عادي

شارقة المعرفة.. عنوان الثقافة

23:31 مساء
قراءة 6 دقائق
1

الشارقة: «الخليج»

لنجاح أي مشروع ثقافي لا بد من ركائز أساسية يستند إليها هذا المشروع، ركائز تمثل دعامات جوهرية لتمتين المشروع وبثه في فضاء التجربة العملية والتطبيقية، وهو الأمر الذي ينطبق تماماً على مشروع الشارقة الثقافي، الذي تعود جذوره إلى نحو خمسين عاماً، ولعل من المهم الإشارة إلى أركان وأساسيات هذا المشروع، الذي عبر عنه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في أكثر من مناسبة، حيث أكد ربط هذا المشروع بالتنمية. يعود نجاح تجربة الشارقة في مجال الثقافة والمعرفة، إلى عوامل كثيرة، من أهمها وجود البيئة المناسبة والخصبة لهذا المشروع، الذي انطلق محلياً ولكنه امتد ليشمل الوطن العربي، ومن يقرأ هذا المشروع يجد علامات نجاحه تطال الثقافة والفنون وتفرعاتهما المختلفة.

يتماشى مشروع الشارقة الثقافي مع الكاتب والفنان الإماراتي، سيما وأن له صلة بالكتابة الإبداعية في الشعر، والقصة، والرواية، والبحث الميداني، وفي الدراسة التوثيقية والتاريخية، وفي الفنون له امتداداته في التشكيل، والمسرح، وفي الخط كذلك، كما يتجلى في المهرجانات العديدة في داخل الإمارات وفي خارجها. وهو مشروع حاضر بقوة في معرض الشارقة الدولي للكتاب، هذا المعرض الدائم الحضور عند الكتاب الإماراتيين، وحاضر في ذكرياتهم وشغفهم لاحتضان الكتاب، وحاضر كذلك في المسرح وفي ذاكرة «أيام الشارقة المسرحية» كما أن معرض الشارقة الدولي للكتاب وأيام الشارقة المسرحية، شهدا بزوغ ونهضة هذا المشروع، بل كانا شاهدين على تبلور الملمح الثقافي للمشروع الشارقي الذي لا يزال إلى اليوم عنواناً كبيراً لالتقاء الكلمة والحرف والصورة في احتفالية، تطرز بالبهجة والسرور، في أبعادها ومناخاتها كلها على الصعد كافة إماراتياً وعربياً وفي العالم.

قفزات هائلة 

لقد شهد مشروع الشارقة الثقافي في العقود القليلة الأخيرة، قفزات هائلة في التمكين الثقافي والمعرفي، ذلك أن التطور الاجتماعي والعمراني الذي بدأت تعيشه الإمارات خلال تلك السنوات، قد تزامن مع نقلة ثقافية وحضارية مهمة عمت جميع أنحاء الدولة، وقد مثل هذا المشروع الكبير بوصلة الفعل الثقافي، وبدأ يتجسد في أكثر من صورة.

بدأت الشارقة تحصد ثمار هذا المشروع في السنوات الماضية كاختيارها في عام 2014 عاصمة للثقافة الإسلامية، مروراً باختيارها من قبل «اليونسكو» في عام 2019 عاصمة عالمية للكتاب، لنجاحها في دعم القراءة، وتعزيز السلام والإثراء الثقافي والحوار بين الثقافات من خلال التعليم والتواصل وتبادل المعلومات، كما احتلت مكانة مرموقة في قطاع النشر المتنامي في المنطقة، وأصبحت مركزاً معتمداً لإقامة معظم الفعاليات والأنشطة المتعلّقة بالكتب في الإمارات، وليس انتهاء بوصفها قاطرة المسرح العربي.

