متلازمة «الحاسب الآلي».. إجهاد ومشاكل للإبصار

فرضت تطورات الحياة المعاصرة على الكثيرين الجلوس فترات طويلة أمام شاشات الحاسب الآلي، وبخاصة في الآونة الأخيرة بعد ظهور فيروس كورونا، ودعت ظروف التباعد الاجتماعي للعمل من على بعد، وبالتالي أصبح الجلوس أمام الكمبيوتر لأوقات أطول وضع لابد منه.
أدى هذا الأمر إلى ظهور ما يعرف بمتلازمة الحاسب الآلي، ويقصد بهذا المصطلح وصف المشاكل الصحية التي تصيب عيني من يعمل أمام شاشات الحاسب الآلي، أو يهوى ويدمن الألعاب الإليكترونية.

تشمل هذه الحالة، والتي يشار إليها كذلك بإجهاد العين الرقمي، التصفح المطول لشاشة الهاتف الذكي، ويمتد تأثير متلازمة النظر للحاسب الآلي للأطفال الذين يستخدمون الكمبيوتر في المدارس، وبخاصة إذا كانت الإضاءة غير مثالية.
لاحظ الباحثون انتشار مشاكل العيون والإبصار لدى قطاعات كبيرة من الأطفال والشباب في الأونة الأخيرة الكثير، لدرجة أن أعداد كبيرة منهم بدأت في ارتداء النظارات الطبية، وبعد البحث والتحري اكتشفوا أن متلازمة الحاسب الآلي هي أحد أهم أسباب هذه الظاهرة.
وجدوا إصابة عدد كبير من الأطفال بمشكلة جفاف العيون في هذا السن المبكرة، مما يجعلهم يستخدمون القطرة المخصصة لهذه المرض طول حياتهم، بالإضافة إلى عدد من المضاعفات الأخرى للعيون ناتجة عن هذه المتلازمة.
نتناول في هذا الموضوع مرض متلازمة الحاسب الآلي بكل تفاصيله، مع بيان العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة، وكذلك أعراضها التي تميزها عن المشاكل القريبة منها، وطرق الوقاية التي ينصح بها الباحثون، وأساليب العلاج المتبعة والحديثة.
الوظائف المكتبية
انتشر هذا المسمى (متلازمة الحاسب الآلي) في أعقاب انتشار الوظائف المكتبية التي تحتاج إلى الجلوس فترات طويلة أمام شاشات الحاسب الآلي، ولم يقتصر الأمر على البالغين، حيث تتأثر عيون الصغار نتيجة جلوسهم أمام الشاشات الذكية بمسافات قريبة.
تشمل هذه المتلازمة عدداً كبيراً من آلام وإجهاد العين، وبحسب الأبحاث التي تعرضت لها، فإن ما يصل إلى 90% ممن تحتاج أعمالهم إلى استعمال الحاسب يعانون واحدة من هذه المشاكل، ويبلغ عددهم حوالي 60 مليون شخص.
يعاني عدد ليس بالقليل ممن يستخدمون الحاسب الآلي من هذه المتلازمة، أو بعض أعراضها من غير الانتباه لهذه الإصابة ولا معرفة سببها.
ذهاباً وإياباً
تشبه متلازمة النظر الحاسوبي إصابات العمل المتعددة، فعندما يستمر المصاب بالنظر للحاسب الآلي، يجب عليه أن يركز بعينيه باستمرار وبشكل متكرر.
تستمر عيناه في الذهاب والإياب بين الشاشة ولوحة المفاتيح، أو بالتركيز على الصور المتعاقبة على الشاشة، حتى يتمكن المخ من استيعابها بشكل طبيعي، وكل هذا يحتاج إلى جهد كبير من عضلات العين.
تؤثر مجموعة من العوامل في وضوح الرؤية، وتشمل عرض المسافات وزوايا الرؤية وشدة الإضاءة المحيطة، وكذلك إضاءة الشاشة، وتؤثر بالتالي في الجهد الذي تبذله العين، حتى تركز وترى بوضوح ما هو معروض على الشاشة.
حركة متكررة
تعد متلازمة النظر للحاسب الآلي أحد الأمراض المرتبطة بالعمل، وتحدث بسبب الاستعمال المتكرر لأجهزة الحاسب ولفترات طويلة.
يشبه البعض ما يحدث في هذه المشكلة بما يحدث في متلازمة الرسغ النفقي، فيؤدي تكرار نفس الحركات ولفترة طويلة إلى إجهاد شديد في الأعضاء.
ترجع الإصابة بهذه المتلازمة إلى حركة العينين المتكررة في نفس المسار لفترات طويلة، وذلك عند النظر لشاشة الحاسب باستمرار.
إجهاد كبير
تحتاج العينان خلال العمل إلى التركيز على نقاط محددة على الشاشة بشكل متكرر، كحركات مقلة العين ذهاباً وإياباً أثناء القراءة، أو تحويل النظر من الشاشة لورقة ومن ثم العودة إلى الشاشة.
تتسبب كل هذه الحركات في إجهاد كبير لعضلات العينين، ويزيد الأمر سوءاً وجود وهج وبريق الألوان القادمة من الشاشة، وهو ما يختلف عند القراءة من كتاب.
تزيد حدة هذه المشاكل إذا كان الشخص يعاني في الأساس من مشاكل في الإبصار، مثلاً كقصر أو طول النظر، أو من يحتاج إلى استعمال نظارة ولا يرتديها.
ساعتان فقط
يمكن أن تظهر أعراض متلازمة النظر للحاسب الآلي بمجرد البقاء لساعتين فقط أمام شاشته، لأنها تشكل خطراً أكبر على العين من الصفحات المطبوعة، فتصبح حركة رمش العين أقل بشكل نسبي، لأن عملية الوميض تقل الثلث عند القراءة على الشاشات.
تختلف أعراض هذه الحالة بحسب كل شخص، وإن كان يزيد الأمر خطورة بالنسبة لمن يعانون من مشاكل سابقة في العين، وكذلك بحسب الوقت الذي يقضيه الشخص أمام شاشة الحاسب.
تزيد حــــدة الأعراض مع تقدم المصاب في العمر، وربما قلت قدرته علـــى التركيز على الأشياء القريبة، وهو ما يعرف بقصر النظر الشيخوخي.
يصعب استخدام الحاسب الآلي مع تقدم السن، لأن عدسات العين تصبح أقل مقدرة على التكيف مع الضوء القادم من الشاشة، وتقل قابلية العين على رؤية الأجسام القريبة بعد سن الأربعين.
إجهاد العين
يعد إجهاد العين أبرز الأعراض التي يشكو منها المصاب بهذه المتلازمة، والتي ترجع لاستخدام الحاسب مدداً طويلة وبشكل منتظم.
يترتب على إجهاد العين تشوش الرؤية أو ازدواجها ورؤية العوامات، ومن الممكن أن تصاب بالإحمرار والجفاف، كما أن أغشية العين في بعض الحالات تصاب بالتهيج.
يعاني المصاب أيضاً من آلام في الظهر والرقبة، وصداع شديد ومستمر، وعلى الرغم من ذلك فإن أغلب هذه الأعراض تعد مؤقتة، وتختفي أو تقل حدتها بمجرد تقليل مدة النظر المطول لشاشة الحاسب.
يمكن في بعض الأحيان أن تستمر الأعراض على الرغم من الابتعاد عن الشاشة، وربما ظلت الرؤية ضبابية أو استمر الصداع.
يشكو المصاب نتيجة ذلك من انخفاض في قدراته البصرية بسبب إهمال علاج الأعراض، أو لاستمرارها فترة طويلة، ومن الممكن أن تتسبب فـــي قلــــة الإنتاجـــية، أو مشـــاكل صحــــية مزمنة.
منع التدهور
يمكن أن يصف الطبيب نظارة طبية أو عدسات لاصقة عند تشخيص الإصابة بمتلازمة الحاسب الآلي، ويرتدي المصاب النظارات أمام الشاشة فقط.
يجد في بعض الأحيان من يرتدون نظارات فعلاً أنها لا توفر لهم رؤية مثالية لمشاهدة الحاسب، وذلك لأن النظارات الموصوفة للاستخدام العام لا تكون كافية للاستخدام أمام الحاسوب.
ينصح بصفة عامة بزيارة طبيب العيون لإجراء فحص دوري، والهدف منه منع تدهور الرؤية، وعلاج أي مشكلة تترتب على البقاء مطولاً أمام الحاسب الآلي مبكراً، كأن يصف نظارات طبية أو خاصة بالعمل.
يجب كذلك فحص بصر الأطفال دورياً، والتأكد أن الأجهزة الإلكترونية التي يستخدمونها توجد في أمكان جيدة الإضاءة وبارتفاع مناسب.

