عادي

«التعليم الهجين».. تعزيز لدور المعلم ومكانته

22:49 مساء
قراءة 7 دقائق
التعليم الهجين

تحقيق: إيمان سرور

انطلق قطار العام الدراسي الحالي بما يحمله من همومٍ لا تُعد، وتساؤلات ليس لها حد، وعلامات استفهام يصعب أن تحصى، وتدور العجلة التعليمية من جديد والمحاذير تتراءى تارة وتختفي أخرى، رغم إجماع كافة مفاصل المؤسسة التربوية والعملية التعليمية من صناع القرار التربوي، مروراً بالمؤسسات التعليمية وانتهاء بأولياء الأمور وأبنائهم الذي يتصدرون المشهد العملي وبؤرة الهدف في هذا الميدان.

ويؤكد الميدان التربوي أن العام الدراسي 2020-2021، جاء بحلة جديدة فريدة، لتتناغم والأوضاع الصحية السائدة والمعروفة بزمن «كورونا»؛ وتنسجم وخارطة الطريق التي خطها أصحاب الشأن التعليمي والتي تتمثل في سياسة «التعليم الهجين» بين البيت والمدرسة، وفي هذا الإطار، وما بين مد وجزر تتشابه آراء، وتتباين مواقف، لكنها تجتمع كلها على فوائد جمّة من حيث الفوائد التي عهدها الطالب من خلال دوامه على المقاعد الدراسية بين معلميه وأقرانه، أو من حيث ممارسة تعلمه الذاتي من خلال المثابرة على التعلم البيتي من خلال أسرته والمقربين من أهله، وهذا ما يعرف ب «التعلم الهجين» الذي يجمع التعليم الواقعي والافتراضي.

وفي هذا المضمار كان ل «الخليج» هذا التحقيق من خلال طرح الموضوع على عدد من الخبراء التربويين والمعلمين وأصحاب الشأن، الذين أكدوا أن التعليم الهجين يعتبر ضرورة عصرية فرضتها ظروف جائحة كورونا على المستوى العالمي؛ نظراً لصعوبة تطبيق التدريس المباشر بنسبة 100% لظروف انتشار وباء كورونا وضرورة التباعد الاجتماعي واتخاذ الإجراءات الاحترازية بما تتطلبه من تعطيل لبعض الأنشطة المدرسية المباشرة بين الطلاب.

جاء بعد دراسة

في البداية تؤكد فوزية حسن غريب، الوكيل المساعد لقطاع العمليات المدرسية في وزارة التربية والتعليم، أن نمط التعلم الهجين الذي طبقته الوزارة جاء بعد دراسة معمقة أجرتها مع مختلف شركائها بمن فيهم أولياء أمور الطلبة، نظراً لما تتطلبه طبيعة المرحلة الراهنة التي تعيشها مختلف دول العالم بسبب تفشي الفيروس، إذ راعت الوزارة عند اعتمادها النمط المشار إليه، المستجدات على أرض الواقع وتوصيات مختلف الجهات المعنية في الدولة.

وتضيف، أن وزارة التربية والتعليم، سارعت إلى التعرف إلى آراء أولياء أمور الطلبة من خلال استطلاع وجهته لهم، وهو ما يعكس مدى حرصها على إشراكهم في اتخاذ القرار ووضعهم في صورة الخيارات التربوية التي تدرسها، لضمان استدامة المسيرة التعليمية.

وتشير إلى أن المعلم ركيزة التعليم وله أدواره المشهودة، بغض النظر عن النمط التعليمي الذي تتبعه الوزارة، وفي هذا السياق عملت على تمكين المعلمين من أدواتهم التربوية وفق موجهات منظومة «التعلم الهجين» بما يحفظ للمعلم دوره ومكانته ورسالته التربوية.

