عادي

مقدمات الهجرة ونتائجها

22:59 مساء
قراءة 3 دقائق
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر

قبل ألف وأربعمئة وثلاث وأربعين سنة كانت أرض الحرمين على موعد مع حادثة عظيمة وقصة مثيرة، نصر الله بها الدين، وقلب بها الموازين..وإن في السيرة لخبراً، وإن في الهجرة لعبراً، وإن في دروسها لمدكراً.

مكث محمد، عليه الصلاة والسلام، ثلاثة عشر عاماً بمكة يدعو إلى «لا إله إلا الله». سنوات طوال من التعذيب والإيذاء والتشريد والابتلاء والحصار.

وبعد اشتداد الأذى ينام عليه الصلاة والسلام في ليلة من الليالي على فراشه فيرى دار الهجرة، وإذا هي أرض ذات نخل بين لابتين. إنها طيبة الطيبة، ومن مكة تنطلق ركائب المهاجرين ملبيةً نداء ربها، مهاجرةً بدينها، مخلفةً وراءها ديارها وأموالها. ويهم أبو بكر بالهجرة فيستوقفه الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويقول: لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً.

لقد أذن الله تعالى لنبيه وأصحابه بالهجرة لما ضاقت عليهم الأرض، ومنعتهم قريش من إقامة دين الله. إن الهجرة بالمعنى الشرعي ليست مجرد الانتقال من بلد إلى آخر فحسب، بل هي هجرة عامة عن كل ما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حتى يكون الدين كله لله.

هجرة من الذنوب والسيئات. هجرة من الشهوات والشبهات. هجرة من مجالس المنكرات. هجرة من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، فبعد سنوات من الاضطهاد والابتلاء قضاها النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه بمكة يهيئ الله تعالى لهم طيبة الطيبة، ويقذف الإيمان في قلوب الأنصار، ليبدأ مسلسل النصر والتمكين لأهل الصبر واليقين «إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد». غافر 51

إن طريق الدعوة إلى الله شاق محفوف بالمكاره والأذى، لكن من صبر ظفر.. ومن ثبت انتصر. «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون». يوسف 21

كانت رحلة الهجرة مغامرة محفوفة بالمخاطر التي تطير لها الرؤوس، فالسيوف تحاصره، عليه الصلاة والسلام، في بيته وليس بينه وبينها إلا الباب. والمطاردون يقفون أمامه على مدخل الغار، وسراقة الفارس المدجج بالسلاح يدنو منه حتى يسمع قراءته.. والرسول، صلى الله عليه وسلم، في ظل هذه الظروف العصيبة متوكل على ربه واثق من نصره.

هل رأيتم رجلاً أعزل محاصراً يخرج إلى المجرمين ويخترق صفوفهم فلا يرونه ويذر التراب على رؤوسهم ويمضي؟ هل رأيتم عنكبوتاً تنسج خيوطها على باب الغار في ساعات معدودة؟ هل رأيتم فريقاً من المجرمين يصعدون الجبل ويقفون على الباب فلا يطأطئ أحدهم رأسه لينظر في الغار؟ هل رأيتم فرس سراقة تمشي في أرض صلبة فتسيخ قدماها في الأرض وكأنما هي تسير في الطين؟ هل رأيتم شاة أم معبد الهزيلة يتفجر ضرعها باللبن؟

إن هذه المعجزات لهي من أعظم دلائل قدرة الله تعالى، وإذا أراد الله نصر المؤمنين خرق القوانين، وقلب الموازين «إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون».

لقد سطر النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه صفحات مشرقة من التضحية، والمغامرة بالأنفس والأموال لنصرة هذا الدين. لقد هاجروا لله ولم يتعللوا بالعيال ولا بقلة المال فلم يكن للدنيا بأسرها أدنى قيمة عندهم في مقابل أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. ويوم أن بات علي، كرم الله وجهه، في فراشه، صلى الله عليه وسلم، وغطى رأسه كان يعلم أن سيوف الحاقدين تتبادر إلى ضرب صاحب الفراش، ويوم أن قام آل أبي بكر، رضي الله عنه، عبدالله وأسماء وعائشة ومولاه عامر بهذه الأدوار البطولية كانوا يعلمون أن مجرد اكتشافهم قد يودي بحياتهم.

لن تكتمل حقيقة الدين في قلب إلا إذا كان الإيمان فيه بالغيب قسيم الإيمان بالحاضر، ولا يصح تدين ما إلا إذا كان الإنسان مشدود الأواصر إلى ما عند الله، مثلما يتعلق بما يرى ويسمع في هذه الدنيا.

إن المهاجرين الأوائل لم ينقصهم إيمان بمستقبل أو ثقة بغيب، إنما نهضوا بحقوق الدين الذي اعتنقوه، وثبتوا على صراطه المستقيم، على الرغم من تعدد العقبات وكثرة الفتن، من أجل ذلك هاجروا لمَّا اقتضاهم الأمر أن يهاجروا، وبذلوا النفس والنفيس في سبيل عقيدتهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"