نزاع إقليمي في ناجورنو كاراباخ

01:55 صباحا
قراءة 4 دقائق
كتب - المحرر السياسي

تجدد الصراع القديم بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم «ناجورنو كاراباخ» المتنازع عليه، مما أسفر عن مقتل العشرات وتدمير مروحيات ودبابات من كلا الطرفين. واستدعى البلدان احتياطياتهما العسكرية وأعلنا الأحكام العرفية والتعبئة العامة في داخل، وكذلك حالة الحرب في بعض المناطق.
وقعت على مدار السنوات القليلة الماضية مجموعة من الصدامات العسكرية بين الطرفين عند الحدود، إلا أن هذه الجولة تهدد بالانتقال إلى حرب شاملة، كما حدث في تسعينات القرن الماضي.
وهذا الصراع يعود لفترة تفكك الاتحاد السوفييتي، حيث دخل البلدان في حرب تتعلق بخلافات حول ترسيم الحدود من عام 1992 إلى عام 1994، ونتج عن تلك الحرب مقتل ما لا يقل عن 20 ألفاً وتشريد مليون شخص، 70% منهم فروا من الأراضي التي يسيطر عليها الأرمن، بينما فر الباقون من الأرمن من الأراضي التي تسيطر عليها أذربيجان.
وتعتبر «ناجورنو كاراباخ» قلب هذه الحرب، وهي منطقة من المرتفعات الجبلية الجميلة، وترجمتها الحرفية تعني «الحديقة السوداء الجبلية»، إلا أن الأرمن يفضلون تسميتها «آرتساخ» وهو اسم أرمني قديم لها.

صراع قديم

وكجزء من التوسع السوفييتي في منطقة القوقاز خلال الفترة بين عامي 1919-1920، خُصص إقليم «ناجورنو كاراباخ» لجمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفييتية، على الرغم من أن معظم سكانه من الأرمن. ولم يكن يشكل هذا الأمر مشكلة كبيرة، طالما أن كلاً من أرمينيا وأذربيجان تعتبران جزءاً من الاتحاد السوفييتي، إذ عاش الأرمن في الجمهورية المجاورة لهم، وكذلك الأمر مع الأذريين. وكانت الاختلافات الدينية بين أرمينيا الأرثوذكسية ذات الأغلبية المسحية وأذربيجان ذات الأغلبية المسلمة أقل أهمية في دولة اشتراكية. ولكن عندما أصبحت الاحتجاجات العرقية والدينية شائعة في ثمانينات القرن الماضي، بدأ السكان الأرمن في الشكوى من أوضاعهم، مع منع السلطات في باكو الجالية الأرمنية من ممارسة عقائدها ووضع قيود على حرياتها الفكرية والدينية.
ونتج عن ذلك انفجار أعمال عنف في الفترة بين عامي 1989 و1990، في كل من إقليم «ناجورنو كاراباخ» ومدينتي باكو وسومقايت في أذربيجان، وأدت المذابح المنظمة ضد الأرمن إلى تطبيق الجيش السوفييتي الأحكام العرفية في محاولة لوقف النزاع، ولكن من دون جدوى.
وبحلول عام 1991، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، أصبحت الحرب بين الدولتين اللتين نشأتا حديثاً على الأراضي المتنازع عليها والتي أعلنت من جانب واحد استقلالها عن أذربيجان، أمراً لا مفر منه.
واندلعت الحرب في أواخر شتاء 1992، ولم تتمكن المنظمات الدولية من احتواء الصراع، وفي ربيع 1993 استولت القوات الأرمنية على مناطق بما يعادل 9% من الأراضي الأذربيجانية. وتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين البلدين بوساطة روسية في مايو /أيار من عام 1994، بعد انتصار الطرف الأرمني. إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام. ورغم المفاوضات التي جرت تحت إشراف «مجموعة مينسك» التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (روسيا والولايات المتحدة وفرنسا)، فإن باكو ويريفان لم تتوصلا إلى اتفاق حول الوضع الذي ستكون عليه منطقة ناجورنو كاراباخ.

