صيد اللؤلؤ.. آمال محفوفة بالخطر

01:51 صباحا
قراءة 5 دقائق
كتبت: أمل سرور
صعبة وشاقة تلك الظروف التي عاشها أهل الإمارات قديماً، تحملوا خلالها متاعب الحياة، فأهل البر الذين اعتمدوا على قليل من الأغنام والإبل تكبدوا عناء الصراع المستمر مع الصحراء الشاسعة والكثبان الرملية المتحركة، بينما أهل الساحل كان صراعهم الأزلي مع البحر الهادر، لم يفارقهم الخوف من بطشه، خاصة إذا فاض وهاج ليغمر منازلهم بالماء، ولكنهم ظلوا بجانبه وبين أحضانه ليعلنوا صراحة بأنهم مثل الأسماك لا يعيشون إلا بالقرب من الماء ويموتون إذا ابتعدوا عنه.

ها هم ينجحون في ترويض غدره، ليكرس لهم كنوزه التي تخفيها مياهه، فتصبح بين أيديهم، ها هم أهل الإمارات يعتمدون على صيد اللؤلؤ اعتماداً كبيراً، لتصبح تلك التجارة بمثابة عصب الحياة بالنسبة لهم.

لا يمكن أن تخلو بيوت أهل الإمارات من إشارة إلى تراثهم البحري، حيث لا تخلو من مجسمات صغيرة للسفن وأدوات الصيد وهي نوع من الزينة بالإضافة إلى كونها دلالة تعبر عن ماضي البلاد الذي يفخرون به.
أمير الأسطول
الوالد جمعة المطروشي عاد بذاكرته إلى الوراء ليسرد لنا بعضاً من تفاصيل عالم صيد اللؤلؤ في الإمارات، تحدث بعد فترة صمت قليلة قائلاً:
عالم كبير ومجال الحديث فيه لا ينتهي ولكني سأبدأ معك من التحضيرات في أول يوم، حيث يخرج أسطول السفن نحو «الهيرات» لصيد محار اللؤلؤ الذي يسمى ب «الشلة» أو «الركبة»، حيث يكون فيه الاستعداد من قبل جميع البحارة للتوجه إلى الصعود على السفن ويقف على الجانب الآخر وعلى الشواطئ كافة الناس وأهالي البحارة لتوديعهم ثم تتحرك القافلة متجهة إلى الأماكن المقصودة.
وفي اليوم الأخير للبحارة، حين يعلن السردال أمير أسطول السفن بدء رحلة العودة ويسمى «القفال»، كانت تطلق طلقة مدفع إعلاناً من السردال ببدء العودة إلى الديار، ويبدأ الأهالي وهم على علم بعودة الأسطول في إعداد أنفسهم لاستقبال أبطال البحر بالأحضان.
يقطع الحديث الوالد خليفة الطنيجي قائلاً لطاقم الأسطول أسماء خاصة ومسؤوليات محددة وهم: «السردال» وهو قائد أسطول السفن وبيده أمر بداية تحرك الأسطول وعودته والذي يتميز بخبرته الواسعة بالبحر و«النوخذة» وهو قائد السفينة التي يعد كل شيء لها من بداية رحلتها وحتى نهايتها وهو المطاع فيها بدون اعتراض من أحد و«المجدمي» «لمقدمي» وهو الذي يجلس في مقدمة السفينة ويحل محل النوخذة في بعض الأحيان و«الغواص» وهو الشخص الذي ينزل إلى البحر ويغوص لاستخراج المحار والأصداف من البحر و«السيب» وهو المعين المباشر للغواص وتقع عليه مسؤولية سلامة الغواص فهذا الرجل يمسك بحبل متصل بينه وبين الغواص فإذا حرك الغواص الحبل سحبه «السيب «بسرعة و«السكوني» وهو الرجل الذي يمسك السكان أي «دفة» السفينة و«الرضيف» وهم الصبية وأعمارهم بين ال 10 و14 عاماً ويقومون ببعض الأعمال ومنها المساعدة على سحب الغواص كما أن بعضهم يتدرب على الغوص.
اليلاسة والنهام
ويعود الوالد المطروشي للحديث قائلاً: من بين الأسماء أيضاً «التباب» وهو الولد الصغير حديث السن والذي يقوم بمساعدة من على ظهر السفينة بسكب الشاي وفلق المحار وغيرهما من الأمور الخفيفة و«الجلاسة» «اليلاسة» الذين يحلون مكان أي غواص يحدث له طارئ ولكنهم يقومون بأعمال مثل فلق المحار و«النهام» وهو الذي ينشد الأشعار في السفينة بصوت شجي ويدعو للبحارة من خلال عباراته بالخير والسلام و«الطباخ» الذي يطبخ المأكولات ويعد الشاي و«الكيتوب» وهو الشخص الذي يقوم بكتابة كل ما يحتاج إلى كتابة وأهمها ما يصيده الغواص ثم يتلو ما كتب آخر النهار.
