مضيق تايوان.. تاريخ من الأزمات

مسار طويل من علاقات المواجهة بين بكين وواشنطن
00:25 صباحا
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
1
1
1

عن المؤلف

الصورة
1
بانج يانج هوي
بانج يانج هوي، محاضر في كلية العلوم الإنسانية والفنون والعلوم الاجتماعية في جامعة سنغافورة للتكنولوجيا والتصميم. عمل سابقاً محرراً لمجلة عسكرية في كلية جوه كنج سوي للقيادة والأركان. تركز أبحاثه على سياسات جمهورية الصين الشعبية، والأسلحة النووية في شرق آسيا وتطوير الطاقة والعلاقات الدولية

تأليف: بانج يانج هوي

عرض وترجمة: نضال إبراهيم

مع تجدّد التوتر مؤخراً بين الصين، والولايات المتحدة، بعد انتشار فيروس كورونا في مدينة ووهان، ونزاعهما على عدد من الملفات الأخرى، من بينها قضية تايوان، يحاول هذا الكتاب العودة تاريخياً إلى الصراع في مضيق تايوان خلال 1954 إلى 1958، وقراءة التطورات المستقبلية التي أدت إلى أزمة أخرى في التسعينات، ومعاينة الخلافات المستمرة بعدها، كما يوضح الدور الأمريكي في التعامل مع مكانة الصين في العالم.

في 3 سبتمبر/ أيلول 1954، شنت جمهورية الصين الشعبية، تحت قيادة الرئيس ماو تسي تونج، قصفاً مدفعياً مكثفاً على جزر كيموي وماتسو، (تايوان)، التي سيطر عليها القوميون قبالة الساحل الإقليمي لفوجيان، ما أدى إلى أزمة مضيق تايوان الأولى. وفي نهاية المطاف، لجأت الولايات المتحدة، التي اهتمت كثيراً بالمنطقة، إلى التهديدات النووية في أوائل ربيع عام 1955. واستغرق الأمر ثمانية أشهر مؤلمة من التوترات والتهديدات قبل أن يصبح الصينيون على استعداد للتفاوض. ومع ذلك، اندلعت الأعمال العدائية مرة أخرى في 23 أغسطس/ آب 1958، إلا أن الأزمة الثانية توجهت إلى حل سريع. ففي غضون أسبوعين، أعلن الطرفان علناً، عن خطوات سلمية محتملة لنزع فتيل الأزمة، وقد أدى ذلك إلى عقد مفاوضات صينية أمريكية في وارسو اعتباراً من 15 سبتمبر/ أيلول فما بعد. وعبرت جميع الأطراف عن مسؤوليتها عن القرار. كما عبرت بكين عن ارتياحها «للدرس» المتمثل في القصف المدفعي لكيموي، وماتسو. وجددت واشنطن تأكيد إيمانها بالردع النووي.

 استمرت الحروب حول أزمتي مضيق تايوان في 1954-1955 و1958 بشكل متتالٍ. وأشار الرئيس الأمريكي، دوايت دي أيزنهاور، حينها، إلى أن مضيق تايوان والأعمال العدائية المستمرة مع الصين الشيوعية سببت له أكبر قدر من الإحباط في الحرب الباردة. وأعلن ماو أنه من دون حل لقضية تايوان «لا نريد مصالحة مع الولايات المتحدة». وفي عام 1955، قررت جمهورية الصين الشعبية تطوير قنبلتها الذرية الخاصة.

 ويتساءل الكاتب: «ماذا تخبرنا الروايات المتناقضة عن أهمية الأزمات لكل خصم؟ بالعودة إلى المصادر الجديدة المتاحة مؤخراً، هل يمكن محاولة إعادة معاينة العوامل  التي تسببت باندلاع الأزمات؟ ماذا يكشف تطور الأزمات - من اندلاعها إلى حلها - عن حل النزاعات؟ ما الذي يمكن أن يقدمه لنا مثل هذا التطور في أزمات مضيق تايوان عن العلاقات الخارجية لجمهورية الصين الشعبية، والولايات المتحدة، وتايوان في الخمسينات؟».

