمساعدته مادياً أو تقديم الذبائح والطعام والقهوة أوأي احتياجات له».

سليمان الخزيمي يقول: «البدية عاش فيها الآباء من قبائل المرشدي والخزيمي والعبدولي والحمودي والكندي والضنحاني والزيودي على العادات والتقاليد العربية الأصيلة ولا يزالون يعيشون على الحب والتعاون وعشق الأرض، وكانت الحياة في الماضي أجمل وأحلى وكان الخير كثيراً والبركة متواجدة في كل شيء وكان الرطب والبحر يشبع منه أهل المنطقة والمناطق المجاورة، وكانت العادات أقوى وأفضل من اليوم حيث الكل يطمئن على جيرانه».

وعن سبب تسمية منطقة البدية بهذا الاسم يقول الخزيمي: «كان الآباء والأجداد في الماضي يقولون إن المنطقة سميت بهذا الاسم نسبة لوجود طوي «بئر كبيرة» لا تجف منها المياه العذبة طوال أيام السنة يسمى البدية، وكان الأهالي يستخدمونه للشرب ولسقي المزروعات ولشرب المواشي وكل من يمر بالقرية يجلس عنده».
عبدالله سليمان الخزيمي يقول: «لمنطقة البدية طابع ومزاج خاص لجميع الأهالي الذين ولدوا وعاشوا فيها، فنحن الآن وفي ظل الاتحاد المبارك الذي أقامه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وإخوانه حكام الإمارات، تحولت حياتنا إلى النقيض، حيث أصبحنا في بحبوحة من العيش ونمتلك كل شيء من بيوت حديثة وفخمة وسيارات فارهة ووظائف مريحة ومجزية وأصبح المواطن يعيش في خير ونعيم كبيرين ولم يعد يشعر بالتعب والعناء الذي كنا نعيشه لكسب الرزق والقدرة على العيش في تلك الظروف الصعبة».
عبدالله سعيد المرشدي يقول: «البدية من أقدم قرى الفجيرة وهي منطقة خضراء تقع بين الجبال والبحر، بدأت في التحول إلى مدينة لوجود نسبة كبيرة من السكان والبنية التحتية المتطورة يوماً بعد يوم وبها العديد من القبائل ومن أشهرها الحمودي، والمراشدة، والعبادلة، والهنداسي، الحمودي، الحناطبة والمزروعي على أن أعرقها وأقدمها قبيلة الحمودي والموجودة أيضاً في كل من مدينة دبا الفجيرة ودبا الحصن»، وأضاف المرشدي: «يشتهر أهالي البدية عامة بالصيد حيث تعد من أقدم الحرف والأعمال التي اشتغل بها أهالي البدية ثم الزراعة وتربية المواشي، ويوجد في البدية سوق للخضار والفواكه ينافس سوق الجمعة في منطقة مسافي والذي يتميز عن سوق الجمعة بوجود سوق السمك الأشهر في إمارة الفجيرة من حيث وجود الأسماك الطازجة والتي تتجدد من وقت لآخر».
وعن البدية في الماضي والحاضر يقول المرشدي: «كان السكان قديماً يسكنون على البحر ومع التطور وقيام الاتحاد أصبح النزوح إلى البر الغربي وازدادت أحياء القرية وانتشرت كافة مقومات الحياة بفضل الله ثم القيادة الحكيمة إلى أن أصبحت البدية أقرب إلى المدينة بالشكل الكامل ونسعى لإطلاق عليها مدينة البدية».
محمد العبدولي يقول: «تتمتع منطقة البدية بكل الصفات الطبيعية التي وهبها الله لها، حيث إنها منطقة زراعية وبحرية وجبلية والأهم إنها أثرية وقديمة ويعتمد سكانها على الصيد والزراعة حيث البحر وخيره الوفير، والبيئة الزراعية التي تنتج العديد من المنتجات الزراعية أهمها التمر، و تتميز أيضاً بارتفاع نسبة التعليم فيها وتنوع الخريجين من أبنائها في كل الوظائف المهمة، كالمهندسين والمحامين والضباط والإداريين، وهذا كله بفضل الله ثم القيادة الحكيمة والرشيدة التي لم تقصر في تقديم أي خدمات أو احتياجات للمنطقة وكافة مناطق الدولة».

