“ . . وتلك الأيام نداولها بين الناس”

من كنوز البلاغة القرانية
00:40 صباحا
قراءة 7 دقائق
قال تعالى: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون" (آل عمران: 135) "أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين" (آل عمران: 136)
"قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين * هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين * ولا تهنوا ولا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين" (آل عمران 137- 141)
"أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" (آل عمران: 142)
السؤال: ما إيثار الفعل (فعلوا) على (عملوا) في قوله تعالى: "والذين إذا فعلوا فاحشة . . ." (آل عمران 135)؟
الجواب: "لأن الفعل استعماله في الشر هو الغالب" ومن شواهده قوله تعالى: "كذلك فعل الذين من قبلهم" (النحل: 33)، وقوله: "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه" (المائدة: 79)، وقوله: "كذلك نفعل بالمجرمين" (المرسلات: 18) . والله أعلم
السؤال: ما دلالة التنوين في (فاحشة) في الآية؟
الجواب: للتهويل من فاحشة الزنا والتحذير منها . والله أعلم

سرعة التوبة

السؤال: بمَ يوحي العطف بالفاء في قوله تعالى: "فاستغفروا لذنوبهم"؟
الجواب: للإشارة إلى سرعة التوبة والإنابة إلى الله تعالى فور اقتراف الذنب من دون تراخ . والله أعلم
السؤال: ما الغرض من الاستفهام في قوله تعالى: "ومن يغفر الذنوب إلا الله"؟
الجواب: الإنكار والنفي، أي إنكار ونفي لتوهم من يدعي أن غير الله تعالى يغفر الذنوب . والله أعلم
السؤال: ما دلالة التعبير باسم الإشارة للبعيد في قوله تعالى: "أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم . . ."؟
الجواب: للإشارة إلى رفعة وعلو مكانة المؤمنين المتصفين بالصفات المذكورة في الآيات الكريمة . والله أعلم
السؤال: ماذا أفاد تنوين (مغفرة) في قوله تعالى: "أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم"؟
الجواب: التنوين للتفخيم، وأكد هذا التفخيم الذاتي لمغفرة الله تعالى بقوله تعالى:
"من ربهم" حيث وقع صفة لمغفرة مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية، أي كائنة من جهته تعالى . والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخبر عنهم، المتصفين بتلك الصفات الحميدة، للإشعار بعلة الحكم والتشريف . والله أعلم
السؤال: لِمَ ورد قوله تعالى: "ونعم أجر العاملين" (آل عمران: 136) معطوفاً في آية آل عمران، وورد غير معطوف في قوله تعالى: "لنبوئنهم من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نِعْمَ أجر العاملين" (العنكبوت: 5)؟
الجواب: في آية آل عمران وقع قوله تعالى: "ونعم أجر العاملين" في سياق ذكر فيه الجزاء مفصلاً معطوفاً، فقيل:"أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها" فجاء الجزاء في خبرين معطوفين فناسبه عطف جملة المدح "ونعم أجر العاملين" وربطه بهما، أما في آية العنكبوت فلم يفصل الجزاء بل جاء في خبر واحد، ولم يقع فيه عطف، ولذا كان من المناسب فصل جملة المدح لمناسبة النظم . والله أعلم بمراده .

بشرى بالنصر القريب

إضاءة لقوله تعالى: "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين * هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين * ولا تهنوا ولا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين" (آل عمران 137-141)
تلك الآيات وما بعدها تسلية للمؤمنين عما أصابهم يوم أحد من هزيمة وقتل . وفيها بشرى لهم بالنصر القريب بعد أحد، وتثبيت لهم بذكر مصير المكذبين من الأمم السابقة، وبأن أيام الحروب تكون مرة للمؤمنين لينصر الله تعالى دينه، ومرة للكافرين إذا عصى المؤمنون ليبتليهم ويمحص ذنوبهم . وفي الآيات حث على قتال عدوهم، ونهي لهم عن العجز والفشل والضعف، والله أعلم .
السؤال: ماذا أفادت الفاء في قوله تعالى: "فسيروا في الأرض فانظروا . . ." (آل عمران: 137)؟
الجواب: أفادت السببية، أي سببية أمر المؤمنين بالسير في الأرض والنظر ومطالعة مصارع المكذبين وآثارهم . والله أعلم .
السؤال: لِمَ أمر الله تعالى بالسير في الأرض من دون مطالعة الكتب؟
الجواب: لأن غالب المخاطبين كانوا أمييّن ولأن مشاهدة آثار المكذبين أقوى أثراً من السماع . والله أعلم .
السؤال: ما المقصود بالناس في قوله تعالى: "هذا بيان للناس" (آل عمران: 138)؟
الجواب: المكذبون، واللام للعهد .
السؤال: لم خص المتقون باستحقاقهم الهدى والموعظة في قوله تعالى: "هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين" (آل عمران: 138)؟
الجواب: لأنهم هم المنتفعون بذلك، قال تعالى: "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب" فالموعظة والهدى لا يكونان إلا لمن اتقى، فمن عمي فكره، وطمست بصيرته، وقسا قلبه لا يهتدي ولا يتعظ، فلا يناسب أن يضاف إليه الهدى والموعظة . والله أعلم

