الفنون الشعبية الإماراتية إيقاعات الأصالة

حاضرة في المناسبات الاجتماعية والوطنية
00:26 صباحا
قراءة 8 دقائق
تحقيق: محمد حمدي شاكر
برغم مرور عدة سنوات عليها إلا أن الكثير من الجيل الجديد والشباب مازالوا متمسكين بها في المناسبات، الأعراس، أعياد الميلاد والسهرات، لما فيها من رائحة تذكرهم بتراث أجدادهم وتاريخهم الذين يفتخرون به بين الشعوب، فكثير من الفنون الشعبية الإماراتية ما زالت تعيش بيننا حتى يومنا هذا ويصر الشباب على حمايتها كجزء من تمسكهم بتراثهم .
الفنون الشعبية التراثية تختلف في أنواعها ومظاهرها، ولكن تجمعها ملامح متقاربة والكثير منها كان مرتبطاً بالأماكن، فمثلاً تجد للمناطق الجبلية طقوساً تختلف عن البحرية الساحلية وعن الصحراوية البدوية، فلكل منهم طقوسه وعاداته وتقاليده الخاصة التي يتميز بها .
الفنون الشعبية الإماراتية عديدة ومتداخلة بحيث يصعب الفصل بينها بشكل دقيق، فهي فنون تؤدَىَ بشكل جماعي وفي مناسبات عديدة، مواكبة للعادات والتقاليد والمناسبات الوطنية، والخاصة كالأعراس وغير ذلك، إلى جانب اختلافها من بيئة لأخرى فهناك الفنون الشعبية الساحلية والبدوية والجبلية ونذكر من تلك الأنواع على سبيل المثال لا الحصر .
العيالة وتسمى في بعض الأحيان العرضة أو رقصة الحرب، وتعرَض هذه الرقصة من قبل فرق متخصصة أثناء حفلات الزفاف والمناسبات المختلفة، وتؤديها ثلاث مجموعات: الأولى الفرقة المحترفة التي تقوم بالضرب على الطبول، والدفوف والطوس وهي آلات نحاسية ومهمتها تقديم اللحن والإيقاع الحماسي المناسب للنص المؤدى، ويرأس هذه الفرقة رجل يعلق على رقبته طبلة اسطوانية الشكل ذات وجهين وتسمى "كاسر" ويدق عليها بقوة كي يخرج منها إيقاع حماسي عال، أما المجموعة الثانية فتتمثل في الحضور ودورها الطواف بين فرقتي العزف والإنشاد والرقص ممسكين بالبنادق أو المسدسات أو من خلال اللوح بالسيوف، وأثناء الطواف يقذف البعض بندقيته أو سيفه في الهواء، كما تطلق الأعيرة النارية طوال أداء الرقصة كدليل على النخوة والتأهب للحرب .
أما المجموعة الثالثة والأخيرة فهي فرقة رقص وغناء جماعي حول فرقتي العزف وحاملي البنادق والسيوف، وتتكون من أربعة صفوف على شكل مربع أو صفين متقابلين من الرجال الذين يحملون عصى الخيزران التي يلوحون بها في الهواء، بينما تتمايل في الوسط فتيات يطلقن شعورهن بالهواء لتتحرك ذات اليمين وذات الشمال .
اليولة وتعد الرقصة الأشهر بالإمارات وتستخدم في معظم المناسبات وتستهوي جيلاً من الصغار والشباب وقد اشتقت من رقصة العيالة والتي كانت تدل على الشجاعة والفروسية واستعراض القوة وقام جيل من الشباب من الذين أحبوا ممارستها بتحديثها لتصبح استعراضية تمارس بمرافقة بندقية على أنغام الموسيقى والإيقاعات الحديثة والأغاني الحماسية، ويحظى فن اليولة الذي يمثل لوناً شعبياً لحياة البدو الأصيلة باهتمام كبير من قبل جميع فئات المجتمع الإماراتي حيث يظهر فيها المتسابق إبداعاته ومهاراته في حمل السلاح ورميه والتقاطه وأداء بعض الحركات التراثية .
الرزيف يعتبر من أبرز وأهم الفنون وينبع من أصالة الإنسان الخليجي وتاريخه، ويعتبر من فنون البادية، ويؤدى هذا الفن في أعراس البدو وغيرها من المناسبات، من مميزات هذا الفن أنه لا يصاحبه أي لحن موسيقي، بل هو (رزيف) أي يرزفه المؤدون من دون إيقاعات ولا آلات مصاحبة، وتقترب لغة الرزيف وهزجه من الفصيح، ويعد من الفنون الجماعية التي تقدم بطريقة حماسية، وتؤدى عادة بعد صلاة العصر حتى ما بعد العشاء، ويغلب على أداء رقصاته الأداء الجماعي، وتردد في الرزيف قصائد الفخر والنخوة، وبعضها يحتوي على أغان عاطفية .