قطعت الحديث متسائلة عن أهم أدوات صيد اللؤلؤ؟ ليجيبني الطنيجي قائلاً: «الديين» وهو إناء مصنوع من خيوط متشابكة يعلقه الغواص في رقبته أثناء جمع المحار والأصداف، ليضعها فيه و«الحجر» وهي حجر يعلقها الغواص في إصبع إحدى رجليه لينزل سريعاً إلى البحر، ويتصل بهذه الحجرة حبل متصل بالسفينة ليرفعها، السيب و«الزبيل» وهو الحبل المتصل بالحجر الذي ينزل به الغواص إلى قاع البحر، و«اليدا» الحبل الذي يستخدمه الغواص للرجوع إلى السفينة ليرتاح قليلاً ويأخذ نفساً إذ يحرك الغواص هذا الحبل بقوة، فيقوم السيب بسحبه بسرعة ويستلم منه الديين ليفرغه ثم يعود الغواص إلى عمق البحر مرة أخرى، و«الفطام» مشبك يضعه الغواص على أنفه ليقيه دخول الماء من خلال أنفه و«السكين» ويحملها الغواص معه لكي يحتمي بها من المخاطر التي تحيط به.
الهيرات
ساد الصمت الجلسة ليتحدث الوالد المطروشي عن «الهيرات» قائلاً: هذا هو اسم أماكن الغوص (المغاصات)، ومنذ اللحظة التي تصل فيها السفينة إلى المغاص يرفع النهام صوته منشداً وتبدأ الاستعدادات التي لا تتوقف إلا بانتهاء العمل، ويحمل الغواص معه أدواته ثم ينزل إلى قاع البحر وبمجرد وصوله يبدأ بجمع المحار والأصداف ويضعها في «الديين» وبعد دقائق معدودة يحرك اليدا فيقوم السيب بسحبه إلى سطح البحر وبعدها ينزل مرة أخرى وهكذا لمدة زمنية أو بعدد التبات وقد يستغرق العمل ساعتين أو أكثر، وبعد أن ينتهي هذا العمل يصعد الغواص «الغيص» على ظهر السفينة عند وقت صلاة الظهر خصوصاً للصلاة بعدها يتناول الجميع طعام الغداء وبعد ذلك تبدأ فترة الاستراحة فينام الجميع في هذا الوقت.
أما بعد الاستيقاظ فإن الغواص قد ينزل مرة أخرى إلى قاع البحر أو قد يبقى على ظهر السفينة وتبدأ مرحلة أخرى من العمل يقوم بها السيب والجلاسة «اليلاسة» وهي مرحلة فلق المحار ويتعاون الجميع على ذلك وفي أثناء الغروب يتوقف الجميع عن العمل لتبدأ صلاة المغرب العشاء وبعدها يتهيأ الجميع لتناول طعام العشاء وبعد العشاء النوم.
ثم يستيقظ الجميع في الصباح الباكر جداً للصلاة والريوق «تناول طعام الإفطار»، حتى يحين وقت العمل مرة أخرى.
الغوص الكبير
وعن مواسم الغوص يكمل المطروشي حديثه بالقول: ليس في كل الأوقات من أيام السنة وفي الشتاء يكون الغوص عند السواحل بدلاً من أن يكون في أعماق البحار، وهناك ما نسميه «الغوص الكبير» وهو الغوص الرئيسي الذي تخرج فيه كافة السفن ويصل عدد البحارة فيه إلى عدة آلاف وعدد السفن إلى عدة مئات ويوجد الجميع في مكان واحد على صورة أسطول من السفن التي تخرج معاً وفترته تبدأ من مطلع يونيو وحتى نهاية شهر سبتمبر خصوصاً أن المحار والأصداف في هذه المرحلة يكون متكاثراً وبعد الغوص الكبير يبدأ «غوص الردة» في بداية شهر أكتوبر ويستمر لمدة شهر كامل و«غوص الرديدة» وبدايته مع بداية شهر نوفمبر ولمدة شهر كامل وهو غوص آخر الموسم.
اللخمة والدجاجة
وعن الأخطار التي يتعرض لها البحار يتحدث الوالد المطروشي قائلاً: الأسماك المفترسة وعلى رأسها ما يعرف بالجرجو في الخليج وهو «سمك القرش» القاتل ولهذا السبب يحمل الغواص معه سكيناً يدافع بها عن نفسه أثناء الهجوم، كما أن هناك أنواعاً أخرى من الأسماك تسبب أوجاعاً وآلاماً، حين تعض الغواص ومنها سمكة الدجاجة وسميت بهذا الاسم لأنها تشبه الدجاج وفيها أشواك فإذا ما أصابت الغواص آذته، وهناك أيضاً اللخمة وهي حيوان بحري مسطح له ذيل طويل واللخمة تضرب الغواص بذيلها فإما أن تقتله لأنها تبث فيه سماً وإما أن يصاب بجرح يمكن علاجه، وهناك أنواع أخرى عديدة من الحيوانات البحرية ولكن المخاطر الأخرى التي يتعرض لها الغواص عبارة عن أوجاع في الأذن والأنف بسبب النزول عدة مرات إلى قاع البحر طوال أشهر عديدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"