عادي

متاحف الشارقة.. منصة لتعزيز قدرات ذوي الإعاقة

23:49 مساء
قراءة 5 دقائق
الشارقة.. كنوز سياحية تجمع بين أصالة التاريخ والحداثة
جولات يقودها مرشدون من أصحاب الهمم الصم

منال عطايا
اهتمام الشارقة برعاية ودمج ذوي الإعاقة في المجتمع؛ هو امتداد طبيعي للنهج الإنساني الذي تتّبعه الإمارة في إدارة شؤون الحياة، وبناء الإنسان، وصقل قدراته؛ إيماناً بهذا الواجب، والتزاماً بالمسار الذي خطّه صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الذي يؤكد دوماً أن الشارقة تسخر كل الإمكانات والمرافق؛ لخدمة مختلف أفراد المجتمع، لا سيما فئة ذوي الإعاقة.

ووفقاً لتوجيهات سموّه الإنسانية؛ أطلقت إمارة الشارقة العديد من البرامج التي أسهمت في تيسير شؤون حياة ذوي الإعاقة، والتصدي للتحديات التي تواجههم، وفتحت لهم نوافذ لا للتسهيل عليهم وعلى ذويهم فحسب؛ بل ولتعزيز الوعي بحقوقهم، وتفعيل مشاركتهم في البناء والتنمية، باعتبارهم عناصر فاعلة ومؤثرة في المسار التنموي الشامل للإمارة.

بتتبع الإنجازات التي تحققت في ظل توجيهات ودعم متواصل من صاحب السموّ حاكم الشارقة، نجد أن الإمارة حققت قفزات نوعية في تطوير قدرات أصحاب الإعاقة ودمجهم. وكان إنشاء مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية عام 1979، كفرع لمنظمة الأسرة العربية في منطقة الخليج والجزيرة العربية، باكورة لحراك زاخر ومستمر في تقديم خدمات التعليم والتطوير والتدريب والتأهيل لذوي الإعاقة.

ولعل القفزة النوعية التي طرأت على عمل مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، جاءت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1995، حين أصدر سموّه مرسوماً أميرياً جاعلاً المدينة مؤسسة أهلية مستقلة تتبع المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، وتعمل على تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة.

ويُحسب للمدينة أن خدماتها متوفرة لجميع أفراد المجتمع المعنيين، واضعة البعد الإنساني في مقدمة أهدافها النبيلة، مما أفضى إلى انبثاق العديد من المؤسسات والمراكز التي تنضوي تحت مظلتها كمدرسة وروضة الأمل للصم عام 1981، ثم روضة الأمل عام 1983 لتقديم الخدمة للأطفال الصم من سن سنتين ونصف السنة.

1

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فارتقت منظومة العمل إلى تمكين أولياء أمور هذه الفئة، والكوادر العاملة معها، فتأسس مركز التدخل المبكر عام 1992، تبعه إنشاء مدرسة الوفاء لتنمية القدرات؛ بهدف استيعاب الأطفال ذوي الإعاقة الذين لم يجدوا مراكز متخصصة تقدم لهم الخدمات اللازمة في ذاك الوقت.

واستمرت مسيرة صاحب السموّ حاكم الشارقة، لتثمر افتتاح نادي الثقة للمعاقين عام 1987 في الشارقة، كأول نادٍ على مستوى الدولة يهتم بشؤون ذوي الإعاقة الثقافية والاجتماعية والتأهيلية والرياضية، ويدعم تطلعاتهم واهتماماتهم، ما أدى إلى تحقيق العديد من الإنجازات المحلية والإقليمية والعالمية التي أثبتت قدراتهم ومكانتهم في المشهد الرياضي، ثم تبع ذلك افتتاح فرع للفتيات في عام 2003؛ لتعزيز مشاركتهن وتفاعلهن وتمكين قدراتهن ومساهمتهن في الواقع الرياضي. كما أنشئ مركز الشارقة للتوحد غير الربحي، لتقديم خدمات تربوية وعلاجية اختصاصية مناسبة للأطفال والشباب من ذوي التوحد ولأسرهم، ثم تأسس مركز مدينة الشارقة للسمعيات عام 2010، لتوفير جميع الخدمات التشخيصية والتأهيلية لضعاف السمع والصم، ثم قسم العلاج الطبيعي والوظيفي، لتوفير خدمات متخصصة للأطفال من ذوي القدرات الحركية الخاصة.

هذا الحراك في الشارقة منذ نحو أربعين عاماً، أثمر عن تحقيق إنجازات محلية وإقليمية وعالمية عديدة، منها حصول الإمارة على لقب «مدينة صديقة لذوي الإعاقة الحركية»، من الاتحاد العالمي للمعاقين، خلال حفل اليوم العالمي للمدن العالمية، الذي عقد في مدينة نيويورك، بالولايات المتحدة الأمريكية. وهذا الإنجاز تحقق عطفاً على ما قدمته الإمارة في مضمون ملف متكامل يشمل خريطة واضحة المعالم حول الجهود المبذولة في هذا الشأن؛ من حيث البنى التحتية التي تتيح لهذه الفئة سهولة التنقل، لتُترجم بذلك تلك الجهود التي بذلها صاحب السموّ حاكم الشارقة في تمكين ذوي الإعاقة تمكيناً كاملاً وشاملاً.

