عادي
حيل جديدة تتكيّف مع جائحة «كورونا»

«التسول المُنظم»..من إشارات المرور إلى طرق البيوت

00:00 صباحا
قراءة 6 دقائق
1

تحقيق: محمد الماحي

مع استمرار الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس «كورونا»، وجدت شبكات التسول المنظم نفسها أمام تحدٍّ حقيقي يهدد استمرار نشاطها الذي تعتاش منه، ومع بدء شهر رمضان، أصيب حضورهم في مقتل، حيث لا تجمعات ولا خيم الإفطار، للأسر أو المؤسسات أو في الأماكن العامة، ولا سهرات رمضانية، كما هو معتاد سنوياً.

أمام هذا الواقع الجديد، لجأت شبكات التسول المنظمة إلى حيل وأساليب جديدة تختلف باختلاف الزمان والمكان، وتعتمد على الانتقال من إشارات المرور والمراكز التجارية، إلى طرق أبواب المنازل بمظهر أنيق لأفراد الشبكة، لاستثارة العطف والشفقة لدى الناس للحصول على المال.

1

هذا الوضع دفع الأجهزة الأمنية والقانونية، إلى التدخل، وحذّرت وزارة الداخلية من التعامل مع المتسولين الذين يستغلون الأحوال الراهنة، ويبتكرون حيلاً جديدة لابتزاز الأموال، باختلاق قصص، للابتزاز، مؤكدة أن الدولة وضعت قنوات رسمية للأعمال الخيرية، وتقديم المساعدات لدى الهيئات والمؤسسات الخيرية، لضمان وصول التبرعات إلى مستحقيها.

وأكدت شرطة أبوظبي، إعداد خطة أمنية متكاملة، عبر مراكز الشرطة، لشهر رمضان المبارك، واتخاذ التدابير الرقابية والإجراءات الوقائية، بمضاعفة الجهود وتكثيف حضور الدوريات، في الأماكن التي يتوقع أن يكون فيها المتسولون.

وأوضحت النيابة العامة الاتحادية، أنه يعاقب كل من أدار جريمة التسول المنظم، واستقدم أشخاصاً ليستخدمهم في ارتكابها، بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، والغرامة التي لا تقل عن 100 ألف درهم، وفقاً للقانون الاتحادي رقم 9 لعام 2018. 

وحذرت خلال حملة أطلقتها للتعريف بالتسول وآثاره المجتمعية السلبية، عبر منصاتها الرسمية، من ارتكاب التسول، عبر مجموعة منظمة من شخصين أو أكثر، للحصول على المساعدات المالية، بغير وجه حق، وبالطرق التي يعاقب عليها القانون.

وسائل جديدة 

«الخليج» رصدت أهم سلوكات شبكات التسول، التي تستخدم طرق الأبواب، بعد أن تلقت ملاحظات من قراء عن قيام متسولات بطرق أبواب البيوت والشقق، والادعاء بأنهن في ضائقة، بعد أن فقدن وظائفهن عمالة مساعدة في حضانات أو مدارس، أو مطاعم، بعد تعليق أنشطة هذه المنشآت، ويختلقن قصصاً وهمية تتعلق بطلب المساعدة في مصروفات علاج أو رعاية أطفال أيتام.

ويقول الدكتور خالد حمد (طبيب)، إنه تعرض لوسائل جديدة للتسول؛ فهو يسكن في الدور العاشر بإحدى البنايات، وفوجئ بفتاة عربية صغيرة، بوجه حسن، تطرق باب منزله، لتطلب منه مساعدة بدعوى أن زوجها متوفى، وتعيل ثلاثة أطفال، ولا تقوى على تلبية احتياجاتهم.

وقال إن هذه الظاهرة جديدة وشديدة الخطورة، لأنها قد تهدد الأمن الشخصي للناس في منازلهم، كما أن عدم مواجهتها في مهدها قد يتسبب في انتشارها، لنجد بعد ذلك المتسولين يتراصون أمام المنازل.