الوالد عبد الله ربيع يقول: «انتشار المياه العذبة في المنطقة جعل للحياة في البدية طابعاً خاصاً حيث البيئة الزراعية التي جادت بها الأمطار والآبار في المنطقة والتي أدت لانتشار الزراعة بشكل كبير حيث كنا نقوم بتصدير ما نزرعه إلى المناطق المجاورة لنا، أو نستبدله بالملابس والزيوت والسمن والسكر، وعاصرت المنطقة الكثير من الحروب والاستعمار أشهرها حروب الردة، وشهد الحصن المقام فوق المسجد العثماني الكثير من الدفاعات التي دافعنا بها عن بلادنا وأراضينا، ويتكون من حصن وبري (والبري) يشبه الحصن، ولكن يستخدمه القناص للضرب بالبنادق من فوقه، وهو أصغر من الحصن والاثنان معاً هما حصن البدية، وأطلق عليهما هذا الاسم أجدادنا الأولون».

سعيد محمد الشراري (54 عاماً) يقول: «أعمل في مهنة صيد الأسماك منذ الصغر حتى الآن وعشت في البدية أجمل سني عمري، حيث نشأت على بحرها الوفير بالأسماك والخيرات الكثيرة، وأمام البدية منطقة بحرية فيها جزيرة صغيرة اسمها جزيرة اللمساح، التي تعج بالأسماك فيما حولها، والصيادون يعملون بها دائماً لصيد البرية والكغداره والقباب والخباط وأنواع أخرى كثيرة من هذه الأسماك التي يشتهر بها الساحل البحري لمنطقة البدية. حيث تعتبر البدية البحرية منذ القدم وحتى وقتنا الحاضر أغنى المناطق التي تتوافر فيها كافة أنواع الأسماك وأكثرها كثافة».

السماحي: تتميز بالعديد من الآثار

سعيد السماحي مدير هيئة الفجيرة للسياحة والآثار يقول: «تتميز منطقة البدية بوجود العديد من الآثار التاريخية وأبرزها مسجد البدية الأثري الذي يعد معلماً تاريخياً لمنطقة البدية ويعد من أقدم المساجد في الإمارات ويتكون من غرفة ذات شكل مربع وله باب واحد، ومحرابه يتكون من فسحة، ومنبره مكون من سلم به ثلاث درجات، كما توجد باحة مفتوحة، محاطة بسور لا يزيد ارتفاعه على متر ونصف، مبني من الحجارة الصلدة، والطين، والتبن، وتحمل جدران المسجد الذي استخدمت حجارة البازلت في بنائها، آثار نقوش وزخارف طمست معالمها بفعل الزمن، وفيها فتحات يدخل منها الضوء وكوات لوضع المصابيح، كما إنه مقبب بأربع قباب غير متساوية في الحجم، وكل قبة مكونة أصلاً من ثلاث قباب مركبة الواحدة فوق الأخرى».

وأضاف السماحي: «بني المسجد عام 1446 ميلادية وأعيد تأهيله كموقع سياحي بالتعاون مع قسم المباني التاريخية في بلدية دبي»، وقدر عمره ب 652 عاماً استناداً إلى نتائج دراسة أجرتها إدارة التراث والآثار في الفجيرة، بالتعاون مع جامعة سيدني الأسترالية، خلال موسم التنقيب 1997 1998، حيث أخذت عينات لمواد عضوية (فحم نباتي) من أسفل أساس جدران المسجد وأجريت عليها تحاليل كيميائية، وأصبح ذا قيمة دينية كأحد دور العبادة التي تقام فيها الصلوات الخمس، وقيمة تاريخية يتردد عليها الآلاف من الزوار والسياح من كافة أنحاء العالم على مدار أيام السنة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"