  تسويات ضمنية

 يحاول هذا الكتاب إعادة النظر في أزمات مضيق تايوان بمصادر أولية جديدة، ووجهات نظر متعددة التخصصات، يقول الكاتب: «توسع المحللون في النماذج المستوحاة من الاتحاد السوفييتي في بدايات الحرب الباردة، على وجه التحديد، الاستفزازات المتعمدة وتوسيع الحدود. ونظر الباحثون بشكل خاص إلى أيديولوجية ماو الثورية، والرومانسية العسكرية في سياق العلاقات الدولية. وكانت أزمات مضيق تايوان مظهراً من مظاهر النضال الماوي السلمي، أو الحربي بوسائل أخرى، في مواجهة التفوق الأمريكي الساحق. وكان الهدف الرئيسي لبكين محدوداً بطبيعته، وهو إجبار القوميين على الخروج من الجزر البحرية خاصة عند رؤيتهم ضعف الالتزام الأمريكي».

 ويضيف: «تجلى هذا الموقف التحليلي في الانتقادات المبكرة لدور الولايات المتحدة في مضيق تايوان. ويبدو أن مجال العمل المستقل للولايات المتحدة أعاقته تايوان حقيقة. فقد كانت واشنطن تفتقر إلى الحنكة السياسية الكلاسيكية في استكمال الردع بالمصالحة، والمرونة. وأشارت الدراسات المعاصرة إلى أن الردع ظهر كأن سوء الفهم يقوضه. وعانت الولايات المتحدة من الأخلاقية المفرطة، والسياسة العاطفية، وسوء التقدير لفاعلية العدوان. وركزت العديد من الدراسات السابقة على حماقات واشنطن، وقد ركز الباحثون بشكل متزايد على سلوك بكين أيضاً في هذا الصدد. وفضّل علماء آخرون استخدام الواقعية كأداة تحليلية، في حين شدد الخبراء الصينيون على النزعة القومية وشرحوا الاختلافات بين الاتحاد السوفييتي، وجمهورية الصين الشعبية. وادعى ألين س. وايتنج أن «تصرفات الصين يمكن تفسيرها على أنها رد فعل ودفاعي ولأغراض الردع فقط».

 ويرى أن «الخلاف الرئيسي بين الباحثين هو أن أزمات مضيق تايوان لا يمكن تفسيرها من حيث الردع النووي والمواجهة العنيفة للحرب الباردة فقط. وتتمثل الخطوة الأولى في التعرف إلى مدى تقدم الاتصالات الضمنية خلال مؤتمر جنيف الذي انعقد في عام 1954 بشكل ضعيف، ثم في عام 1958، والاعتراف بأن مثل هذه التطورات في العلاقات بين جمهورية الصين الشعبية، وجمهورية الصين، (اسم تايوان حينها)، والولايات المتحدة، قد تم الطعن فيها، والتفاوض بشأنها في كل مرحلة من مراحل الأزمات. وسهّلت هذه العملية معرفة أجواء الخطابات المتجسدة في الإشارات والإيماءات الرمزية. وغالباً ما تحدث مثل هذه الطقوس في السياسة الخارجية بطريقة تكافلية، تتكون من عناصر «ناعمة»، و«صلبة»، مثل التقاء غير منظم للخطاب الوطني القومي والرموز والصور الثقافية، والمواقف العسكرية، وحشد الأصوات للحصول على الدعم الدولي، والمفاوضات الدبلوماسية. ولم تكن عملية التسوية الضمنية عملية حتمية ناجحة، لكنها تأثرت بعدد كبير من العوامل مثل العلاقات الدولية، والتطورات المحلية، وقضايا الهوية الوطنية في بكين، وتايبيه، وواشنطن». 

  سياسة العمل الموحد

«بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية اندلعت حرب أهلية بين الحزب الشيوعي الصيني، وحزب الكومينتانج، من عام 1945 إلى عام 1949 ،في صراع من أجل السيادة الوطنية. ودعمت الولايات المتحدة في البداية حكومة حزب الكومينتانج من خلال تزويدها بالمساعدات العسكرية والاقتصادية. ومع ذلك، بحلول أواخر عام 1948، عندما أصبح عدم فاعلية وفساد نظام حزب الكومينتانج واضحاً، أصبحت الولايات المتحدة غير راغبة في المزيد من التدخل لدعم النظام المترنح. ومع ظهور جمهورية الصين الشعبية في أكتوبر/ تشرين الأول 1949، وإنشاء حكومة الكومينتانج المترنحة في تايوان، قرر الرئيس ترومان، ووزير خارجيته دين أتشيسون، انتظار الغزو الحتمي لتايوان من قبل الصين الشيوعية. 

