تركيا.. مواقف تهدد جهود التسوية في ليبيا

03:25 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور*

التطورات الجارية على الساحة الليبية ومحادثات التسوية فيها، تتحدى المنطق، وتحمل المراقب الموضوعي على استنتاج مفاده أنها تسير في مسارات متوازية لا سبيل لالتقائها أحياناً؛ بل ومتضادة في كثير من الأحيان.
بينما تجري المفاوضات بين الشرق والغرب حول تشكيل المجلس الرئاسي والحكومة الجديدين، واقتسام المناصب السيادية، يستمر الصراع على السلطة بين زعماء طرابلس أنفسهم، ويتحدث كل منهم بلسان مختلف.. ويتقرر أن يذهب خالد المشري - رئيس المجلس الأعلى للدولة - إلى بوزنيقة «المغرب»؛ للتفاوض حول هذه القضايا؛ إلا أن آخرين يعترضون، ثم يتم تأجيل الاجتماعات.
وبينما يجتمع فريقان أمنيان من الشرق والغرب في مدينة الغردقة المصرية «الأحد 9/27»؛ لبحث تشكيل قوة أمنية مشتركة، لتأمين مدينة «سرت» التي يفترض أن تكون مقراً لمؤسسات السلطة الجديدة المزمع تشكيلها، نجد أن بعض زعماء «الوفاق» يصرون على نزع سلاح منطقة «الهلال النفطي» بأكمله.. وانسحاب الجيش الوطني الليبي من «خط سرت - الجفرة» ومن جميع موانئ التصدير.. وهي بالمناسبة نفس مطالب تركيا..
والغريب حقاً هو أن يتم الإعلان عن اجتماع للجان أمنية موسعة من الجانبين في القاهرة «في شهر أكتوبر الجاري»؛ لبحث تشكيل جيش موحد، وقوة أمنية موحدة على المستوى الوطني - أي عقدة العقد في التسوية الليبية - وأن تعلن ستيفاني ويليامز - القائمة بأعمال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة - إنه خلال «50 يوماً» من توقيع وقف إطلاق النار، سيتم جلاء القوات الأجنبية عن ليبيا، وانسحاب المرتزقة الأجانب من دون أن تشرح كيف سيتم إقناع أردوغان بسحب قواته، و«جيش الميليشيات السورية» الذي جلبه إلى ليبيا؟ ومن دون أن يشرح أحد كيف يمكن تشكيل جيش وشرطة وطنيين موحدين في ظل حالة الفوضى والانقسام وتضارب الآراء والمواقف التي تشهدها طرابلس وحكومة «الوفاق».. وبينما تجري اشتباكات بالأسلحة الثقيلة في إحدى ضواحيها «تاجوراء» بين فصيلين ميليشياويين متصارعين، تعجز الحكومة عن مواجهتها، فتستعين بزعيم ميليشيا ثالثة للوساطة بينهما.. وهو الإرهابي المطلوب دولياً صلاح بادي.


شبح أردوغان


الحقيقة أنه في ظل كل هذه الفوضى وهذا التشرذم والصراع الدموي، يبدو الوجود العسكري التركي، والتعزيز المستمر لهذا الوجود هو الحقيقة السياسية والعسكرية الكبرى في غرب ليبيا، وخاصة في طرابلس ومصراتة وقاعدة «الوطية» الاستراتيجية.
فمنذ أن تم توقيع اتفاقية التعاون العسكري بين أردوغان والسراج في ديسمبر/كانون الأول الماضي بدأ تدفق المستشارين والخبراء والعسكريين وضباط المخابرات الأتراك على ليبيا حتى وصل عددهم إلى «ثلاثة آلاف» يتغلغلون في مفاصل «الدولة» وصفوف القوات «النظامية» والميليشياوية في الغرب الليبي كما تزايد كثيراً تدفق قوات المرتزقة الإرهابيين «السوريين» ليبلغ نحو عشرين ألف مقاتل. كما سيطرت القوات التركية على ميناء مصراتة الاستراتيجي بالغ الأهمية «200كم شرقي طرابلس» وتم تحويله إلى قاعدة ترتكز إليها القوات البحرية وسفن التنقيب عن الغاز التركية في البحر المتوسط.. كما أقيم في مصراتة مركز تركي للقيادة؛ وذلك أثناء زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي آكار لليبيا (3 يوليو/تموز 2020)..