حجر الزاوية 

في تبنيها لمشروع ثقافي كبير كان معرض الشارقة الكتاب حجر الزاوية في التمكين الثقافي والمعرفي، ذلك أنه يروج لعادات القراءة ويحفز على الثقافة من مصدرها الرئيسي وهو «الكتاب». بدأ المعرض متواضعاً في عام 1982 ليحرز في سنواته الأخيرة سمعة عربية ودولية لا نظير لها، وقد تنوعت بل اتسعت رؤية الشارقة من خلال هذا المعرض ليصبح قبلة للزائرين من مختلف دول العالم، ويمسي واحداً من أكبر المعارض التي تحتضن آلاف دور النشر، من مختلف البلدان المجاورة والعالم، فصار علامة مميزة من علامات الثقافة وتوزيع ونشر الكتب من مختلف صنوف المعرفة إلى جانب ترسيخه لاحتفالية ثقافية وفنية راسخة، ومن خلال تحوله –أي المعرض- إلى احتفالية سنوية للكتاب، تشهد على قوة المنجز الذي استطاعت الشارقة من خلال دأبها المتواصل تحقيقه ومن خلال استحداث المعرض في كل دورة من دوراته لمبادرات ثقافية رصينة مما حول الشارقة إلى حاضنة ثقافية جاذبة في المنطقة والعالم.

إعادة اعتبارالحديث عن المسرح الإماراتي، يدين للشارقة بالفضل الكبير، ف«أبو الفنون» «ظل دائماً حياً في المشروع الثقافي للإمارة، ذلك أن صاحبه ومؤسسه، هو رجل عاشق للمسرح، وكل تفصيلة من تفاصيل هذا الفن، تدين لصاحب السمو حاكم الشارقة الذي دشن مسرحاً عربياً كبيراً، إيماناً منه بأهمية المسرح ورسالته في الحياة. لقد نجحت الشارقة من خلال «أبو الفنون» في إعادة الاعتبار لفن المسرح، بعد أن تراجعت كثير من الدول العربية لأسباب اجتماعية وسياسية فكان مسرحها محجاً للفنانين والنقاد والخبراء من كافة دول العالم خاصة من خلال «أيام الشارقة المسرحية»، هذا المهرجان الذي ارتقى برسالة الفن والثقافة على نحو مطّرد في موسمه السنوي الذي تواصل منذ أزيد من أربعين عاماً، ومن خلال حرص الشارقة على تدوين ثقافة مسرحية، تواكب هذا الفن الجميل، الذي يستوعب ثقافات العالم ويعبر عن أحلام وطموحات البشر وحقهم في الحياة.

سيرة المسرح الإماراتي، هي سيرة ناصعة في كل تفصيلة من تفاصيلها، وفي كل هدف يرمي لتوطيد ثقافة فنية، تعلي من قيم الحب والتسامح والخير، وتهدف للتواصل مع شعوب العالم.. وسيرة المسرح الإماراتي هي سيرة للرموز والشخصيات والقامات الفنية المحلية والعربية، وهي بكل تأكيد سيرة للجمال وحب الحياة.

