عادي
يوهانس كوتيرير- توبجن يكشف أسرار التعدين والصهر

وادي الحلو.. موطن النحاس في العصر البرونزي

00:25 صباحا
قراءة 5 دقائق
موقع من العصر البرونزي في وادي الحلو

الشارقة:«الخليج»

وادي الحلو من القرى الصغيرة التابعة لإمارة الشارقة، وتقع في منطقة الجبال والرمال، وكانت توصف بأنها من أكثر المناطق قساوة على أهلها، من ناحية المساكن العتيدة والطرق الوعرة، لكنّها بفضل جهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، صارت من أجمل المناطق في الدولة وتتمتع بكل الخدمات الحضارية.

تقع منطقة وادي الحلو بين مدن: كلباء ومليحة وشوكة، وتعتبر من المناطق الأثرية، إذ تضم عدداً من القلاع القديمة، وبها فلج حفر منذ القدم، ولا يزال يستخدم في ري المزارع المنتشرة فيها.

احتوى الوادي أيضاً على أشكال شتَّى من المعادن، مثل: الحديد والنحاس وغيرهما، وهو ما حاولت عمليات التنقيب الأثري الوقوف على تفاصيله، ويلقي الضوء على جانب من هذه الجهود كتاب: «وادي الحلو 1- موقع تعدين وصهر النحاس في العصر البرونزي في إمارة الشارقة»، من تأليف عالم الآثار يوهانس كوتيرير- توبغن، ونقله إلى العربية د. صباح عبود جاسم، مدير عام هيئة الشارقة للآثار، وعرض له الصحفي فوزي صالح.

يتناول الكتاب تاريخ مشروع «وادي الحلو1»، وكذلك البحث عن المعادن في العصر البرونزي، وتطرق إلى الأهداف المتمثلة في البحث عن الموقع الدقيق لمناطق التعدين المحتملة، والمعروفة باحتوائها على خامات النحاس، ومن ثمَّ القيام بإجراءات التعدين، وتحضير الخامات. كما يعرض المشهد الطبيعي والإيكولوجي، والبيئة المحلية لهذا الموقع، والمؤشرات الخاصة بإنتاج النحاس المحلِّي.

كان التنقيب الأثري في موقع «وادي الحلو 1» هو الخطوة الرئيسية الأولى لاستبصار عملية صهر خام النحاس، وذلك لسد الفجوة الكائنة بين عملتي تصفية البرونز، وصهره في ذلك الزمن الموغل في القدم.

وبينما قدَّم البحث في عُمان تصوراً معلوماً عن عملية تعدين النحاس وصهره، لكن هذا الأمر لم يكن متاحاً في الإمارات، إذ كان التركيز على مواصلة معالجة النحاس، وإنتاج البرونز، إضافة إلى تصنيع القطع المعدنية، وهو السائد في هذا الزمان.

خلال تاريخ علم الآثار القصير، في منطقة جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، كان العصر البرونزي هو الأكثر حضوراً، فقد بدأ البحث في هذه المنطقة قبل خمسين عاماً، مع بداية التجربة التنقيبية الأثرية في جزيرة أم النار، بالقرب من أبوظبي.

واكتسب موقع «وادي الحلو 1»، جانباً كبيراً من الأهمية، وأدى التنقيب إلى العثور على قطعة من الفخار تتعلق بفترة أم النار.

بدأ استخراج الخام، الذي أدى بعد ذلك، إلى إنتاج النحاس الصافي، وتوفر الملاحظات الطبيعية وتواريخ الكربون المشع إطاراً زمنياً لهذا الأمر، بدءاً من نهاية الألفية الرابعة ق.م إلى بداية العصر البرونزي.

اختيار واع

كان هناك إذاً، اختيار واعٍ لموقع «وادي الحلو1» إيكولوجيّاً وجيولوجيّاً، إذْ يقع في أكثر الأجزاء خصوبة من سلسلة جبال الحجر الشمالية، والتي يسهل الوصول إليها، وهي من مستوطنات العصر البرونزي الرئيسية في هذه المنطقة.

خلال العصر البرونزي في وادي الحلو، تم تحديد الورشة المنوط بها عمل الإجراءات الخاصة باستخلاص النحاس في المنطقة F، وعدد الغرف التي استخدمت لهذا الغرض.

وجاء في الكتاب عن الورشة في (المنطقة F) التالي: «تم العثور على هيكل حجري كبير عند سفح المنحدر في المنطقة، حيث يبلغ عرض مصطبة الوادي حوالي 20 متراً فقط، وتم فتح حُفرة الجس الأولى في العام 2007م، حيث كان هناك هيكل على شكل حرف U، ظاهر على السطح، ومن ثمَّ اعتبرت هذه المنطقة واعدة، بسبب معدل الترسيب المتزايد الذي كان متوقعاً على قاعدة المنحدر».