احتلال تركي.. بدعم قطري


وكانت من أهم زيارات «آكار» تلك التي صاحبه فيها وزير الدفاع القطري خالد العطية (2020/8/17) وتم خلالها الاتفاق على تسريع البدء بإنشاء «مراكز التدريب» التي تشرف عليها تركيا؛ لتطوير الكوادر العسكرية التابعة ل«الوفاق» وأن تقوم قطر بتمويل هذه المراكز.
والأمر الأكثر أهمية؛ هو الاتفاق على منح المرتزقة الإرهابيين السوريين و«الصوماليين» جوازات سفر ليبية، وإدماجهم في القوات الأمنية والعسكرية الليبية.
غير أن أهم نتائج الزيارة على الإطلاق كان توقيع اتفاقية لتحويل ميناء مصراتة إلى قاعدة بحرية لتركيا.. الأمر الذي يمثل مكسباً استراتيجياً بالغ الأهمية لأردوغان وبلاده.
ويجب أن نلاحظ هنا دور «المحفظة القطرية» التي عادت للقيام بدور التمويل السخي لنتائج هذه الزيارات ذات الأهمية الاستثنائية، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية بالغة الصعوبة التي يعانيها الاقتصاد التركي، وبالأخص مع ظروف تفشي وباء كورونا بما له من تبعات، وكذلك نضوب الموارد النفطية لدى حكومة «الوفاق»؛ بسبب سيطرة الجيش الوطني الليبي على حقول النفط.


أنتم تتفاوضون.. ونحن نسيطر


ولم تتوقف أنقرة طوال الشهور الماضية عن إرسال مزيد من قواتها ومن الإرهابيين المرتزقة.. وكذلك من الأسلحة المتطورة إلى قوات «الوفاق» والميليشيات الإرهابية والمناطقية في غرب ليبيا. ولا يكاد يمر يوم من دون أن نسمع أو نقرأ عن طائرات النقل الثقيلة التركية التي تحمل الأسلحة ومنظومات الدفاع الجوي وغيرها من المعدات العسكرية إلى قاعدة «الوطية» الاستراتيجية، وإلى مصراتة، وغيرها من المواقع في الغرب الليبي.
كما تعمل بنشاط حالياً «مراكز التدريب» بإشراف الخبراء الأتراك، لتطوير قدرات أعضاء الميليشيات الإرهابية والمناطقية، وإدماجهم فيما يسمى ب«جيش وطني محترف» يهدفون إلى بنائه.. وهذا هو «الجيش» الذين يريدون إدماجه مع الجيش الوطني بقيادة «حفتر»؛ لتشكيل القوات المسلحة الليبية الجديدة، ومع - بالطبع - القوات الأمنية التي يجري إلحاق أعضاء من المرتزقة «السوريين» وغيرهم من الإرهابيين بها، والتي يفترض أن تشارك في تشكيل «الشرطة والوطنية». إنها نفس اللعبة التي مارسها أردوغان في سوريا، بإعادة تسمية تنظيم «القاعدة» أو «جبهة النصرة» تحت اسم «هيئة تحرير الشام»؛ بعد ضم أعضاء تنظيمات إرهابية أخرى إليها، وما يسمى ب«الجيش الوطني السوري» من خلال ضم تنظيمات إرهابية. المخابرات الغربية تعرف كل ذلك بالطبع.. والبرلمان والجيش الليبيان يتفاوضان بحسن نية، بينما يمارس زعماء «الوفاق» صراعات تحت العباءة التركية.. وأردوغان يعمل في الاتجاه المعاكس بالضبط؛ لنسف أية إمكانية جدية للسلام في ليبيا.

*كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"