النخيل.. علاقة وثيقة بتراث الإمارات

00:02 صباحا
قراءة 6 دقائق
إعداد:هند مكاوي
النخلة، عنوان أهل الإمارات والخليج العربي، ورفيقة دربهم، ويتوفر التمر في كل بيت إماراتي لقيمته الغذائية، وارتباطه بكرم الضيافة مع القهوة العربية، والنخلة شاهدة على التطور الذي شهدته الدولة، ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتراث الدولة، حيث دخلت في جوانب الحياة المختلفة عند الإنسان الإماراتي، فبنيت البيوت من سعفها، وتؤكل ثمارها، ودخلت في الزينة وصناعات مختلفة، فكان لها التأثير القوي في الماضي والحاضر.

شجرة النخيل بحسب كتاب «الأشجار والنباتات في تراث الإمارات»، الصادر عن إدارة التراث، تحت إشراف عبدالعزيز المسلم، هي شجرة معمرة دائمة الخضرة، ذات ساق اسطوانية غير متفرعة، وأوراقها كبيرة ريشية، يبلغ طول الواحدة منها ثلاثة أمتار، والنخيل أحادي المسكن، فإما أن تحمل الشجرة أزهاراً مؤنثة، أو تحمل أزهاراً مذكرة، والثمرة مستطيلة غضة، يختلف لونها حسب الصنف، ويزرع النخيل على مساحات شاسعة في كل إمارات الدولة، وكرمت النخلة وذكر اسمها في القرآن الكريم في عشرين آية، في 16 سورة.
ولهذه الشجرة المباركة تاريخ عريق في الخليج والجزيرة العربية عامة، وتشتهر دولة الإمارات منذ القدم بنخيلها وتمورها وصناعاتها اليدوية التقليدية المعتمدة عليها، وتعد النخلة جزءاً حياً من تراث شعب الإمارات وتقاليده، فهي رمز العطاء والخير وعنوان الكرم، وقد ضمت واحات النخيل في الإمارات أجود أنواعه، وأهمها النغال، الفرض، أشهل، خصاب، خاضوري، جش سويح، عين يقر، خنيزي، خلاص، هلالي، خشكار، جش، حبش، حمري.
وقد حظيت بالاهتمام على أعلى المستويات، حيث وصل عددها في الإمارات حسب آخر الإحصائيات، إلى أكثر من 40 مليون نخلة.
حرف تقليدية
انتشرت من الأشجار بشكل عام وشجر النخيل بشكل خاص، كثير من الحرف والمهن الشعبية التقليدية في دولة الإمارات على وجه العموم، ومن هذه الحرف والمهن المرتبطة بالأشجار، صناعة الخوص، وهي صناعة يدوية تستخدم فيها أوراق شجر النخيل «السعف»، في عمل السلال، المهفة، الشب، الميزان، المنز، السفافة، والحصران، والمكب، القحفية، ويصنع الحابول، من ليف النخيل بعد نقعه في الماء، وبناء العريش، وكذلك تصنع المداخن، أي المباخر، من جريد النخل، بعد إزالة السعف، وتستخدم في مجال الدخون والطيب، كما تصنع الشوش من جريد النخل، وهي سفينة صغيرة على شكل قارب.
ألعاب شعبية
لعبة «خيل يريد»، من الألعاب التي تستخدم فيها شجرة النخيل، وهي لعبة جماعية للأطفال، تعتمد على سعفة النخيل، حيث يضعها اللاعب بين الرجلين، ويمسك مقدمتها بيده اليمنى وعصا بيده الأخرى تستعمل لضرب السعفة من الخلف أثناء الجري.
ولعبة أخرى تسمى «القرقعانة»، وتتكون من عزق النخيل، ويشرخ إلى ثلاثة شروخ، ويمسك الصبي بمؤخرة العزق ويحركها بقوة، وأثناء ذلك تحدث صوتاً قوياً.
ولعبة «خوصة بوصة»، وهي لعبة تمارسها البنات حيث يرددن أثناءها كلمات يقلن فيها: «مرينا على عريب - يلقطون الشباح واللباح - حوصة - بوصة - بالنبوصة - ياكي الدود - من حندود - من عجارب - من السود - عاليا عاليا - اعطينا سيفك - بنلا جيبه - عبدالله - بن سعيد - لادغته - عقربية - شكر بية - دوسة - خيل - لومطية».
