قصر الحصن حارس تاريخ أبوظبي

11:57 صباحا
قراءة 4 دقائق
يجسّد قصر الحصن أقدم المباني العمرانية العريقة في أبوظبي، بما يحمله من دلالات رمزية وتاريخية خالدة، ويختزل القصر رحلة طويلة من التطور التاريخي والسياسي لإمارة أبوظبي، بدأت منذ بنائه في القرن الثامن عشر الميلادي، لحماية مصادر المياه من الغزاة، إلى أن تحول البرج البسيط إلى حصن منيع . ومع تعاظم دور إمارة أبوظبي والتغيرات الاستراتيجية والسياسية التي شهدتها المنطقة، أصبح قصر الحصن شاهداً على مراحل تاريخية مهمة، وفي هذا الإطار تنظم هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة مهرجان قصر الحصن من 28 الجاري وحتى 9 مارس/ آذار المقبل ،2013 بمناسبة مرور أكثر من 250 سنة على بنائه .

يقول سعيد بن كراز المهيري، نائب مدير إدارة مشروع تطوير قصر الحصن في الهيئة: يعتبر القصر المعلم التاريخي الرئيس في إمارة أبوظبي، ويختزل تطورها التاريخي والسياسي منذ بنائه في القرن الثامن عشر الميلادي . ومشروع التطوير يبدأ من إجراء أعمال التحديث الضرورية، وانتهاء بتوسيع القصر وتحصينه من أجل تعزيز المكانة المهمة لهذا البناء .

وتبدأ قصة هذا القصر، عندما بنى زعيم قبائل بني ياس الشيخ ذياب بن عيسى عام 1761م برج مراقبة لحماية البئر، ثم قام ابنه الشيخ شخبوط بن ذياب من بعده ببناء أول قلعة بالقرب من البرج الأول، وفي الوقت الذي شكل فيه الخليج العربي شرياناً مهماً للتجارة والأعمال، غرس قصر الحصن، بما يحمله من مضامين القوة والثقة والطمأنينة في نفوس سكان المنطقة . ويضيف: مع تعاظم دور إمارة أبوظبي والتغيرات الاستراتيجية والسياسية التي تطلبت انتقال قبيلة بني ياس إلى الساحل، قرر الشيخ شخبوط نقل الحكم من واحات ليوا إلى جزيرة أبوظبي، وتم بناء القلعة الثانية في القصر في عهد الشيخ طحنون بن شخبوط، وخلال هذه الفترة نمت أبوظبي وتطورت . . وفي عهد الشيخ خليفة بن شخبوط تم بناء القلعة الثالثة، واعتبار الحصن المقر الحقيقي والرمزي للسلطة في أبوظبي، وفي عهد الشيخ سعيد بن طحنون آل نهيان تم ربط القلاع الثلاث بسور يضمها معاً، وبعد الشيخ سعيد بن طحنون بدأت مرحلة جديدة في عهد زايد بن خليفة آل نهيان الملقب بزايد الأول، وانتقلت أبوظبي في عهده نحو مرحلة من النمو الكبير في الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية وكانت حافزاً لازدهار تجارة اللؤلؤ .

وتوسع قصر الحصن مجدداً ليعكس هذه الثروة والسلطة، ومع اكتشاف النفط تسارعت وتيرة التغيير في أبوظبي، وقّع الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان أول عقود التنقيب عن النفط في ثلاثينات القرن العشرين، وقام ببناء وتطوير قصر الحصن على شكله الحالي سنة ،1939 وفي عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أصبحت الإمارات نموذجاً للاستقرار والتقدم مع قصر الحصن قلبها النابض وتراثها الحي .

ويقول د . فالح حنظل، باحث في تاريخ وتراث الإمارات والخليج العربي عن مراحل بناء قصر الحصن: مر قصر الحصن بثلاث مراحل رئيسة، الأولى في عهد الشيخ ذياب بن عيسى وولده شخبوط بن ذياب، وفيها لم يكن أخذ بعد شكل القلعة أو الحصن، وكان عبارة عن برجين وغرفة محصنة للسكن المربعة، وبتولي الشيخ سعيد بن طحنون الحكم عام ،1845 بدأت المرحلة الثانية التي أضيف فيها برج ومسجد وحفرت بئر مياه للبناء القديم، وأحيطت هذه المباني بسور، وفي عام 1950بدأت المرحلة الثالثة في عهد الشيخ شخبوط بن سلطان بن زايد حاكم أبوظبي، الذي قرر توسعة القصر إلى أربعة أضعاف مساحته السابقة، وإحاطته بسور عظيم وأبراج قوية، وأصبح القصر مكوناً من طابقين، واستخدم لأول مرة في بنائه الأسمنت بالإضافة إلى استخدام أخشاب الشندل من إفريقيا وأحجار المرجان بيم، وكان المشرف على بنائه محمد البستكي واستغرق البناء نحو ثلاث سنوات، وآخر من سكن هذا القصر الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، وعندما تولى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الحكم، لم يسكنه مع عائلته، واتخذه مقراً لحكومة الإمارات .

وتوضح د . ريم المتولي، مستشارة وباحثة في مجال التراث والفن الوصف الهندسي لأول بناء للحصن، قائلة: كان بناء بسيطاً، مربع الشكل بمدخل شمالي مقابل البحر، وهو كغيره من مداخل الحصون الموجودة في المنطقة، يتسم ببوابته المستطيلة، وكان للحصن مخطط أرضي مستطيل، وبرجان أسطوانيان متقابلان قطريان يقعان في الزاويتين الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية على التوالي، ويصل بين البرجين البارزين سور الحصن الخارجي، ويظهران كأن كلاً منهما بناء ذو طابق واحد .

وتضيف: بالقرب من البرج الجنوبي الغربي، كان هناك مبنى مكون من طابقين وله شكل مستطيل، ارتفاعه أعلى من ارتفاع البرجين الأسطوانيين، ولكنه أعلى من السور، ويقابله مبنى ثان مستطيل، وارتفاعه مماثل للمبنى الأول، ويتكون من طابقين أيضاً، ويتساطح مع السور الغربي للحصن . ويقع في الزاوية الغربية الجنوبية من الحصن بموازاة السور الجنوبي مبنى ثالث مستطيل وله نفس الارتفاع، ولكنه أكبر مساحة من سابقيه .

فيصل الشيخ، مدير المهرجانات في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، يقول عن مهرجان قصر الحصن: يعد المهرجان تجربة فريدة للتعرف إلى خبايا وروائع هذا الصرح العريق، بمناسبة مرور أكثر من 250 سنة على بنائه، ويقدم المهرجان على مدار10 أيام استعراضات فنية وثقافية وشعبية مبهرة تعكس الموروث الحضاري المادي والمعنوي الإمارات بماضيها وحاضرها، ومنها عرض للمخرج العالمي فرانكو دراغون بعنوان قصة حصن، مجد وطن، ويضم المهرجان معرضاً تاريخياً يجسّد العمق التاريخي لأبوظبي، ومجموعة من أجمل ذكريات العدسات المصورة وأفلام الفيديو والقطع الأثرية التي تصور تاريخ البلاد .

ويتيح المهرجان لزواره حضور جلسات تفاعلية غنية بالحوار والنقاش تستضيفها مؤسسة الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان على مدى ثلاثة أيام . وتقدم حوارات المنتدى باللغتين العربية والإنجليزية من خلال مشاركة كوكبة من الخبراء والمختصين الذين يتناولون مجموعة من أهم القضايا المتعلقة بقصر الحصن وما يحيط به من حياة ومجتمعات .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"