أثر كبير

الخبير التربوي الدكتور صالح الجرمي يقول: لا شكَّ أن دوام الطلاب الكامل في مدارسهم من خلال الانتظام على مقاعدهم الدراسية له أثر كبير في نمو الطالب العلمي والنفسي والاجتماعي من خلال اختلاطه بزملائه واكتسابه للمعلومة المباشرة من معلمه، وتشرُّبه للتقاليد والعادات الحميدة والسلوكات الطيبة من محيطه التعليمي المبني على النظم والقوانين التي توجه وترشد وتغرس القيم المرجوة، فالأنشطة المدرسية، والمشاركة الوجدانية بين المعلم والطلاب، علاوة على الطلاب أنفسهم فيما بينهم، كل ذلك يسهم بالتأكيد في صقل شخصية الطالب وتزويده بكل ما هو نافع وطبيعي ومفيد.

وبالنظر إلى الجانب الإيجابي الذي يمثله التعليم الهجين من حيث البيت، فهذا أيضاً يمثل جانباً مهماً من جوانب الإيجابية في العملية التربوية والتعليمية، والتي ربما بقيت شحيحة وضعيفة في كثير من الأحيان وعند كثير من الأسر، والتعليم عن بعد في المنزل، أفرز بعد تجربته، الكثير من الإيجابيات التي كانت غائبة، فقد اقترب الأهل من أبنائهم بدرجة أكبر من قبل، الأمر الذي أفرز مناخاً صحيّاً وتربوياً إيجابياً لدى الأبناء، وهذا بدوره شكَّل رافداً مهماً، التقى وتلاقح روحياً مع الحلقة الأخرى المتمثلة في الدوام المباشر على مقاعد الدراسة.

إن التعلم الهجين ربما كان ويكون له الأثر الإيجابي المضاعف، خاصة أنه ينعم بما يعيشه الطالب من حياته العلمية والتربوية في المجتمع المدرسي المباشر وحياته في المجتمع الأسري القريب من حسه ومشاعره.

أفضل الحلول

عفراء عوني أبو الكاس، معلمة كيمياء للمرحلة الثانوية، تقول إن التعليم الهجين يعد من أفضل الحلول، التي يمكن اللجوء إليها في حالات الطوارئ، ويجب أن يؤخذ بشكل جدي من قبل الطلاب وأولياء الأمور، لما فيه من محافظة على استمرارية عملية التعلم والتعليم، ولما فيه من فائدة في تفعيل كامل لإمكانات التكنولوجيا الحديثة المطورة والمستحدثة لخدمة المتعلمين وتلبية احتياجاتهم، مشيرة إلى أننا لا نستطيع إنكار أهمية التعليم الهجين، للمحافظة على سلامة الطالب وصحته، وكما اتضح بالبرهان تميز دولة الإمارات ودورها السباق لإيجاد الحلول المتكاملة، لضمان استمرارية عملية التعلم والتعليم مع المحافظة على أمن وسلامة أبنائنا الطلبة.

ومن وجهة نظرها تقول: لم تتأثر هيبة المعلم، حتى وإن كان يلقي الدروس لطلابه عن بعد، بل بالعكس فهذه المنظومة عززت أهمية دور المعلم وأظهرت المكانة الحقيقة له، حيث إنه يعتبر جوهر العملية التعليمية، كونه يستخدم أفضل الوسائل المتطورة في التعليم، فهو المحرك الأساسي لتطوير وتوجيه العملية التعليمية، وكلنا لمسنا في الفصلين الدراسيين الماضيين أثناء تطبيق منظومة التعلم عن بعد أوجه الصعوبات التي واجهها بعض أولياء الأمور عند متابعتهم بعض المواد التعليمية البعيدة عن تخصصاتهم.

ضرورة مُلحّة

الدكتور علي مبارك ماضي، اختصاصي اجتماعي، يقول إن التعليم الهجين، يعتبر مزيجاً بين التعليم التقليدي الواقعي، في القاعات الصفية في المدارس والتعليم عن بعد من خلال منصات التعلم الإلكترونية التي يتابعها الطلبة من منازلهم، وأصبح هذا النوع من التعليم، ضرورة مُلحّة، خاصة في ظروف جائحة كوفيد 19.

