حرب لم يتوقعها أصحابها

00:17 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود الريماوي

لعقود قليلة خلت كانت دولة إثيوبيا تحمل صفة امبراطورية وهي الوحيدة التي حملت هذه الصفة في إفريقيا مع استبعاد التسمية الكاريكاتيرية لامبراطورية إفريقيا الوسطى سبعينات القرن الماضي بقيادة جان بوكاسا.. ويُنظر لإثيوبيا في شرق القارة السمراء على أنها من أكثر الكيانات الإفريقية عراقة واستقراراً، ولم يخضع للاستعمار مثل بقية دول القارة سوى لنحو خمس سنوات، حمل على أثرها الاستعمار الإيطالي عصاه ورحل من بلاد القهوة في عام 1941، وبعد سنة أصدر الإمبراطور هيلاسيلاسي قانوناً بإلغاء الرق في بلاده في خطوة تقدمية بلغة زماننا، وتعتبر مبكرة نسبياً. وإذ عرفت إثيوبيا باسم الحبشة وبعدد سكانها الذي يناهز ال115مليون نسمة، وبصلاتها القديمة مع العالم العربي، فإن المرء يستعيد ذلك، هذه الاستعادة تتعلق بحرب طاحنة يشهدها هذا البلد رغم انهماكه مثل بقية دول العالم بمكافحة انتشار وباء كوفيد 19 الذي لم يعد مستجداً.

الحرب المقصودة هي الدائرة مع إقليم تيجراي وسلطته المحلية في وسط البلاد وشمالها. ويجري النظر في أديس أبابا إلى هذا الإقليم على أنه متمرد كونه قد أجرى انتخابات محلية في سبتمبر الماضي بغير موافقة الحكومة المركزية، وقد اتبع الإقليم ذلك باحتكاكات مع القوات الحكومية ومحاولة الاستيلاء على ذخائر.

 وفي خضم هذه التطورات التي بدت مفاجئة للعالم الخارجي، فقد عمد رئيس الحكومة آبي أحمد إلى إقالة قائد الجيش ورئيس المخابرات من دون أن تتضح أسباب هذه التطورات الدراماتيكية. إذ كان الانطباع في الخارج أن أديس أبابا منشغلة بصورة شبه كلية بالاستعداد لإجراء انتخابات برلمانية في غضون الأشهر القليلة المقبلة. غير أن واقع الحال ليس كذلك تماماً، إذ إن واقع الدولة يقوم على ائتلاف عرقي وإثني وسياسي بين عدة مكونات من أهمها عرقية الأورمو التي ينتمي إليها رئيس الحكومة، وإثنية التيجري باسم الإقليم، وإثنية الأمهرة. وسبق أن أجريت انتخابات في عام 2015 في هذا البلد إلا أن نتائجها لم ترق لكثيرين لأسباب عرقية في الأساس، فكان أن تقدم رئيس الحكومة آنذاك هيلي مريام ديسالين باستقالته في عام 2016 واتفق الائتلاف الحاكم على تولية آبي أحمد الحكم، غير أن هذا القرار لم يرُق لإقليم تيجراي، حيث اعتبره إقصاء له. وقد حملت لواء المعارضة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، وهي الجسم السياسي المعبّر عن الإقليم.

 لكن بعيداً عن الاسم، فإن هذه المنظمة هي التي تقوم بالتعبئة حالياً ضد الحكومة المركزية، غير أن نائب قائد الجيش الأثيوبي برهانو غولا، في مؤتمر صحفي في العاصمة أديس أبابا لم يكتم القناعة بعبثية هذه الحرب إذ صرح قائلاً: «بلادنا دخلت في حرب لم تكن تتوقعها. هذه الحرب لا معنى لها».

وإذ لم يتضح مجرى المعارك التي اندلعت منذ الرابع من نوفمبر الجاري،إلا أن حركة نزوح واسعة شملت الآلاف، توجهوا إلى السودان المجاور، ما يشكل ضغطاً على هذا البلد. كما عملت السلطات في أديس أبابا على تعيين إدارة جديدة لشؤون الإقليم الذي كان يُسيّر ذاتياً.

ومن دواعي الاستغراب أن هذا البلد العريق ما زال في أنظار فاعليه السياسيين يمثل محض ائتلاف بين ممثلي العرقيات، وأن أية ادعاءات بعدم الإنصاف قد تؤدي إلى الانشقاق والاحتراب الأهلي. ومن المفارقات أن هذا الصراع الدامي يثور في أجواء الذكرى الأولى لمنح رئيس الحكومة آبي أحمد جائزة نوبل للسلام في 11 أكتوبر من العام الماضي، وذلك مكافأة للمسؤول الإثيوبي على نجاحه آنذاك في تسوية نزاع حدودي مع أرتيريا المجاورة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"