بينما قالت المواطنة مريم الكعبي، إن الظاهرة قلت كثيراً في المجتمع الإماراتي، مقارنة بالأعوام الماضية، ولكنها مع جائحة «كورونا»، اتخذت أشكالاً جديدة وأنها تعرضت لأكثر من مرة لمتسولين يطرقون باب المنزل، وبمظهر حسن يعطونها أوراقاً تفيد بحاجتهم، طالبين منها المساعدة المالية، وأنها شاهدت متسولين آخرين يطرقون أبواب الجيران، يسألون السكان عن مساعدات مالية.

وترى لميس أحمد (ربة منزل)، أن طرق التسول تختلف من مكان إلى آخر، ولعل عنصر الابتكار هو سيد الموقف لاستغلال حاجة الناس وابتزاز جيوبهم بطيب خاطر، ولعل أحدث صور التسول التي اتخذتها بعض السيدات، هي الطرق على أبواب الشقق في وقت الظهيرة للحصول على المال.

وتخاف لميس من المتسولات، بحيث تنظر في العين الموجودة على باب المنزل، ولا تفتح الباب حتى يغادرن العمارة. وقد طلبت سيدات العمارة من الحارس منعهن من الدخول إلى البناية التي لا يوجد فيها الرجال أو الأبناء بحكم العمل. وحذرت من أولئك المتسولات، ونصحت السيدات بالامتناع عن فتح الأبواب.

مقتنيات دينية

في نمط جديد من التسول، يستهدف المواطنين في منازلهم، ظهر رجال آسيويون يطرقون الأبواب، ويطلبون المال بذريعة بيع «مقتنيات دينية»، مستغلين معاني الشهر الفضيل، «الخليج» رصدت هؤلاء، وهم يحملون مقتنيات تتكون من مسابح، وبعض الزينة المخطوطة بالآيات القرآنية.

فيما حذرت شرطتا الشارقة وعجمان من التعامل مع المتسولين، والتعاطف معهم، وطالبتا بإبلاغ الجهات المختصة عنهم لاتخاذ اللازم تجاههم، مؤكدة أن هذه الفئة تتبع عصابات منظمة، تستهدف جمع الأموال، بجلب المتسولين إلى الدولة، وإدارة هذا النشاط، مستغلة رغبة أفراد المجتمع في فعل الخير.

وكشف المقدم أحمد سعيد النعيمي، مدير إدارة التحريات والمباحث الجنائية في القيادة العامة لشرطة عجمان، عن إطلاق حملة لمكافحة التسول في جميع المناطق السكنية في إمارة عجمان قبل حلول الشهر المبارك.

وأكد اللواء سيف الزري الشامسي، القائد العام لشرطة الشارقة، خلال الملتقى الإعلامي الخامس الذي عقدته شرطة الشارقة، تشكيل فرق أمنية للحدّ من ظاهرة التسول خلال شهر رمضان. كما أنه بالشراكة مع الجهات ذات الصلة سيكوّن تكثيفاً أمنياً على مدار الساعة، للحيلولة دون انتشار المتسولين، إذ ضبط 730 متسولاً. كما أنه خلال الخمسة أشهر الماضية، حدّت من وجود المتسولين، وأعادت المضبوطين إلى بلدانهم، بالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين للشرطة.

أصبح نشاط التسول في دبي مغرياً، حتى إن هناك من السياح من يقصدها خصيصاً لتحقيق ثروة بممارسة التسول فيها، هذا الوضع دفع شرطة دبي إلى انتهاج استراتيجية جديدة لرصد وضبط المتسولين، في إطار حملتها السنوية «كافح التسول»، عبر خريطة ضوئية ترصد أكثر الأماكن التي يقصدها المتسولون، لتكثيف الوجود الأمني فيها، وردع هذا السلوك.

وقال العقيد علي سالم، مدير إدارة المتسللين بشرطة دبي، إن الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية وضعت خطة أمنية متكاملة لمكافحة التسول بالتعاون مع الشركاء، وتكثيف الدوريات في الأماكن المتوقع وجود المتسولين بها.