كما توجد هناك مساحة مفتوحة خارج الجزء الجنوبي الشرقي من ورشة العمل، ما أسفر عن اكتشافات مثيرة للاهتمام متعلقة بالأشغال المعدنية. وسطها كانت هناك كتلة حجرية كبيرة يقدر حجمها بحوالي 65×50×50 سم. توجد على سطح هذه الكتلة دلالات تشي بممارسة أعمال طرق، ووجود بقع ظاهرة خضراء على أجزاء منه، وعلى ما يبدو فقد تم سحق قطع من خام النحاس فوق الكتلة الحجرية (السندان) لغرض فصل الخبث عن الخام الصافي، ومن الواضح أن هذا حدث بصورة متكررة عبر فترة زمنية طويلة، بما يكفي لتراكم رواسب حول قاعدة هذه الكتلة.

جرت إذاً، عمليات الصهر، وتحليلات المقاييس الأثرية، ويشير الكتاب إلى إظهارها نظائر النحاس، ونظائر الرُّصاص، وتحليلات المكتشفات المعدنية، ومن ثم إنتاج النحاس.

يرصد الكتاب أيضاً ميزات العصر البرونزي الأخرى، والمتمثلة في وجود برج للمراقبة، والتحصين في المنطقة E، شمالاً، والخنادق 41-42- 68- 69، كما تعرض للاستنتاجات العامة لتلك الفترة، وبقايا الحيوانات، وعظام الثدييات، والرخويات.

كذلك، يرصد الكتاب منطقة وادي الحلو في العصر الحديدي، واستخدام الورش والمنازل، وكذلك عمليات صهر النحاس.

طبقات

في عرضه لاستيطان العصر الحجري الحديث، يبيّن الكتاب طبقاته في جنوب الموقع، وطبيعة البرج المكتشف، والجزء الشرقي من الخندق 56، وكذلك طبقات هذا العصر في الجزء الشمالي من وادي الحلو. وجاء عنه التالي: «لم يتم الحفاظ على الجزء العلوي من البرج، وبالتالي، لا يمكن تحديد وظيفته الحقيقية، ولا يمكن أيضاً تضييق النطاق الزمني الذي تم خلاله استخدام البرج. قد تكون هذه واحدة أو أكثر من المراحل التي كان خلالها وادي الحلو 1 مأهولاً، والإشارة الوحيدة على عمق أية فترة زمنية معينة من أدوار البناء واستخدام المبنى، يمكن استنتاجها من خلال كمية الخبث الكبيرة الموجودة داخل البرج بعد بناء الجدار الداخلي المتقاطع، ولابد أن هذا الخبث كان متوفراً بكميات كافية في الموقع؛ مما يشير إلى أن عملية صهر النحاس كانت قيد الممارسة هناك لفترة طويلة من الزمن.

إن انهيار الجزء العلوي من البرج هو الخطوة الأخيرة في تاريخه، حيث تركت آثاره في السجل الأثري، وشكلت أنقاض انهيار البرج مع الرواسب الناعمة المحمولة جواً، التل الذي أدى إلى التعرف على الهيكل بأكمله على سطح الموقع».

الكتاب يتناول تاريخ الكربون المشع، والمكتشفات الفخارية، وتوثيقها، ويأتي على نتائج ما يتعلق بفترات ما قبل التاريخ، مظهراً ملامحها التي ضمَّت برجاً للمراقبة، وسقيفة للتبغ، والقرى والقبور الإسلامية. كما يعرض الكتاب لاستنتاجات حول الاستيطان التاريخي المبكر في هذه المنطقة، ويرصد بعض الميزات التي اتسمت بها المنطقة التي تضمها القرية الإسلامية، ومنها: منزل شبه تحت الأرض، وآخر صغير محفوظ جيداً في الجهة الشرقية من الوادي الجانبي، اعتبر فخّاً للثعالب، وأيضاً وجود حجرتين صغيرتين استخدمتا كأقفاص للحملان الصغيرة، أو ما يسمى «كهوف الضأن»، والأطفال أيضاً.

ومن النتائج الإضافية لعمليات التنقيب في«وادي الحلو 1»: «توفَّر الدليل على استيطان الموقع خلال العصر الحجري الحديث، لكن لسوء الحظ، فإن الدليل الوحيد لتلك الفترة هو خمسة من تواريخ الكربون المشع من مواقد النار التي تمتد عبر فترة زمنية من الألفية التاسعة إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد. واستناداً إلى التعاقب الطبقي، فإن الهيكل الحجري الذي تم تنقيبه بصورة جزئية يعود أيضاً إلى هذه الفترة. بعض القطع الأثرية الصوانية من المستويات المقابلة ذات صفات غير كافية لأغراض التوصيف النموذجي».

تشير الأطلال الواضحة إلى الوجود البشري خلال الفترة التاريخية في شكل مبانٍ ريفية محفوظة جيداً إلى حد ما في شمال الموقع، يبدو أنها تشكل «وحدة اجتماعية اقتصادية»، والتي تبدو على هذا النحو بأنها تستحق مثل هذا الوصف التفصيلي قبل أن تتدهور حالة حفاظها بصورة أكثر.

ووفق الكتاب، استثني عدد كبير من القبور الإسلامية المفترضة من عملية التنقيب، وهناك برج مراقبة إسلامي محفوظ جيداً عند المدخل الجنوبي لموقع «وادي الحلو 1»، وبقايا منزل نبيل على الجانب الآخر من الوادي يشيران إلى أن المزايا البيئية للمنطقة كانت وراء جذب الناس في جميع الأوقات، إلى هذه المنطقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"