لبنان المختطف

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

عندما يعلن ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل أن «لبنان على شفير الهاوية، ولا يمكن إضاعة المزيد من الوقت»، ثم يحذر من أنه «لا يمكن تقديم المساعدة للبنان في ظل عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي»، فهذا يعني أن لبنان دخل مرحلة الانهيار، وأن المبعوث الأوروبي الذي يزور بيروت يبدو أنه قطع الأمل في أن يخرج البلد من النفق المظلم في ظل هذه السلطة، ومعها قوى الأمر الواقع من قيادات سياسية وطائفية تتعمد تجاهل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية الطاحنة التي يغرق فيها لبنان.

 بوريل ليس وحده الذي يدق جرس الإنذار. الرئيس الفرنسي ماكرون ووزير خارجيته لودريان، والبنك الدولي والعديد من المسؤولين العرب والأجانب الذين زاروا لبنان خلال الأشهر الأخيرة حذروا من غرقه، وطالبوا القوى السياسية التي تتحكم برقاب البلاد والعباد بأن تبادر إلى عملية إنقاذ سريعة، والخروج من التجاذبات السياسية والكيدية والحروب الكلامية والخلاف على جنس الملائكة.. لكن لا حياة لمن تنادي.

 الحقيقة أن لبنان وشعبه بات مختطفاً من جانب هذه الطبقة السياسية التي استمرأت التسلط والفساد ونهب المال العام والسطو على مدخرات الناس، وتبادل المصالح والمنافع بين بعضها من دون أن يرف لها جفن، أو يسترعي انتباهها صراخ الفقراء والجياع والمرضى الذين يموتون على أبواب المستشفيات، أو الذين لا يجدون حبة دواء في صيدلية أو رغيف خبز يقيتون به جوعهم. كما يصمّون آذانهم عن هتافات مئات آلاف اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشوارع في كل المناطق والمدن يطالبون بحقهم في الحياة، وقطع دابر الفساد والمفسدين، وتشكيل حكومة من الأكفاء ذوي الخبرة والأيادي النظيفة غير الملوثة بالفساد والولاء للأحزاب الطائفية.

 كل ذلك يجري في لبنان الذي يعيش منذ أكثر من عامين في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية ومالية طاحنة، قضت على الطبقة الوسطى وسحقت الفقراء، وحولت حياة المواطن إلى جحيم، إذ يلوذ ببعض المساعدات التي تأتي من هنا وهناك، حتى أن الأزمة انعكست على المؤسسة العسكرية حيث بات الجيش هو أيضاً كما بقية المواطنين يعاني سوء الحال، وبات يطرق أبواب العالم لدعمه وتمكينه من الصمود كي يستطيع القيام بواجبه في حماية السلم الأهلي، ومواجهة المخاطر التي قد يتعرض لها لبنان من جراء تداعيات الأزمة التي يعيشها.

 صرخة الممثل الأوروبي بعد اجتماعه إلى المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، تعبّر عن قلق العالم إزاء لبنان المختطف الذي بات رهينة بيد طبقة سياسية فاشلة لم يعد يهمها إن جاع اللبناني أو مرض أو مات أو هاجر، لأن الأهم بالنسبة لها أن تبقى في السلطة التي تحولت إلى «جائزة كبرى» لا يمكن أن تتخلى عنها.

 والمصيبة أن هذه الطبقة ما زالت قادرة على الإمساك بالخيوط التي تشد من خلالها العصب الطائفي والمذهبي متى شاءت لإفشال أية محاولة للتغيير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"