ليس الملف النووي الإيراني وحده

23:05 مساء
قراءة 3 دقائق

محمود الريماوي

بعد فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن جانباً كبيراً من الاهتمام الإقليمي والدولي سينصب على تعامل السيد الجديد للبيت الأبيض مع الملف الإيراني. والرجل يدرك ذلك بصورة واضحة، وقد نشر أكثر من مقال مُسبق لتوضيح وجهة نظره، ولاكتساب مؤيدين له في معركة الرئاسة، وللتدليل على أن هذا الملف يستحوذ على أهمية خاصة لدى الرجل. وتكاد وجهة نظر بايدن تتمحور حول أنه يتعين بذل كل الجهود لمنع امتلاك طهران سلاحاً نووياً، وأن تطويق المطامح الإيرانية يتطلب  بين ما يتطلبه  تفاهماً أمريكياً بهذا الشأن مع بقية الفاعلين الدوليين؛ إذ يرى بايدن أن الانسحاب الأحادي من الاتفاقية جعل روسيا والصين أقرب إلى الموقف الإيراني، وأن الرجوع إلى الاتفاق يتطلب توسيع بنوده، لا الاحتفاظ بصيغته السابقة على ما هي عليه.

لا تخلو طروحات بايدن من منطق بطبيعة الحال، فهو يريد ضمان ضغط دولي متناسق على طهران لمنعها من تطوير إمكانياتها النووية، ويريد العودة إلى الاتفاق من أجل توسيعه لا التعامل معه كما هو، ويريد علاوة على ذلك، وقف أنشطة إيران خارج حدودها، وهي سياسة تقوم في مجملها على الترغيب، بفتح الطريق أمام إيران للعودة إلى المسرح الدولي وإلى أسواق النفط. وتكاد هذه السياسة تخلو من عناصر الضغط الملموس، علماً بأنه يمكن لبايدن إذا وصل إلى البيت الأبيض، الاحتفاظ بالعقوبات على إيران خلال أية مفاوضات محتملة مباشرة أو غير مباشرة مع المسؤولين الإيرانيين، وهي نقطة الانطلاق الصحيحة التي تمنع طهران من تحقيق نتائج كبيرة قبل التفاوض، بحيث يمكن لاحقاً، تخفيف العقوبات في حال تم قطع شوط كبير في المفاوضات، بما يشمل التدخلات الإيرانية في المنطقة. وقد سعت طهران على الدوام، إلى الفصل بين الاتفاق النووي وبين سياستها الإقليمية، وهو ما لا يمكن قبوله هذه المرة، وهو ما تنبه إليه بايدن خلافاً لسلفه أوباما؛ إذ إن الاعتراض الدولي والإقليمي يشمل سائر عناصر التهديد النووي وغير النووي الذي يصدر عن طهران.

وبما عرف عن بايدن من تمهّل وسعي إلى إحاطة شاملة بجوانب التحديات المثارة، فلا شك في أنه لن يتسرع في المسّ بالعقوبات قبل ضمان تراجع إيراني نوعي ذي أهمية، بما يتضمن استعداد إيران لتفحص سياستها الإقليمية. والمغزى من ذلك أنه أياً كان اختلاف بايدن والديمقراطيين مع ترامب والجمهوريين بخصوص إيران، فإن ذلك لا يعني البدء من جديد هذه المرة؛ بل الإفادة من كل إجراءات صحيحة تم اعتمادها من قبل، وهذا معناه أن تكون السياسة المتبعة في البيت الأبيض قومية وليست حزبية، وهو ما يُملي على الرئيس الجديد استكمال ما ثبت نجاحه ونجاعته، وإعادة النظر في ما تبينت نتيجته غير ذلك. وقد تبين على سبيل المثال، أن العقوبات الاقتصادية أضعفت تمويل طهران لأذرعها الميليشياوية في المنطقة.

والمنتظر أن يسلك جو بايدن سلوكاً متزناً في العديد من الملفات الخارجية، ابتداء من تجديد الشراكة الأطلسية وتعزيزها مع الشركاء الأوروبيين، والعودة إلى تخفيض متبادل للأسلحة الاستراتيجية مع موسكو، وتفحص العلاقات مع أنقرة، والعودة إلى حل الدولتين كخيار دولي متفق عليه وتضمنه قرارات الأمم المتحدة، وإيجاد حلول للوضع في ليبيا واليمن، بما يضمن سيادة هذين البلدين ووقف الاستنزاف البشري فيهما.

 أما إيران فتبدو خلال ذلك وكأنها تضع نفسها في خصومة استراتيجية مع الدولة العظمى. ومع الثقة بأن السياسة الخارجية في عهد الديمقراطيين ستكون على درجة من الثبات والتماسك، فإن الأنظار تتطلع في الوقت ذاته إلى دور أمريكي فاعل يمنع المزيد من الفوضى في منطقتنا، ويحول دون تدخل اللاعبين الخارجيين بصورة تديم استمرار التهاب بؤر إقليمية. 

ومن الأهمية بمكان تشجيع إيران على تحقيق الازدهار الداخلي لشعبها، وأن تبقى دولة طبيعية داخل حدودها مثل بقية الدول، وهو ما يتطلب استخدام كل ما يلزم تجاهها من سياسيات فاعلة ومشروعة في إطار القانون الدولي، لوقف سياسة التهديد والتوتير في المنطقة وما يرافقها من مطامح نووية، وحتى من مشاريع تسليح فتاكة تضعها في خدمة سياسة توسعية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"