ودعا إلى عدم الاستجابة للمتسولين، وعدم الانخداع بأساليبهم الاحتيالية، ومساعدة الشرطة بالإبلاغ الفوري حال رصد أي منهم عبر مركز الاتصال (901) أو منصة عين الشرطة، عبر التطبيق الذكي لشرطة دبي على الهواتف المتحركة.

 فئات المجتمع

أكد عدد من المختصين أنّ مواجهة ظاهرة التسول المنظم ليست من مهام الجهات المعنية وحدها، وإنّما يجب أن تسهم في ذلك مختلف فئات المجتمع بتجنب تحفيز المتسولين بمنحهم المال الذي يشجعهم على الاستمرار في تلك الممارسات المسيئة.

وقال المحامي عبيد الصقال، إن التسول ظاهرة، تنشط موسمياً، وتقف الدولة بالمرصاد لها بكل السبل، حيث يعاقب القانون الإماراتي المتسول وتصل العقوبة إلى الحبس مع الإبعاد ومصادرة الأموال التي يحوزها، وتنفذ وزارة الداخلية الكثير من المبادرات والحملات التوعوية للحدّ من الظاهرة السلبية التي تتزايد خلال شهر رمضان خاصة.

وأضاف أن عقوبة إدارة جريمة التسول المنظم تصل إلى الحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر، والغرامة 100 ألف درهم، وأن عقوبة من يشترك أو يكون عضواً في جريمة التسول المنظم تصل إلى الحبس 3 أشهر، والغرامة 5 آلاف درهم.

وأوضح أن قانون مكافحة التسول ينطبق على التسول بكل أشكاله وكل حيله، داعياً إلى التسلح بالوعي المجتمعي، والحذر من استغلال المتسولين للأحوال الراهنة، باختلاق الأكاذيب للنصب والابتزاز عبر التواصل المباشر، أو بمواقع التواصل، حيث بات المتسولون اليوم يستغلون ظروف انتشار وباء «كورونا».

وأضاف أن القانون وحده لا يكفي للقضاء على آفة التسول، بل يتطلب تعاون جميع أفراد المجتمع، وعدم التعاطف مع المتسولين، كونهم محتاجين للأموال ويجب مساعدتهم.

وتقول الاختصاصية الاجتماعية بخيتة الظاهري «أصبح التسول مهنة مربحة بالنسبة لبعض الأشخاص، ما جعلهم يبتكرون أساليب لإثارة شفقة الناس، وتالياً الحصول منهم على ما يطلبونه من مال ومساعدات، والتسول المنظم جزء من الاتّجار بالبشر. 

 وهناك عصابات للتسول، تختار المناطق السكنية الحيوية التي، ويقسمونها مناطق اختصاص في ما بينهم، بغرض التسول بطريقة موحدة يتفقون عليها، كسرد قصة مأساوية مثل مرورهم بأزمة صحية أو مالية، ويحتاجون إلى مساعدة عاجلة.

وشددت على أن التسول دخل الدولة نتيجة للانفتاح على ثقافات متعددة. لافتة إلى أن شبكات التسول تدخل الدولة لجمع المال تحت غطاء السياحة، وهو الأمر الذي يضر بالمجتمع كون المتسول عاملاً غير منتج مجتمعياً. كما يؤدي التسول إلى تشويه الوجه الحضاري للدولة، خصوصاً أن بعض المتسولات يتعمدن لبس الزي الإماراتي، ويمكن أن يكون المتسول بؤرة أمراض متحركة، لوجوده المتواصل في الشارع.

وأكدت أهمية مكافحة جرائم شبكات التسول، بالتوعية بعدم التأثر بقصصهم الاستعطافية والانجراف خلفها، خاصة مع وجود جهات مختصة في الدولة معنية بالمحتاجين. لذا علينا أن نتعاون مع السلطات المختصة للإبلاغ عن المتسولين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"