مبادرات تنموية

منذ سعيها لتقديم ثقافة شاملة في بعدها النهضوي والتنويري، اهتمت الشارقة أولاً بالمجتمع المحلي، وكان على رأس أولوياتها تأسيس بنية تحتية تلائم تطورها التنموي في كافة الاتجاهات، بحيث يستفيد من المنجز الثقافي أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع، فبادرت الإمارة إلى تأسيس مجموعة من المبادرات الثقافية المهمة وكان على رأسها «مبادرة ثقافة بلا حدود».. التي تأسست في عام 2008 وتستهدف تنشئة جيل مبدع وقارئ، وهي المبادرة التي تابعتها عن كثب الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة اللجنة المنظمة للمشروع، حيث نجحت المبادرة بالفعل في تعميق علاقة الفرد بالكتاب من خلال تنظيم برنامج مكثف من المحاضرات وورش العمل والنشاطات التثقيفية للمدارس الجامعات والمكتبات، ونشر ثقافة القراءة في المجتمع الإماراتي، وقد تفرعت من هذه المبادرة مشاريع مهمة ترفدها مثل «المكتبة المتنقلة» و«مبادرة قهوة وكتاب» و«خذ كتاباً واترك كتاباً» و«المكتبة الجوية» و«المكتبة الإلكترونية»، و«عربة الثقافة» و«مكتبة في كل بيت».. وحصل«ثقافة بلا حدود» على العديد من الجوائز المهمة لترسيخه لثقافة رصينة وجادة في إطار سعيه لدعم صناعة المعرفة. ومن المبادرات اللافتة التي انبثقت عن «ثقافة بلاحدود» كأحد تجليات مشروع الشارقة الثقافي يمكن الإشارة ل «مبادرة ألف عنوان وعنوان» التي تأسست في 2016، تحت شعار «ندعم الفكر لنثري المحتوى» بهدف إصدار 1001 كتاب إماراتي، خلال عامي (2016 - 2017) استجابة لإعلان «عام القراءة» وتعزيزاً للإنتاج المعرفي والفكري في الإمارات، وهي المبادرات التي تعزز الهوية الثقافية، هذه الهوية التي تقع في صلب المشروع الشارقي حيث دعمت العديد من المؤلفين والناشرين بإعفائهم من رسوم الترقيم الدولي للكتب التي تتم طباعتها، امتثالاً لرؤية جمعية الناشرين الإماراتيين الرامية إلى ضمان استدامة صناعة النشر داخل الدولة وخارجها.

سوق النشر

واستجابة حية لتنامي سوق النشر وصناعة الكتاب في الإمارات جاءت مبادرة تأسيس جمعية الناشرين الإماراتيين في العام 2009 من قبل الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، بهدف خدمة وتطوير قطاع النشر في الإمارات والارتقاء به والنهوض بدور الناشر الإماراتي والعربي من خلال برامج التأهيل والتدريب التي ترفع كفاءته، وأيضاً لتشجيع نشر وتوزيع كتب الأطفال العالية الجودة باللغة العربية في الإمارات وتزويد المؤلفين والرسامين الواعدين والمحترفين وكذلك دور النشر القائمة في الدولة، بهدف التواصل وتبادل الخبرات وتقديم الدعم والتدريب للعاملين في مجال كتب الأطفال. وأطلق المجلس الإماراتي لكتب اليافعين خلال مسيرته العديد من المبادرات والمشروعات الهادفة في هذا الإطار، ومنها «جائزة اتصالات لكتاب الطفل» وهي أكبر جائزة لأدب الطفل في العالم، وأيضا حملة « اقرأ.. احلم.. ابتكر» ومبادرة « كان يا ما كان» وغيرها من المبادرات والمشاريع التي ترتقي بثقافة الطفل في الإمارات.

كان العام 2013 شاهداً على ظهور معلم ثقافي كبير تجلى في تأسيس «مدينة الشارقة للنشر» بهدف تحقيق طموحات قطاع النشر، وتوفير فرصة للناشر الإماراتي والعربي للتواصل مع العالم والانفتاح على أسواقه، وأيضاً لإتاحة المجال للناشرين الدوليين لتحقيق حضورهم في بلدان المنطقة، وجاء هذا المشروع ليعزز مكانة الشارقة كمركز عالمي يستقطب المعنيين بقطاع النشر والطباعة ودعم الحركة الثقافية والبحث العلمي على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

مشروع ضخم

 استمر مشروع الشارقة الثقافي في ابتداع الكثير من النشاطات والمبادرات التي لا يمكن حصرها، وليس آخرها بطبيعة الحال «بيت الحكمة» هذا المشروع الثقافي الضخم الذي يحاكي كبريات المكتبات في العالم المتقدم، وإذا كان يحق لمدينة عربية أن تباهي بحجم منجزها الثقافي، فهي بكل تأكيد إمارة الشارقة التي استحقت لقبها واستحقت أسماءها وصيتها كعنوان بارز وكبير في الإنجاز الثقافي في بُعده النهضوي والتنويري.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"