إثارة عاطفة الإيمان

السؤال: ما سر تعليق الشرط ب "إن" في قوله تعالى: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" (آل عمران: 139)؟
الجواب: في الآية تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين عما أصابهم يوم بدر . والخطاب للمؤمنين، وفي تعليق الشرط ب ( إن ) الشرطية الدالة على الشك إثارة لعاطفة الإيمان في صدورهم، وإلهاب وهز لنفوسهم بوجوب الثقة في وعد الله تعالى لهم وبعدم الخوف من أعدائهم . والشرط متعلق بالنهي "ولا تهنوا ولا تحزنوا" أو بقوله: "وأنتم الأعلون"، والتقدير: "إن كنتم مؤمنين حقاً فلا تهنوا ولا تحزنوا" أو: "إن كنتم مؤمنين فأنتم الأعلون" أو "تكون لكم الغلبة والنصر إن كنتم مؤمنين بصدق وعدي" . والله أعلم
السؤال: ما المقصود بالقوم في قوله تعالى: "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم" (آل عمران: 140)؟
الجواب: مشركو مكة ومن ناصروهم . والله أعلم
السؤال: ما سر التعبير عما أصاب المسلمين من الجراح والقتل والهزيمة يوم أحد بالمضارع في قوله: "يمسسكم" وعما أصاب المشركين بصيغة الماضي: "فقد مس القوم" حيث كان الظاهر أن يقال: إن مسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله؟
الجواب: عبر عما أصاب المسلمين من الجراح والقتل والهزيمة يوم أحد بالمضارع، لقربه من زمن الحال، فالآيات الكريمة نزلت في أعقاب هزيمة أحد ، والمسلمون لم تجف دماؤهم ، وعبر عما أصاب المشركين من ذل وجرح وقتل وهزيمة بالماضي، لبعد زمنه، لوقوعه يوم بدر . والله أعلم .
السؤال: عِلْم الله تعالى أزلي، فهو سبحانه لم يزل عالماً، وظاهر قوله تعالى: "وليعلم الله الذين آمنوا" مشعر بأنه تعالى فعل تلك المداولة ليكتسب العلم، وهذا محال على الله . فبم يرد على هذا الاستشكال؟
الجواب: هذا من باب التمثيل، أي فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم من الثابت على الإيمان منكم من غير الثابت . أو العلم فيه مجاز عن التمييز بطريق إطلاق السبب على المسبب، أي ليميز الثابتين على الإيمان من غيرهم كما في قوله تعالى: "ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب" وتلك الحكمة الأولى من المداولة .
ويمكن القول إجمالاً: إن كل آية يشعر ظاهرها بتجدد العلم الإلهي فالمراد تجدد المعلوم . والله أعلم
السؤال: بم يوحي التعبير بالاتخاذ في قوله تعالى: "ويتخذ منكم شهداء"؟
الجواب: المذكور في الآية حكمة أخرى من حكم المداولة . ولفظ ( الاتخاذ ) يوحي بالقرب والاجتباء والتكريم والتشريف لهؤلاء الشهداء يوم أحد ، وفي إسناد الاتخاذ إلى ضميره تعالى تأكيد لهذا المعنى . والله أعلم

سنَّة إلهية

السؤال: ما دلالة التعبير بالمضارع في قوله: "وتلك الأيام نداولها بين الناس"؟
الجواب: للإشعار بأن تلك المداولة سنة إلهية مسلوكة بين الأمم جميعها سابقها ولاحقها وفي ذلك تسرية عن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتسلية لهم . والله أعلم .
والمراد بالأيام أوقات الغلبة والنصر يصرفها الله تعالى على ما أراد تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء، فالأيام على قديم الدهر لا تبقي الناس على حالة واحدة . والله أعلم
السؤال: ما الغرض من الاستفهام في قوله تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم . . . ."؟
الجواب: الإنكار، أي الإنكار على المؤمنين الذين يطمعون في دخول الجنة دون تحمل المشاق من الجهاد لنصرة الحق، والصبر في الشدائد والمحن . والله أعلم
السؤال: ما سر التعبير عن الجهاد بالفعل (جاهدوا) وفي التعبير عن الصبر بالاسم (الصابرين)؟
الجواب: لأن الجهاد لا يستغرق الزمن كله بل يكون في أوقات معينة، أما الصبر فينبغي أن يكون خُلُقاً راسخاً للمؤمن وملازماً له سواء جاهد أم لم يجاهد . والله أعلم
السؤال: ما المقصود بنفي علم الله تعالى بالذين جاهدوا والصابرين من المؤمنين المشاركين في غزوة أحد في قوله تعالى: "ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم . . . ."؟
الجواب: المقصود الكناية عن حالة نفي الجهاد والصبر عن المخاطبين، لأن الله تعالى إذا علم شيئاً فذلك المعلوم محقق الوقوع، فكني هنا بنفي العلم عن نفي المعلوم، أي أن الله تعالى علم عدم جهادهم وعدم صبرهم ولو كانوا مجاهدين فعلاً وصابرين حقاً لعلم الله ذلك منهم .
وفي هذه الكناية حث للمخاطبين وترغيب لهم بالمبادرة إلى العمل الصالح من الجهاد وغيره، ليعلمه الله منهم واقعاً بعد أن علمه غير واقع . والله أعلم

د . عادل أحمد الرويني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"