 وفي الواقع، بدت إدارة ترومان مستعدة لسياسة تكيفية تجاه الصين، حيث نظرت إلى ماو على أنه تيتو صيني محتمل. ومع ذلك، أدى اندلاع الحرب الكورية في يونيو/ حزيران 1950 إلى فرصة ضائعة لتحسين العلاقات الصينية الأمريكية. وإلى جانب «رد الفعل المحافظ» في السياسة الداخلية للولايات المتحدة، والشبح الخبيث المناهض للشيوعية من المكارثية، أصبح التكيف غير وارد. فقد قدمت الحرب الباردة العالمية، مع التنافسات السائدة السابقة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في أوروبا، سياقاً مفيداً لفهم التطورات الدولية في آسيا. وعلى أي حال، وصل الجانبان إلى طريق مسدود على طول خط العرض 38 في الحرب الكورية. وعانت المفاوضات اللاحقة بين الولايات المتحدة والصين لحل القضايا المرتبطة بالحرب الكورية، من الشك وعدم الثقة المتبادلين. وفي حين تم توقيع اتفاقيات الهدنة للحرب الكورية في نهاية المطاف في 27 يوليو/ تموز 1953، ظلت العلاقات الصينية الأمريكية في حالة من التدهور. وتولى أيزنهاور، الرئيس المعين حديثاً ووزير خارجيته، جون فوستر دالاس، عباءة التشدد في التعامل مع الشيوعية»، بحسب الكتاب.

 ويشير الكاتب إلى أنه «طوال الحرب الكورية، قام الأسطول الأمريكي السابع بدوريات في مضيق تايوان، حيث ألغى أيزنهاور سياسة ضبط النفس في عام 1953، وأعلن أن تايوان «ستأمر بالهجوم» من الآن فصاعداً. ووفقاً للخطاب، قد يشن الزعيم التايواني تشيانج كاي شيك، هجوماً مضاداً ضد الصين القارية.. وقامت الولايات المتحدة أيضاً بعمليات سرية ضد الصين بمساعدة تايوان. وبدأت مثل هذه العمليات خلال الحرب الكورية. وأرادت الولايات المتحدة مضايقة الشيوعيين في الأجزاء الجنوبية من الصين، بينما تم إيقاف متطوعي الشعب الصيني في الحرب الكورية».

 ويضيف: «وفقاً لجيمس ليلي، وهو عميل سابق في وكالة المخابرات المركزية، الذي قال إن وكالة المخابرات المركزية بدأت بتلقي تمويل غير محدود تقريباً لجهودها التعاونية مع وحدات الاستخبارات والعمليات الخاصة التايوانية. وأصبحت الجزيرة القاعدة الرئيسية لشن عمليات عسكرية سرية ضد الصين القارية. وبعد الحرب الكورية، حددت الولايات المتحدة العمليات السرية على الاستخبارات، وتجنيد المقاتلين المحليين، وتعزيز الحظر الأمريكي على جمهورية الصين الشعبية. لكن إدخال عملاء سريين إلى البر الرئيسي للصين استمر. وكان من أسس السياسة الخارجية العدوانية لواشنطن أيضاً الاعتقاد بأن الصين الشيوعية ستهيمن على فراغ السلطة في أعقاب إنهاء الاستعمار في آسيا. ونظراً لأنه كان يُنظر إلى جمهورية الصين الشعبية على أنها في طليعة الموجة الشيوعية الدولية، فقد كان من المنطقي أن تكون معارضة الصين الشيوعية جزءاً لا يتجزأ من الحملة الدولية ضد الشيوعية. ومن ثم، يبدو أن تورط الولايات المتحدة في مضيق تايوان اكتسب أهمية متزايدة في أعقاب الحرب الكورية. وأصبح الحفاظ على تايوان في تشيانج أحد الأهداف الرئيسية لسياسة الولايات المتحدة تجاه آسيا، إلى جانب إبقاء اليابان بقوة تحت مظلة الأمن الأمريكية، ومنع الشيوعية من الانتشار في جنوب شرق آسيا. ومع ذلك، لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لخوض حرب مع الصين لتحقيق هذه الأهداف.

