إعداد: زكية كردي
جامع بني أمية الكبير، ويعرف اختصاراً بالجامع الأموي، أمر بتشييده الوليد بن عبدالملك في دمشق، ويُعد رابع أشهر المساجد بعد المساجد الحرام والنبوي والأقصى، كما يعتبر واحداً من أفخم المساجد.
حل المسجد محل كنيسة القديس يوحنا المعمدان التي قامت بدورها على موقع معبد المشتري الروماني. وأقيم في المكان ذاته قبل الميلاد بنحو ألف عام، معبد ل«حداد»، إله الرعد عند الآراميين. واتفق المسلمون والمسيحيون بعد الفتح الإسلامي، نحو 635 م، على اقتسام الكنيسة فيما بينهم، وأخذوا يؤدون عباداتهم جنباً إلى جنب سبعين سنة.
وفي عام 705، وعندما زاد عدد المصلين المسلمين، اشترى الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك المكان، مقابل بناء أربع كنائس للمسيحيين. وشرع بعدها في بناء المسجد، ووفقاً لمؤرخ القرن العاشر ابن الفقيه، اشتغل به حرفيون أقباط، فضلاً عن عمال فارسيين وهنود ويونانيين ومغاربة شكلوا الجزء الأكبر من القوة العاملة التي تتألف من 12 ألف شخص.
ويذكر ابن الفقيه أيضاً أن العمال وجدوا مغارة تعود للكنيسة البيزنطية أثناء بناء المسجد، وكانت تحتوي على صندوق يوجد به رأس القديس يوحنا المعمدان حسب المعتقد المسيحي، أو النبي يحيى بن زكريا في الإسلام، فأمر الوليد بتركه على حاله، وجعل عموداً قائماً على المغارة كعلامة مميزة، ثم وضع فوقه تابوتاً عليه اسم النبي يحيى.
حرائق
دمرت النيران معظم المسجد في عام 1069 م، كما أن التتار أجهزوا عليه في 1260م. وفي بداية القرن الخامس عشر الميلادي، أحرق تيمورلنك داخل المسجد كاملاً، وأخيراً في عام 1893، في الفترة العثمانية، أكلته النيران كاملاً. وفي كل مرة يدمر فيها المسجد كان يعاد بناؤه وفق المخطط الأصلي على قدر المستطاع.
تبلغ مساحة المسجد كله 157×97م ومساحة الحرم 136×37م، أما مساحة الصحن فهي 22.5×60م وتنفتح فيه أربعة أبواب: باب البريد من الغرب، وباب جيرون من الشرق، وباب الكلاسة من الشمال، وباب الزيادة من الجنوب.
أما الصحن فإنه محاط من جوانبه الثلاثة بأروقة شامخة ارتفاعها 15.35م، ومن الجنوب تنفتح أبواب الحرم التي أصبحت مغلقة بأبواب خشبية تعلوها قمريات زجاجية ملونة مع كتابات.
عالم آخر
عند الدخول إلى باحة المسجد الواسعة، يبدو وكأنك تدخل عالماً آخر. وفي الداخل، واحة من البرودة والهدوء والصمت. ويحس الناس في ساحاته الرخامية الكبيرة بأنهم تركوا مشاغلهم ومتاعبهم عند الباب. والإحساس الطاغي بالهدوء في ساحاته الكبيرة الهادئة تجربة تهزك من الأعماق.
وفي طرف من المسجد، بالقرب من المدخل الرئيسي، هناك مبنى رائع في الرحبة، وعليه قبة صغيرة مسنودة على أعمدة كورنيثية نحيفة، مع جدران من الموزاييك مزخرفة، وهذا البناء الصغير الذي يعتبر واحداً من أفضل أمثلة الفنون الإسلامية، كان في يوم ما خزانة الدولة الأموية أو بيت المال.
وأما الجوانب الثلاثة للساحة الرئيسية، أو الصحن، فهناك أروقة مكونة من أعمدة تتخللها جدران وتعلوها أقواس رومانية على شكل حدوة الحصان. وطعمت أجزاء منها بالموزاييك، وهي بقايا عهد كانت فيه جميع هذه الممرات مطعمة بالذهب. والجانب الرابع يمتد أمام الحرم، وجانب منه من الرخام الذي تعلوه جداريات جميلة، وهي تمثل أرابيسك من الموزاييك المطلي الرائع.
وفي حرم الجامع أربعة محاريب مخصصة للمذاهب الأربعة.
والمئذنة الشمالية هي الأقدم، وأضيفت إليها منارة في عصر صلاح الدين، ثم في عصر العثمانيين وفوق الصوامع أنشئت المئذنة الشرقية في عصر الأيوبيين ثم العثمانيين، والمئذنة الغربية أنشأها السلطان قايتباي.