السوما وتؤدى بواسطة التفاف الفريق على شكل دائري، وتبدأ بالتصفيق بالأيدي، وأداء حركات راقصة، وتؤدى على إيقاع طبلتين هما (الكوسر) و(رحماني) . وتقام في المناسبات وأثناء التوقف بعد السفر الطويل .
التغرودة من الفنون الشعبية البدوية الأصيلة، وتحوي قصائد مغناة يترنم بها الفرد ويحاول المنشد فيها رفع صوته ويطرب على تغريده العذب بنفسه ومعه مجموعة من المستمعين، وينشد القوم أغاني (التغرودة) وهم على ظهور الهجن مرتحلين من مكان إلى آخر، أو مسافرين، وهناك أيضاً تغرودة الخيل التي تؤدى على ظهور الخيل، ووظيفتها الأساسية حث الخيل على الإسراع وتحميس راكبيها من الفرسان .
اليولا عبارة عن رقصة تتطلب وجود عشرين شخصاً يقفون في صفين متقابلين كل صف يضم عشرة رجال وفي جانب الصفين يقف حملة الطبول، وتبدأ بدق الطبول والغناء والتصفيق من الرجال الواقفين في الصف، كما يؤدون أيضاً بعض الحركات، وفي أثناء الغناء والرقص يخرج رجلان في الوسط من كل صف ويكون في أيديهما السيوف ويرددان الغناء ويتحركان حركات بطيئة مع رفع السيوف وقذفها إلى أعلى .
السحبة وهي إحدى الرقصات البدوية أيضاً وتزخر بالأغاني والألحان الشعبية، وتشتهر عند بعض القبائل، وتعتبر رقصة مختلطة يشترك فيها الرجال والنساء في صفين متقابلين بينهما ضاربو الطبول وتتمايل أثناءها الأجساد إلى الأمام وإلى الخلف في حركة خفيفة وديعة .
الرواح أحد الفنون الجبلية والمعروفة بإمارة رأس الخيمة وتمارس على إيقاع نشيد يتضمن الغزل والمدح، وتتكون الفرقة من الرئيس أو (الأبو) وعدد من الرجال الذين يقدر عددهم بخمسين أو أكثر، ويأتي هذا الفن بعد الانتهاء من فن(العيالة) حيث يجلس المنشدون لتأديته .
بعد أن عرضنا بعضاً من الفنون الشعبية الإماراتية القديمة المتأصلة والتي ما زال الكثير من جيل الشباب حتى يومنا الآن متمسكاً بها أو بعضاً منها أو حتى مع التحديث فيها أردنا الاقتراب بشكل أكبر من هؤلاء الشباب ومعرفة السر وراء حبهم لتلك الفنون، ولماذا لا يعيدون تجديد فنون أخرى انتهت، لماذا على سبيل المثال مازالت رقصة اليولة الأشهر على الإطلاق بين مختلف الفئات العمرية، وأشياء أخرى كثيرة أجابنا عليها هؤلاء الشباب .
فؤاد عبدالله يعمل بعقارات دبي ويقول: "تعتبر تلك الرقصات والفنون تراثاً شعبياً بحتاً للدولة، وتحرص الكثير من المدارس على تعليمه للطلبة في مراحلهم التعليمية الأولى، لاعتبارها وسيلة لكسر روتين اليوم الدراسي، وحتى يتعلم الطالب منذ الصغر الفلكلور الشعبي، والذي لا بد وأن يبقى أبد الدهر، خصوصاً وأن هذه الفنون بكل بساطة تعتبر هوية بلد وليست مجرد رقصات .
ويضيف عبدالله: "أحرص بشكل شبه دائم على المشاركة في الفعاليات والمناسبات الوطنية والشعبية، وأحاول القيام بتأدية بعض الرقصات قدر المستطاع، خصوصاً وإن هناك بعضاً منها تحتاج لمهارات وتعليم، وأرى على سبيل المثال أن اليولة تعتبر تراثاً شعبياً تنفرد به دولتنا عن غيرها وعليه فلابد من تعليمها لمختلف الأجيال كي يتعرفوا إلى تراث وطنهم ويتباهوا به .