  سياسة أيزنهاور تجاه الصين

تكونت سياسة أيزنهاور تجاه الصين من ثلاثة عناصر رئيسية، وهي: العمليات السرية، وعدم الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة، والحظر الاقتصادي، ومع ذلك كانت التناقضات واضحة في سياسة البيت الأبيض تجاه الصين. وكان الحظر الاقتصادي المفروض على جمهورية الصين الشعبية يضر بحلفاء الولايات المتحدة، كما يتضح من الخلاف بين بريطانيا، والولايات المتحدة. كما أصبحت قوميات جنوب شرق آسيا موضع شك في عيون الولايات المتحدة، واعتبرت مستوحاة من الشيوعية، ما أدى إلى إطلاق أنشطة سرية أمريكية مشكوك فيها ضد دول جنوب شرق آسيا، مثل فيتنام.

 وكجزء من كتابته لإعادة تقييم سياسات الولايات المتحدة في آسيا، أرسل أيزنهاور نائب الرئيس، ريتشارد نيكسون، في رحلة رسمية مهمة تحت عنوان «حسن النية» في نهاية عام 1953. وقبل رحلته، تم إطلاع نيكسون من قبل وكالة المخابرات المركزية على عدد من الأمور، فقد ذكرت أن «المشاعر السائدة ضد الإمبريالية الغربية والرغبة في» الاستقلال الوطني وتحسين الوضع الاقتصادي بين الآسيويين كانت عوامل حاسمة يمكن أن يستغلها الشيوعيون في الشرق الأقصى بشكل فعال. ومما زاد من تفاقم ذلك النقص في قيادة الحكومات غير الشيوعية و«مواردها العسكرية الضئيلة».

 وأكدت وكالة المخابرات المركزية أن أسلوب العمل الفوري للشيوعيين سيكون لتقوية منظمتهم في البلدان غير الشيوعية، وإضعاف العلاقات مع الغرب واستغلال الحياد. وفي الوقت نفسه، ستزيد الكتلة الشيوعية من استخدامها للحوافز الاقتصادية للتأثير في حكومات وشعوب الشرق الأقصى. وعلى المدى الطويل، رأت وكالة المخابرات المركزية أن هدف الشيوعيين هو تكثيف حركات التحرير المسلحة في وقت لاحق. وكان جنوب شرق آسيا ضعيفاً بشكل خاص. وإذا سيطر الشيوعيون على الموارد الغنية في جنوب شرق آسيا، فإن اليابان والهند ستظلان رهينتين.

 بنية الكتاب

 يتكون هذا العمل من تسعة فصول، يبدأ الجزء الأول (الفصل 1-3) بمعاينة التطورات الرئيسية في العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، وجمهورية الصين الشعبية، وجمهورية الصين من عام 1950 إلى إبريل/ نيسان 1954. وتناقش هذه الفصول أزمات المضيق في مؤتمر جنيف من 26 أبريل إلى 21 يوليو/ تموز 1954.

 وينظر المؤلف في الجزء الثاني (الفصول 4-5) إلى التطورات في يوليو، وأغسطس 1954 التي أدت إلى اندلاع أزمة مضيق تايوان الأولى. وكيف تصرفت الصين والولايات المتحدة وتايوان بعد اندلاع هذه الأزمة، والدوافع وراء أفعالها، وكيف تطورت العلاقات الصينية الأمريكية منذ انطلاق حملة ييجيانجشان إلى مؤتمر باندونج، ثم يعاين الروابط المستدامة في العلاقات بين الولايات المتحدة، وجمهورية الصين الشعبية، وتايوان في مايو/ أيار 1955 وديسمبر/ كانون الأول 1957.

 ويكشف الجزء الأخير من الكتاب (الفصول 7-8) كيف تم التوصل إلى تسوية ضمنية بين الصين والولايات المتحدة في أعقاب الأزمة، والطرق التي سعت بها الصين والولايات المتحدة إلى تبرير أفعالهما أمام جمهورهما المحلي، وعلى الساحة الدولية، وكيف حاولتا استمالة الدعم المحلي والدولي، وكيف عززت بكين وواشنطن ترتيباتهما الضمنية، وكيف ردت جمهورية الصين، وسبب دخول جمهورية الصين الشعبية وتايوان مرة أخرى في قنوات خلفية سرية، وتخلص هذه الدراسة إلى أن التكيف الضمني كان محدوداً للغاية في تحقيق أي مكاسب قوية، ولكن تم تجنب خطر الحرب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
مايكل كريبون
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث
1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج
بوتين وشي جين بينغ
ريتشارد ساكوا
1
هاين دي هاس