ويستخدم في لعبة «المروهة» خوص النحيل الذي يتم تقطيعه إلى أربعة أضلاع متساوية، بحيث تأخذ شكل الريشات الأربع لمراوح الهواء المعروفة، ويثقب منتصف الخوصات الأربع في منطقة المركز، ثم توضع العصا، وأثناء الجري تتحرك المروحة بسرعة.
أما لعبة «البعير من الكرب»، فتصنع من كرب النخيل، ويتم ربطها بواسطة خيط على شكل قطار، يجره الطفل، ويوضع فوق الكرب عروس من القماش، وهي عبارة عن نموذج مصغر من الهودج، وتقليد جميل لحياة البدو وأعراسهم، يعكس تمسكهم بأصالة تراثهم الجميل.
أمثال وفوائد
} «الطول طول النخلة والعقل عقل سخلة»، وهنا يضرب المثل للإنسان غير المتزن في تصرفاته.
} «الطويلة ما تنرقي والقصيرة فيها شوك»، والطويلة هي النخلة المرتفعة العالية، والقصيرة، النخلة التي بها أشواك «تنرقي أي لا يمكن تسلقها»، وهنا يضرب المثل للإنسان الذي أمامه خيارات، ولكن لكل منها مشكلاته، فلا يعرف كيف يوجه نفسه.
} «خوص بخوص ورقعة السمة خصف»، والخوص هو السعف، والسمة غطاء للحماية من الأمطار، تغطى به بيوت السعف، وخصف، نوع من السعف، وهنا يضرب المثل للأشياء المتشابهة، ويضرب المثل أيضاً لبعض الأفراد، الذين يتآلفون في الطباع والعلاقات.
استفاد ابن الإمارات من شجرة النخيل استفادة عظيمة، فقد كانت مصدراً لغذاء الإنسان صيفاً وشتاءً، حيث يعتبر التمر أهم وجبة غذائية، يمكن أن تقدم على مائدة الإنسان، وهناك وجبات عديدة يدخل في صناعتها التمر، وقد استفاد مجتمع الإمارات من النخلة كثيراً، فمن سعفها وجذوعها وخوصها، صنع العديد من مستلزمات الحياة آنذاك، كالآسرة والدعون، ومن عسلها استطاب له أن يتمتع بالدبس، الذي يعد مكملاً غذائياً مهماً، ويقدم للضيف لإكرامه.
كما دخل التمر في تركيب الكثير من العلاجات والأدوية الشعبية، فقد استخدم لتجبير الكسور، إذ يمزج المعالجون الفرض بالملح، ويصنعون من المزيج لزقة يضعونها على العظم الذي جبر بطريق الخطأ، فتؤدي هذه اللزقة إلى تلييف العظام، فيمكن بعد ذلك تعديلها، أو إعادة جبرها، ولم يستبعد نوى التمر كذلك من اختراعات الإنسان قديماً، إذ تم استخدامه علاجاً لأمراض العيون، بعد تحويله إلى مسحوق أسود، تكحل به العيون المصابة بالرمد، أما بالنسبة للصناعات، فقد استفاد الإنسان من النخلة ومشتقاتها، فصنع الحصر من خوص النخيل، واستخدمها بدلاً من السجاد، لفرش المنزل، كما صنع السراريد والقفف والجفران، من خوص النخلة، وهذه كلها مكملات وأدوات لحفظ الأطعمة والملابس، كما صنع من ليف النخلة، شباك الصيد، ومن جريدها وجذوعها، شيد المنازل القديمة، وأتم الجدران للأكواخ، وبرع الإماراتي في صناعة المخاريف والمزامي، ومفردها مزماه، وفيها يجمع حصيلة اليوم من التمر، فينقله من الضاحية إلى المساطيح، كما ينقل الحبوب والسماد في المزماة كبيرة الحجم، وصنع أيضاً المكاب، وهي أدوات حفظ الطعام، والمهاف، وتستخدم كمروحة يدوية للتهوية، وهي مصنوعة من سعف النخيل، وصناعة المشاب، وهي كالمراوح، تستخدم للتبريد أو التهوية بصفة عامة، أما جذوع النخيل فكانت الركيزة التي تقوم عليها المنازل.