وجاءت استجابة مختلف مؤسسات وهيئات الإمارة، ومبادرتها إلى تنفيذ توجيهات سموّه بشأن رعاية ودمج وتأهيل ذوي الإعاقة؛ لتؤكد بشكل قاطع أهمية تلك التوجيهات وضرورة تنفيذها؛ لتعزيز مسيرة البناء، ورفدها بالعناصر البنّاءة من مختلف أفراد المجتمع، الذي بات يعد هذه الفئة، فئة مؤثرة وفاعلة في مسار التنمية.

وكانت هيئة الشارقة للمتاحف في طليعة المبادرين لإطلاق البرامج والمبادرات التي تخدم هدف رعاية ودمج ذوي الإعاقة، وتوجت جُهودها بإدراج المكتب الإقليمي للاتحاد العالمي للمعاقين متحفي الشارقة للحضارة الإسلامية، والشارقة البحري، التابعين للهيئة، في الموقع الإلكتروني الرسمي الخاص به كوجهتين صديقتين لذوي الإعاقة؛ نظراً لتوفيرهما المعايير البيئية العالمية لهم.

وتأتي مساعي الهيئة من واقع رغبتها في توفير مفردات حياة مُيسّرة لذوي الإعاقة، انطلاقاً من قناعتها بأحقية الجميع في الاطلاع والاستمتاع بمحتويات متاحفها من كنوز ثقافية وتاريخية، فعمدت إلى توفير كل المستلزمات والإجراءات التي تضمن جولات ميسرة وممتعة لفئة ذوي الإعاقة؛ تضمنت فرصة الدخول المجاني إلى كل متاحفها، وتسهيل عملية الوصول إليها. ووفّرت الهيئة منحدرات في مختلف مناطق المتاحف، ومصاعد، ودورات مياه خاصة بهذه الفئة، إلى جانب الكراسي المتحركة، إضافة إلى تنظيم جولات صوتية للراغبين في الحصول على إرشادات ذاتية، ومكبرات صوت يمكن للمرشد استخدامها خلال الجولات الصوتية لضعاف السمع.

وواصلت الهيئة جهودها لتحقيق المزيد من الإنجازات لمصلحة ذوي الإعاقة؛ فأطلقت مبادرة «لأننا نهتم» لجعل متاحفها متاحة للجميع، شاملة عدداً من البرامج التعليمية بلغة الإشارة صممت بما يتناسب مع قدرات وإمكانات ذوي الإعاقة السمعية. ونظمت الهيئة جولات إرشادية بلغة الإشارة قادها مرشدون من ذوي الإعاقات السمعية، ضمن برنامج تدريبي مكثف يحمل اسم «المرشد المتميز بلغة الإشارة» استهدف خريجي المرحلة الثانوية من ذوي الإعاقة السمعية، إضافة إلى تدريب الموظفين على لغة الإشارة؛ للتواصل بشكل فاعل مع زوار المتحف من هذه الفئة.

ووفرت الهيئة من خلال مبادرة «متاحف صديقة لذوي التوحد» الأولى خليجياً، بيئات تعليمية صممها متخصصون لتلبية متطلبات الأطفال المصابين بالتوحد ممن تراوح أعمارهم بين 7 و12 سنة من خلال توفير أنشطة وفعاليات جماعية وفردية محفزة لمهارات التكامل الحسي، داخل بيئة تعتمد على أساليب علمية مخصصة لهذه الفئة.

وتستمر هيئة الشارقة للمتاحف في سباقها مع الزمن؛ لتحقيق منجزات جديدة لذوي الإعاقة انطلاقاً من قناعتها بأهمية دورهم المجتمعي، وما يمكن أن يقدمه أفراد هذه الفئة من خدمات جليلة للوطن عند حصولهم على كامل الرعاية لدمجهم وتأهيلهم، هذه القناعة التي رسخها راعي النهج الإنساني في الإمارة صاحب السموّ حاكم الشارقة.

وفي الخلاصة، فإن ما قدمته إمارة الشارقة من مساعٍ جادة لتطوير قدرات ذوي الإعاقة ودمجهم على مدى العقود الماضية، إلى جانب إصدار الدولة للقانون الاتحادي رقم (29) لسنة 2006، لحماية ذوي الإعاقة، وضمان حقوقهم في مختلف المجالات الصحية والتعليمية، والمهنية والاجتماعية، جعل من دمج هذه الفئة المهمة أكثر شمولية، حتى أصبح لدينا العديد من النماذج والقصص الملهمة لأبطال ومبدعين ومبتكرين من ذوي الإعاقة.
مدير عام هيئة الشارقة للمتاحف

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"