وبدون شك هناك مزايا كثيرة لهذا النظام نجدها عند من ذكر مميزات هذا النوع من التعليم، باعتباره يمثل استراتيجية تعليمية حديثة تمزج بين التدريس التقليدي والتعليم الافتراضي بين المعلمين والطلبة، ويسهم أيضاً في تطويع المنظومة التعليمية وفقاً لاحتياجات الطلبة بمختلف فئاتهم ومراحلهم التعليمية.

فرَض نفسه

جيهان حسني عبدالغفار، معلمة ومدربة مجتمعات تعلم، تقول إن التعلم الافتراضي بنوعيه التعليم التزامني وغير التزامني، فرض نفسه على الساحة العالمية بعد جائحة كورونا، وحقق نجاحاً بدول عدة واستطاع الجميع استقراء نجاحه، واستطاعت هذه الدول تحقيق استدامة التعليم بنجاح، كما فعلت دولة الإمارات، التي تابعت تميزها وبدأت في العام الدراسي الحالي بخطوة استباقية هي التعلم الهجين لضمان استدامة التعليم، بالتوازي مع الإجراءات الاحترازية، حيث طرحت الخيارات لأولياء الأمور لتحديد ما يتناسب مع أسلوب حياتهم الأسرية، والمحافظة على التماسك الأسري، فأصبح التعليم الهجين يسير بصورة متوازية مع ما هو مطلوب، وما هو مؤمل من التعليم بالنسبة للأسرة لتسير العملية التعليمية بسلاسة وأريحية؛ فذللت الصعاب مع اتخاذ التدابير الصحية للطلبة والعاملين المخالطين لهم، حتى يتسنى لمن يفضل التعليم المباشر باستكمال التعليم الذي يفضله، ووفرت المنصات الافتراضية أيضاً لتحقيق استدامة التعليم في الدولة.

آتت ثمارها

حصيلة الجهود التي بذلتها القيادة الرشيدة ووزارة التربية والتعليم في الفترة القليلة الماضية والاحترافية التي تعاملت بها لمواجهة انتشار عدوى كوفيد 19، آتت بثمارها اليوم، يقول خالد المنصوري، استشاري أسري واجتماعي: إننا نعيش حالياً في عصر كورونا، الذي يختلف عن ما قبل هذه الجائحة، وبالرغم من أننا نعيش في ظل هذه الفترة ووجود هذا المرض، إلا أن ثقتنا كبيرة بقدرة الله سبحانه وتعالى أولاً، وبجهود قيادتنا الرشيدة والعالم، من أن غمة هذا المرض ستنقشع قريباً وتعود حياتنا إلى طبيعتها، وحصيلة الجهود التي كانت مبذولة في الفترة الماضية آتت بثمارها اليوم، وأن ما شهدناه من تنوع في سيناريوهات التعليم في الفترة الحالية، ومنها نموذج التعليم الهجين الذي فرضته الوزارة على الميدان التربوي، بعد استطلاع ودراسة عميقة لآراء أولياء الأمور والتربويين، لضمان استمرارية العملية التعليمية للطلبة، لن يكون نظاماً متبعاً في مدارسنا وجامعاتنا خلال هذه الفترة الاستثنائية فقط، بل سيستمر إلى ما بعد كورونا. 

التعليم الهجين، ليس وليد اللحظة، ولكنه سيستمر، لأن الواقع يخبرنا أن المستقبل سيكون مختلفاً تماماً عما هو عليه اليوم.