ثلاث عشرينات

يشير الباحثون إلى أنه يمكن إعطاء العين فترة استراحة، وذلك بالعمل 20 دقيقة ثم النظر لشيء يبعد عشرين قدماً لمدة 20 ثانيـــة، مع الاستمرار على الوميض من أجل المحافظة على رطوبة العين، ويفضل عند الإحساس بجفاف العين الاستعانة بقطرات الدموع الاصطناعية.
يساعد إجراء بعض التغييرات في بيئة العمل على التخفيف من حدة أعراض متلازمة النظر للحاسب الآلي، تبدأ هذه الإجراءات بتقليل انعكاس الضوء من شاشة الكمبيوتر، وذلك من خلال زيادة الإضاءة في محيط العمل.
يقلل هذا من انبعاث إضاءة شاشة الحاسب على العينين، وفي حالة كان هناك على سبيل المثال ضوء قادم من النافذة، فإن تغيير مكان الحاسب أو إسدال الستائر يساعد أيضاً.
ينبغي تعديل موقع الشاشة بحيث تكون أقل قليلاً من مستوى النظر، على بعد من الوجه من 20 إلى 28 بوصة.
يمكن تلافي إجهاد العينين والعنق من خلال رفع لوحة المفاتيح قليلاً، وذلك حتى يتجنب التناوب على النظر للوحة والشاشة، كما أنه من الأفضل تكبير الخط، أو جعله ملائماً للبصر وإراحة العين.