وعن فكرة انتشار اليولة وبعض الرقصات واندثار البعض الآخر يقول عبدالله: "الفكرة ليست في اليولة، فبعض الفنون الأخرى نعتبرها خليجية، ومنها ما تتم تأديته وممارسته في دول الخليج الأخرى، وأيضاً هناك بعض الفنون الشعبية التي اندثرت مع الوقت بسبب طغيان البعض عليها، حيث تبقى الرقصات الحربية والتي تعتبر أساس الأفراح والمناسبات السعيدة عند جميع العائلات الإماراتية" .
وينهي حديثه: "الفنون الأوروبية والشرقية وغيرها من الفنون نهتم بها أيضاً، ولكن يجب ألا تكون الأساس لدينا، حتى نحافظ على هويتنا الوطنية من خلال الفنون الشعبية، ومن واقع مشاهدتي لم أعد أستمع كثيراً لموسيقى أخرى بخلاف الإماراتية والخليجية في المناسبات خاصة الأفراح" .
ويؤكد محمد خليفة مستثمر إماراتي على الكلام السابق ويضيف: "اليولة، العيالة، والرزفة من الفنون الذي لا يمكننا الاستغناء عنها، ويجب على كل إماراتي عاشق لهذا الوطن أن يتعلم فنون وتراث بلده ويعرف تاريخها، وأعتقد أن تلك الفنون أو الرقصات كما تسمى ليست تصغيراً لمن يقوم بها، خصوصاً وأن لكل دولة عربية أو أوروبية ما يميزها من فنون ورقصات، فمن الدبكة تعرف اللبناني، وتعرف المصري من الشرقي، وغيرها من الدول التي تمتاز برقصة وفن شعبي يميزها عن بقية الشعوب الأخرى، وبالتالي فما يميزنا نحن في منطقة الخليج عامة والإمارات خاصة فن اليولة، والرقصات الحربية والرزفة وغيرها من الفنون التي نتشرف بتعلمها، وتعليمها لأبنائنا والأجيال المتعاقبة" .
ويضيف خليفة: "لا يمر حفل زفاف أو أي مناسبة سعيدة في الدولة إلا وكان ضمن برنامجها تلك الفنون، وأعيب على من يهتم بالفنون الأخرى ويترك فنوننا التراثية التي تدل على هويتنا وتراثنا، وأنا حضرت أكثر من مناسبة وكان الجميع يستمتع بهذه الفنون أكثر من الفنون الأخرى ويتفاعل معها، وإن لم تكن بالفعل ذات قيمة ويعشقها الجميع لما استمرت إلى يومنا هذا" .
وعن عدم انصياعه للغرب يقول محمد خليفة: "هناك بعض الأنماط الذي يريد الغرب أن يؤصلها فينا مثل الفنون والموسيقى الغربية، ومع إننا نستمع إليها، إلا أننا كإماراتيين، وأنا منهم أحاول جاهداً الحفاظ على تراث بلدي وهويتي من خلال فنوننا الشعبية وموسيقى الخليج التي أشعر بالراحة لسماعها بخلاف الأنواع الأخرى" .
جمعة سلطان يقول: "مثلما قالها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله (من ليس له ماض . . ليس له حاضر ولا مستقبل)، وبالتالي فهذا ماضينا وتراثنا ويجب الحفاظ عليه، وتعليمه للأطفال منذ الصغر، وعدم تشويش آذانهم بالموسيقى والأغاني الغربية التي أصبحت أكثر من تافهة بل وتخطت كل القيود والخطوط الحمر، وأنا من طبعي أهتم كثيراً بإحياء تراثنا وأحاول توصيله لكل العالم وتعريف الجميع بتاريخ الإمارات" .
ويكمل سلطان: "انتشار اليولة والرزيف يأتي لأنهما واكبتا العصر والتطورات واستحدثتا بعض الآلات عليها، فأصبحتا الأقرب إلى الناس، ونحن نحاول دائماً تعزيز تراثنا ونؤصله بالتطور والتغيرات التي تحيطنا .
وينهي جمعة سلطان حديثه: "برغم التطورات التي تشهدها الإمارات ووصولها لمراتب عليا في شتى المجالات إلا أننا ما زلنا نحافظ على تراثنا وتاريخنا، وبالفن تحيا الأمم وتتواصل الشعوب، ومن تلك النقطة تحديداً نحاول توصيل فننا وتراثنا للعالم أجمع، خصوصاً وأنني أمارس تلك الفنون منها اليولة ضمن فريق يشارك في الاحتفالات الرسمية، ومناسبة اليوم الوطني، والأفراح، وكل المناسبات السعيدة في الدولة" .