موسم الرطب
جاء في كتاب «النخلة عروس الرمل والمدى أبجدية نخيل الإمارات»، من إصدارات معهد الشارقة للتراث، وهو للكاتب عبدالجليل علي السعد، أن الرطب يمثل مرحلة نضج الثمار، وفيها تلين البسرة، ويبدأ تحول لونها إلى البني من القمة إلى القاعدة، إلى أن تتحول كاملة إلى البني الفاتح، إذا كانت صفراء، وإلى البني الغامق، إذا كانت حمراء، وتستغرق من أسبوعين إلى 14أسبوعاً، ويبدأ الإرطاب من قمة التمر، حتى يعمه بأكمله، وتصبح الثمار سكرية، وبعض الأصناف الجافة، أو نصف الجافة قد لا تمر بهذا الطور، وإنما يتغير لون الثمار إلى لون بني أو محمر.
يبشر قدوم فصل الصيف «القيظ» بموسم الرطب، الذي يحييه الإماراتيون من خلال جني التمر وتخزينه، بأفضل الطرق للحفاظ عليه لأطول فترة ممكنة، وبيع الفائض من إنتاجهم، وكانت المناطق الجبلية والواحات، وجهة للأشخاص خلال موسم القيظ، للاحتماء من الحر والرطوبة، ومساعدة أهلها في جني التمر، والذي يحتاج إلى مهارة خاصة، والانتفاع منه، مع بدء بشارة النغال، الذي يعتبر من أنواع التمور السائدة في الإمارات، والأول في التبشير بقدوم موسم النخيل، وموسم جني الرطب يبدأ بانتقال أهل المنطقة والوافدين إليها نحو أشجار النخيل، إذ كانت تبنى بيوت العريش للسكن فيها خلال ذلك الموسم، وتجهز المساطيح المصنوعة من السعف، والتي يوضع عليها التمر للتجفيف، وموسم الجني كان مناسبة لالتقاء الناس، وتجمعهم في مناطق محددة، وفيما يتعلق بالأجواء التي تسود خلال موسم حصاد الرطب، يتداول الأهالي إلى الوقت الراهن في المناطق التي تزرع فيها أشجار النخيل، كلمة «بَشّرَتْ»، أي أن أشجار النخيل أثمرت، وتسبق بعض المناطق بعضها بأيام معدودة بالإعلان عن إثمار النخيل، وذلك بحسب درجة الحرارة فيها، وهناك بعض المناطق تسبق الأخرى في موسم الإثمار فقط، وتلي تلك المرحلة تحول الثمرة إلى بسر، بظهور علامات الاصفرار، وبعد اكتمال صفار لونها تسمى رطباً، وعندما تنضج تماماً تسمى تمراً، وتتم حالياً زراعة أصناف مختلفة من أشجار النخيل، للحصول في بداية الموسم على الأنواع التي تثمر باكراً، وبعدها بأيام على أنواع أخرى، للحصول على الرطب لأطول فترة ممكنة، وأهل الساحل عندما كانوا يذهبون لرحلات الغوص، يقيظون في مناطق الواحات والنخيل، مثل: السيجي ومسافي والفجيرة وكلباء وشوكة وحتا والباطنة، أما أهالي أبوظبي، فينتقلون إلى العين أو ليوا، للسكن بجوار الواحات، وينتهي موسم الجني مع انتهاء موسم القيظ، ودخول الصفري الخريف، أي مع نضوج التمر، وتخزين جزء منه في أوعية مصنوعة من سعف النخيل «اليراب»، واشتهرت الإمارات سابقاً، بأنواع مختلفة من الرطب والتمور، منها الموانة، وشحامة، وجشوجة، وخنيزي، ولولو، والنغامة، التي كانت تثمر قبل البقية، وغيرها من الأنواع التي تم جلبها من بلدان أخرى وزراعتها في الإمارات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"