الخشبة وأحفاد الأنوار

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

قرّاء المسرح في فرنسا هيغليون؛ محكومون بفكرة الاستيطان والترحال في الزمن؛ لذلك يتبوأ التاريخ في أعظم أعمالهم الدرامية مقام السمة التكوينية والأمثلة كثيرة؛ من ألكسندر العظيم إلى جان دارك؛ وصولاً إلى رائعتي المخرجة الفذة أريان مينوشكين: (1789) و(1793).

وصاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، على يقين تام بهذه الحقيقة؛ كيف لا؟.. وهو صاحب أهم دراسة نظرية عن التاريخ في المسرح الفرنسي صدرت بالعربية. سمة التاريخ إضافة إلى أسلوب سموّه الماهر في مسرحة هذا التاريخ، يرقى بأعماله الدرامية إلى مصاف الروائع؛ وخصوصاً تجاورها مع فكرة التاريخ المضاد.. ثم إن ما يجعلها بؤرة اهتمام المتلقي الفرنسي أنها بارعة في التلاؤم ومنظومة القيم الكونية للكتابة الدرامية؛ محررة للفكر وللروح من الجمود والتعصب.. ولا شيء يغري حفدة الأنوار المغرمين بالروائع أكثر من هذه الروح المحررة التي تقطن في كل أعمال سموّه.
كما أن كل أعماله تمثل للمتلقي الفرنسي مفاتيح بوابة تاريخنا الإسلامي المجهول؛ لا أقصد بأنها تعرفه إلى وقائع وأحداث؛ فهذا من عمل المؤرخين؛ لكنها كأدب درامي رفيع، تمكّن من فهم محركات الوقائع الجليلة في تاريخنا..(النمرود)؛ (داعش والغبراء)؛ (عودة هولاكو)؛ (الواقع.. صورة طبق الأصل)؛ (الإسكندر الأكبر)؛ (شمشون الجبار) و(الحجر الأسود).. كلها انكتبت بمداد الصيرورة الهادفة إلى القبض على عناصر التأثير الذي تمارسه ذهنيات ماضوية على مجريات الراهن؛ ما ينتج عنه سوء التفاهم الكبير بين الشرق والغرب. 
إن القارئ الفرنسي يجد في هذه الروائع روح الإسلام المعتدل الذي أشاع الحضارة في عصر الظلمات؛ والإدانة الصريحة وبلا مواربة لكل أولئك الذين وظفوا عقيدتنا السمحة بنوع من الصلابة والجمود، فانتهوا إلى تدمير كل نزعة إصلاحية.. وهذه خدمة مزدوجة يقدمها مسرح سموّه للأمة، أولاً بهدف شد لحمتها وتفادي تكرارها لنفس الأخطاء؛ ثم للقارئ الفرنسي، ثانياً باعتبارها دعوة للسلام والتسامح والتعايش.
قدمت هذه المسرحيات بإخراجات عربية باذخة، قام بأدائها ممثلون عرب كبار.. في القاعات الإيطالية وحتى في رحاب الصحراء التي انطلقت منها شعلة الحضارة العربية الإسلامية المبهرة؛ ثم جالت بعد الشارقة أهم المسارح العالمية؛ وهناك نالت الاستحسان الكبير والإعجاب المطلق؛ وشخصياً مثل كل من قرأها بالفرنسية نتطلع لأن نشاهدها يوماً ما على المسرح بممثلين ومخرجين فرنسيين يؤدونها بلسان موليير؛ لتكون في متناول الجمهور الفرنسي الواسع؛ تماماً مثلما صارت اليوم متوافرة للقرّاء الفرنسيين ولنخبة فرنسا المثقفة بلغة موليير الأنيقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مخرج من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"