الهند من منظور التوازن إقليمياً

00:02 صباحا
قراءة 4 دقائق

آخيل راميش*

في عالم السياسة، هناك ميل للفصل بين قضايا الاقتصاد والأمن نتيجة بيروقراطية دوائر صنع القرار السياسي. ويمكن النظر إلى الوثائق التي رفعت عنها السرية والمتعلقة باستراتيجية الولايات المتحدة الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ من نفس المنظور، فهي تحدد بوضوح دور الهند كعامل توازن إقليمي في المنطقة.

ومع ذلك، يقتصر التركيز على التحديات الأمنية التقليدية والتعاون الدفاعي وتحسين ظروف وإمكانيات العمل العسكري المشترك بين الشركاء في المنطقة. لكن في هذا الجزء من العالم الذي يمثل 60 في المئة من التجارة البحرية، من الضروري جداً التركيز على التجارة والاقتصاد.

 إذا كان استخدام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للعقوبات والتعريفات والجهود المبذولة لفك الارتباط، يثبت أن فن الحكم الاقتصادي يمكن أن يكون أداة قوية أثناء مواجهة الخصوم، فإن وباء «كوفيد- 19»، فعل الشيء نفسه من خلال الكشف عن نقاط الضعف الاقتصادية للولايات المتحدة وشركائها في المجموعة الرباعية - اليابان الهند وأستراليا.

 هذه الدول كلها تعتمد على الصين في جانب كبير من الاحتياجات الأساسية. وقد كشف الوباء عن نقاط ضعفها أمام اضطراب سلاسل التوريد واعتمادها المفرط على الاقتصاد الصيني في جانبي الواردات والصادرات.

 وإذا أرادت المجموعة الاحتفاظ بدورها كتكل استراتيجي فلا بد من تقليل اعتماد دولها على الصين. هناك حاجة لتجديد استراتيجية الولايات المتحدة الاقتصادية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ للانتقال إلى موقع القوة. وفي حين أنه يمكن نقل جزء من دورة الإنتاج إلى أمريكا، إلا أن هناك حاجة إلى سوق ناشئة كبيرة تكون مصدراً للمواد الأولية وسوقاً لمنتجات اقتصادات الرباعية.

يمكن للهند أن تلعب دور الموازن الاقتصادي الإقليمي من خلال استيعاب سلاسل التوريد التي تبدأ من الصين جزئياً، ما يعزز قدرتها الاقتصادية على مواجهة الصين ويكون بمثابة سوق بديل لدول الرباعية.

 وكانت الهند ولا تزال من أشد المنتقدين لمبادرات السياسة الخارجية الصينية، بدءاً من مبادرة الحزام والطريق والوقوف في وجه الصين عسكريًا في دوكلام، وانتهاءا بالترويج لفكرة التحالفات القائمة على القضايا في المجال البحري ورفض الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، حتى قبل أن تتحدث الدول الأخرى عن الانفصال الاقتصادي عن الصين.

إن رؤية حكومة رئيس الوزراء الهندي لعالم متعدد الأقطاب وخاصة آسيا متعددة الأقطاب - كما عبر عنها وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرراهمانيام جايشانكار - تتناسب تماماً مع استراتيجية الولايات المتحدة التي تضع الهند كعامل توازن إقليمي. ولا تسعى الهند، كما هو الحال لدى الاتحاد الأوروبي أو كوريا الجنوبية أو اليابان، إلى نشر قوات أمريكية على أراضيها.

ويتم تمويل ميزانية الدفاع الهندية من قبل دافعي الضرائب، ولديها ثاني أكبر جيش في العالم لحماية أراضيها. ولحسن حظ الولايات المتحدة، فإن جيش الهند الكبير، ونزاعها الإقليمي وعلاقاتها المتدهورة مع الصين تجعلها مرشحاً مثالياً للتوازن الإقليمي.

في الواقع، تواجه الولايات المتحدة تحدياً حقيقياً يتعلق بالأرقام في حربها ضد الصين. لذلك، فإن الموازن الإقليمي الذي يزيد عدد سكانه عن مليار نسمة، وما تملكه من تطورات تقنية، يكمل الوجود الأمريكي في المنطقة.

من وجهة نظر الهند، توفر الاستثمارات والمشاريع الأمريكية رأس المال والوظائف التي تشتد حاجة الهند إليها من أجل توفير فرص العمل لأعداد متزايدة من الشباب. وستؤدي مشاركة التقنيات الدفاعية والتجارية الأمريكية المتقدمة إلى تعزيز القدرة التنافسية الإقليمية للهند.

ومع ذلك، في حين أن كلا البلدين يمكن أن يستفيدا من شراكة اقتصادية أوثق من خلال تحويل سلاسل التوريد، فإن وضع الهند كموازن اقتصادي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ يترافق دائماً مع مجموعة من التحديات.

 وهناك عنصر الحجم. ففي حين أن عدد سكان الهند أكبر بكثير من عدد سكان الولايات المتحدة، إلا أن الطبقة الوسطى لا تتمتع بنفس القوة الشرائية مثل الصين لجعلها سوقاً جذابة للمشاريع الأمريكية. وخلال العشرين عاماً الماضية، أنشأت الصين سلاسل قيمة كاملة كجزء من عملية التصنيع، بينما لا تزال الهند في المراحل الأولى من بناء قاعدتها التصنيعية.

 من جهة أخرى ينظر إلى الهند على أنها شريك متردد ومفاوض صعب في الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف. ولا تزال تتمنع عن دخول التكتلات التجارية في المحيطين الهندي والهادئ.

 لمواجهة هذه التحديات، يجب على الرئيس الأمريكي جو بايدن البناء على مبادرات مثل مبادرة مرونة سلاسل التوريد، وتشجيع الشركات الأمريكية على الخروج من الصين، كما فعلت اليابان مؤخراً مع شركاتها؛ حيث منحتها حوافز للالتزام بذلك. وستساعد هذه الإجراءات في بناء الأسس المطلوبة للتحول إلى أن تتم معالجة قضية فارق الحجم خلال العقد القادم.

يجب على إدارة بايدن أيضاً تصميم كتلة تجارية تشمل دول الرباعية لاستكمال موارد كل اقتصاد من افتصاداتها. ونتج تردد الهند في الدخول في اتفاقيات التجارة الإقليمية أساساً، عن مخاوف من ممارسات الإغراق وتقييد حركة رأس المال البشري لديها. لذا فإن الصفقة التجارية التي تعطي الأولوية لهذه القضايا ستكون بمثابة عرض جذاب لخامس أكبر اقتصاد في العالم.

وكانت إدارة ترامب سباقة في توسيع نطاق الشراكة بين الولايات المتحدة والهند من خلال المبادرات الاقتصادية. وسيكون من الحكمة أن تبني إدارة بايدن على هذا النهج لتعزيز دور نيودلهي كموازن إقليمي أساسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

* باحث في منتدى المحيط الهادئ. (شبكة جنوب الصين)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث في منتدى المحيط الهادئ

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"