ويؤكد أن المستقبل سيضرب بعصا من حديد باتجاه التعلم الإلكتروني، بحيث يكون هذا النوع من التعليم، مصدراً أساسياً لحياتنا التعليمية والعملية المستمرة، باعتبار التعليم الهجين يعطينا واقعاً مختلفاً عن الواقع الماضي، الذي نعيشه حالياً، لافتاً إلى أن الإنسان بقدر ما لديه من كفاءة من خلال عمله المباشر يجب أن تكون هذه الكفاءة موجودة بشكل أكثر احترافية من خلال عمله غير المباشر.

ونحن نعطي هذا التوازن حتى نستطيع أن ندمج بين الروح المباشرة والروح غير المباشرة، لتعطينا عملاً متقناً يجتاز كل التوقعات والمراحل الصعبة، حتى ننتقل إلى تعلم احترافي، يستطيع الطالب أن يتعلم وهو في منزله بنفس القدر من الكفاءة وهو في مدرسته.

بُعد استراتيجي

وحول أهمية التعليم الهجين وفوائدة، تقول الدكتورة جميلة سليمان خانجي، مستشارة دراسات وبحوث في مؤسسة التنمية الأسرية، إن التعليم الهجين استطاع أن يدمج هذا الواقع من خلال العملية التعليمية المباشرة، والتواصل مع المعلمين والحوار معهم وتبادل الأفكار، وكل هذه الأمور ترتبط بعملية معنوية مباشرة تقود إلى فكر علمي أصيل، وبالتالي هناك بعض التخصصات وهناك بعض المعلمين يحتاجون إلى وجود الطالب داخل القاعات الصفية والمختبرات العلمية حتى يستطيع المعلم أن يغرس في طلابه بعض المفاهيم التي يستخدمونها في حياتهم وواقعهم، من خلال نقل المعرفة، كما أن بعض الدروس يمكن الطالب أن يتلقاها في منزله وعن بعد.

وهذا الخليط من التعليم الذي يدمج بين المباشر وغير المباشر، المتزامن وغير المتزامن، يعطينا أبعاداً مختلفة، ويجعل من هذا البعد الاستراتيجي حقيقة واقعية للمستقبل القريب.

دمج مستمر للتعليم

لن يكون في السنوات القادمة تعلم مباشر مثل ما هو عليه الآن، حيث سيكون الدمج مستمراً في التعليم «واقعي وافتراضي» هذا ما أكدت عليه الدكتورة سميرة النعيمي، نائبة مدير جامعة محمد الخامس في أبوظبي للشؤون الإدارية والمالية، مشيرة إلى أن التعليم سيصبح في المستقبل القريب في متناول الجميع في أي وقت ومن أي مكان، لافتة إلى هذا الفكر الاستراتيجي المحفز والخطة الاستراتيجية للمستقبل، سيجعلنا نواكب كل عصر وكل تغيير، وأن هذا التغيير في العملية التعليمية جاء اليوم ليس فقط لمعالجة مشكلة كورونا، ولكن لنقل العالم إلى عالم معرفي متجدد يواكب التطورات الحياتية.

نواة للمستقبل

الدكتور أحمد الزهيري، نائب مدير إحدى مدارس أبوظبي الخاصة، يقول إن التعليم الهجين هو الذي سيصنع نواة للمستقبل القريب جداً، بحيث  يكون هذا التعليم ليس استخدام اللحظة، ولكنه مستمر، وكل تطور ستكون دولة الإمارات ووزارة التربية والتعليم مواكبة لهذا التطور بحيث تعطيه كل ما تحتاج إليه من تقنيات ومعلومات وإرشادات ومحفزات ومن استشراف للمستقبل ينعكس بصورة واقعية لمصلحة الطالب وخدمة الوطن بشكل عام.

ويتابع: إن تطبيق التعليم الهجين، يؤدي إلى تقليل الكثافة الطلابية، وتحقيق الاستفادة العظمى من خبرة أعضاء هيئة التدريس والبنية التحتية للمدارس والجامعات، وتحول تدريجي للطالب إلى متعلم مدى الحياة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"