صالح الصيعري يقول: "أنا من أكثر الأشخاص تمسكاً بالفنون التراثية لدرجة عشقها، ومواظب عليها سواء في حفلات الأعراس، أو أعياد الميلاد، أو احتفالات الدولة باليوم الوطني، والحفلات الرسمية، ومع ذلك لن أخفي عليك فأنا من مستمعي الموسيقى الغربية، ولكن ليس لدرجة تمسكي وجنوني بتراث بلدي" .
ويضيف الصيعري: "تربيت على اليولة وشتى الفنون الشعبية، ودائماً ما كان يشجعني والدي عليها، وهذا ما أفعله اليوم مع أخي الصغير، ويفعله أيضاً، لحبه وعشقه لتراث وفنون بلدنا والذي غرسها فينا جميعاً .
وعن فكرة انتشار اليولة يقول: لأنها بكل بساطة ذات مجهود فردي ويمكن لأي شخص أن يقوم بها، أما العيالة وبقية الفنون تعتمد على عدة أشخاص وأيضاً تحتاج لمجهود وبعض المهارات، وأصبحت اليولة، العيالة الآن مميزة عن السابق، في السابق لم تكن الفرق الشعبية موجودة مثل الآن، وكانت تقتصر على الأقارب من نفس القبيلة، أما الآن الأمر اختلف وأصبح العود والموسيقى والطبول وغيرها من الأجهزة التي واكبت العصر وأضفت عليها ميزات أخرى" .
وينهي صالح الصيعري حديثه: "تمسكنا بتلك الفنون يضاهي فخر العديد بتراثهم وفنهم وتاريخهم، فأقرب مثال مصر وتحديداً الفيوم التي حضرت عرساً بها فرأيت تاريخهم وتراثهم حاضراً في الأفراح مثل رقصة الخيل والعصا، بعكس المناسبات التي تقام في القاهرة، وهنا تقريباً بالإمارات نفس الشيء، فالقبائل تحافظ على التراث بكل الطرق وتحييه من وقت لآخر، رغم أن هؤلاء الشباب في اليوم التالي تجدهم يرتدون الجينز ويستمعون إلى الموسيقى الغربية والأوروبية، لكنهم يحافظون على التراث والتاريخ لأنه هوية بلدنا وتاريخ أجدادنا .

انتشار اليولة

بما أن اليولة تستحوذ على نصيب الأسد من الفنون الشعبية في قلوب كل الإماراتيين وما زال الكثير من الشباب يمارسها، ولا تمر مناسبة إلا وهي حاضرة بشكل كبير، فتوجب علينا التحدث إلى أشهر راقصي اليولة وصاحب فرقة المثايل الحربية للرزيف المطور، والتي تقدم هذا الفن والاستعراضات بالرزيف على العود والطبول في شتى مناسبات الدولة، ناصر المزروعي، يقول: "الفنون الشعبية بشكل عام تعتبر تراثاً يتوجب على كل مواطن أن يحافظ عليه، ويرعاه، ويتمسك به، ويقوم بتعليمه لأولاده وأحفاده، ويتسلم الموضوع جيلاً بعد الآخر، فهويتنا الوطنية مرتبطة بهذا التراث وهذا التاريخ تاريخ أجدادنا، ولا نفضل كإماراتيين دخول الموسيقى الغربية والأجنبية في مناسبتنا وأفراحنا، وهذا ما نلاحظه بشتى المناسبات" . ويضيف المزروعي: "سبب انتشار فن ورقصة (اليولة) بالرزيف عن بقية الفنون قربها من الجمهور، خصوصاً وأنها تطور من نفسها يوماً بعد الآخر ومواكبة للتطورات الموسيقية المختلفة، فأصلها من دون طبول وموسيقى، لكن الوضع اختلف الآن وأصبحت تجاري العصر من عود وموسيقى وطبول وغيرها من الأشكال المختلفة للصوتيات، ومن هنا جاء حب الناس لها" .
ويكمل: "ما يميز تلك الفنون أنها لا تحتاج لأي تدريب أو ممارسة بشكل مستمر، خصوصاً لدينا كمواطنين فالجميع ينشأ عليها من خلال حفلات الأعراس، والمناسبات المختلفة، ويعلمها لهم آباؤهم وأجدادهم الذين يحرصون على عدم ضياع تراثنا وهويتنا وماضينا الذي يصنع حاضرنا ومستقبلنا .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"