أطراف الصراع

وعلى الرغم من أن النزاعات الأخيرة قد تبدو في نظر الغربيين صداماً بسيطاً في منطقة نائية من العالم، إلا أن ذلك في واقع الأمر له آثار كبيرة على الأمن الإقليمي وأسواق الطاقة، وطموحات قائدين فاعلين هما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.
ويبدو أن روسيا تلعب دوراً خفياً في التوتر بين أرمينيا وأذربيجان، فمع سعيها إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع البلدين إلا أنها تبيع الأسلحة لكل منهما. وليس من مصلحة روسيا تصعيد التوتر بين أرمينيا وأذربيجان الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، كما أنها لا تسمح لباكو بالتحوّل إلى لاعب كبير في القوقاز يتحرك خارج سيطرتها.
وتمتلك روسيا عدة آلاف من القوات والطائرات المقاتلة والعربات المدرعة والصواريخ المضادة للطائرات في قاعدتها العسكرية في أرمينيا.

عدوانية أردوغان

ويعكس دعم تركيا الكامل لأذربيجان في هذا الصراع، رغبة الرئيس رجب طيب أردوغان في تأكيد نفوذ بلاده في جوارها المترامي الأطراف.
وفي السنوات الأخيرة، اتخذ أردوغان سياسة خارجية أكثر عدوانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وشرق البحر المتوسط، الأمر الذي أثار سخط حلفاء تركيا الغربيين، وأدت العديد من هذه التحركات إلى نشوء خلاف مع روسيا.
وفي أعقاب الاشتباكات، التي تعد أعنف مواجهة بين الجمهوريتين السوفييتيتين السابقتين، منذ عام 2016، اتخذت تركيا موقفاً حازماً في المنطقة لدعم حليفتها أذربيجان، وعرضت تزويدها بالسلاح وأجرى الجانبان عدة زيارات عسكرية ودبلوماسية رفيعة المستوى، وأجريا مناورات عسكرية مشتركة موسعة.
كما كان خطاب أردوغان أقسى مما كان عليه الأمر في الماضي، حيث وصف أرمينيا بأنها «دولة احتلال»، وتعهد بالرد على عمليتها في إقليم «ناجورنو كاراباخ» المتنازع عليه، كما أنه وجه انتقاداً مبطناً لروسيا، عندما قال إن الهجوم جاء من مستوى أعلى من أرمينيا، وكثيراً ما يردد المسؤولون من كلا البلدين عبارة «شعب واحد في دولتين».

ملف الطاقة

ويعتبر ملف الطاقة حجر الزاوية في العلاقات، حيث تزود أذربيجان تركيا بما يقرب من خمس وارداتها من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى ارتباطهما باتفاقية خط أنابيب ينقل البترول الأذري عبر الأراضي الجورجية لينتهي عند الميناء التركي «جيهان». وقد تؤدي المواجهات بين أرمينيا وأذربيجان إلى عرقلة صادرات النفط والغاز في حال تفاقم الصراع.
وينقل خط أنابيب «باكو-تفليس-جيهان» نحو 80% من صادراتها من النفط ويمر في جورجيا ومنها إلى الساحل التركي على البحر المتوسط، وتبلغ طاقته الاستيعابية 1.2 مليون برميل يومياً، أو أكثر من واحد في المئة من إمدادات النفط العالمية، كما وتصدّر أذربيجان النفط عبر روسيا من خلال خط أنابيب «باكو-نوفوروسيسك».
وقالت شركة «أويل إكس» للاستشارات إن صراع «ناجورنو كاراباخ» أثار قلق المجتمع الدولي فيما يرجع جزئياً إلى أنه يهدد الاستقرار في منطقة تشكل ممراً لخطوط أنابيب رئيسية تنقل النفط والغاز إلى أسواق العالم.
وتبدو فرصة التوصل إلى اتفاق مرضٍ لجميع الأطراف المتصارعة قاتمة. ويمكن لنسخة جديدة من مجموعة مينسك تضم تركيا أن تبني الثقة نحو التوصل إلى تسوية، كما أن أي حل عادل للنزاع سيترتب عليه تقديم تنازلات مؤلمة من كلا الجانبين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"