فابيان شيدلر*
لتفادي الأسوأ في المستقبل، يجب أن نفكك أسس الماكينة الضخمة «الميجاماشين» وأن نستبدل بها مؤسسات اقتصادية أخرى لا تخدم الربح؛ بل الصالح العام.
فبعد خسارة دونالد ترامب، يبدو أن الأمور عادت إلى ما يعتبر «طبيعياً»، لكن هذه الحالة الطبيعية هي في الواقع حالة خطرة للغاية.
فنحن نواجه العديد من السيناريوهات التدميرية الوشيكة للبشرية والحياة على الأرض، بما في ذلك تغير المناخ الشديد، والانقراض المتسارع للأنواع، والحرب النووية، وظهور أوبئة أكثر خطورة بكثير من كورونا على أمل أن تنقذنا إدارة جديدة منها.
وحقيقة الأمر أنها ليست هذه الإدارة أو تلك من أوصلنا إلى حافة الهاوية؛ بل حضارة كاملة. لذلك فإن تجنب الانهيار يعني تغيير هذه الحضارة. وبالطبع، يشمل هذا سياسات العالم الواقعي، مما يدفع الإدارة القادمة إلى الجانب التقدمي قدر الإمكان، لكن بدون النظر إلى الهياكل الأعمق التي قادتنا إلى هذه الأزمات الوجودية، سننتهي في وهم أو ضلال. والحقيقة أننا جزء من أخطر نظام اجتماعي خلقته البشرية على الإطلاق.
ومع ذلك، فإن الحضارة الغربية على وجه التحديد التي تشمل الكوكب بأسره اليوم هي التي تعتبر عادة ذروة وتاج التاريخ البشري. ووفقاً لهذا التفسير، فإننا ندين لها بالتنوير والديمقراطية والازدهار. وفي هذه الرواية، جاءت القوى المدمرة التي تهدد مستقبل الحياة على الأرض عن طريق الصدفة إلى حد ما.
ولفهم جذور الدمار المستمر، يجب أن نتجاوز أساطير الغرب والحداثة. فصحيح أن التوسع الغربي جلب ثروة هائلة لجزء من سكان العالم، لكن هذه القصة كانت في نفس الوقت، ومنذ بدايتها، قصة سلسلة من الإبادة الجماعية. فبالنسبة للشعوب الأصلية في الأمريكيتين، على سبيل المثال، كان وصول المستعمرين الأوروبيين، حرفياً، بداية نهاية العالم. ففي أوروبا نفسها، ومنذ القرن السادس عشر، حوّلت الحروب وإرهاب الدولة ضد الفقراء والمنشقين، والتعذيب ومطاردات الساحرات ومحاكم التفتيش، القارة إلى مسرح دموي.
وبالنسبة لجزء كبير جداً من سكان العالم، حدث الأسوأ بالفعل، ولكن لتجنب الأسوأ، والفناء النهائي، يجب أن نفهم أصول الشر: فالنظام تشكل قبل خمسمئة عام في أوروبا. وهو معروف بأسماء مختلفة: «نظام العالم الحديث»، «الرأسمالية»، أو الميجاماشين (الآلة الضخمة)، وهو مصطلح صاغه لويس مومفورد منذ أكثر من 50 عاماً. والمبدأ الأساسي لل«ميجاماشين» هو التراكم اللانهائي لرأس المال.
ولدى هذه المؤسسات في دستورها القانوني، هدف واحد فقط: زيادة رأس مال المساهمين، وذلك بأي ثمن، حتى لو كان ذلك إبادة الحياة على الأرض. وبمجرد تلبية الطلب على منتجات معينة، يجب إنشاء مطالب جديدة، وهذا هو السبب في أنه من الضروري تحويل المواطنين إلى مستهلكين، لتقتصر مساهمتهم في الحياة الاجتماعية على شراء الأشياء. وهذا المنطق هو محرك التوسع الهائل والنمو الدائم الذي يحتاجه النظام للوجود.
إن المرحلة الفوضوية التي تنتظرنا ستستلزم سلسلة من التشعبات (الكبيرة والصغيرة) لعدة عقود. ويمكن أن يقودنا إلى انهيار كامل أو إلى مجتمع أكثر عدلاً يتعلم التعاون مع الطبيعة بدلاً من تدميرها.
* مؤلف كتاب «نهاية ميجاماشين. تاريخ موجز لحضارة فاشلة» 2019. (كومون دريمز)