الانتخابات العراقية وتجييش الشارع

00:50 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

لم تحقق الانتخابات العراقية، التي جرت يوم العاشر من الشهر الحالي ما كان مأمولاً منها، أي التغيير المطلوب للانتقال بالعراق إلى مسار جديد يختلف عن المسار الذي كرسه الاحتلال والقائم على المحاصصة الطائفية التي كلفت العراق والعراقيين الكثير من الخسائر البشرية والمادية، وأوقعته لسنوات عديدة في براثن الإرهاب، والصراعات المذهبية، وقوضت بنيته الاجتماعية والاقتصادية، وأدخلته في غياهب الفساد، وكادت تقضي على وحدته الترابية.
 لعل من الأسباب الأساسية التي أدت إلى هذا الواقع، هو استنكاف المواطن العراقي عن القيام بدوره في المشاركة الانتخابية؛ إذ إن عزوف حوالى ستين في المئة من العراقيين عن الإدلاء بأصواتهم، اعتقاداً منهم أن لا أمل في التغيير أدى إلى استمرار الوضع على حاله. ومع ذلك لا يمكن إلا الإقرار بأن الانتخابات جرت بسلاسة، وكانت نزيهة إلى حد كبير باعتراف اللجنة العليا للانتخابات والمراقبين الأوروبيين، والإعلاميين الذين واكبوا العملية الانتخابية في مختلف المحافظات. عدا أنها أفرزت حالة سياسية جديدة جراء فقدان الأحزاب والكتل السياسية التي هيمنت على الساحة طوال السنوات الماضية أغلبيتها البرلمانية، وأفقدتها بالتالي القدرة على الإمساك بالقرار التشريعي، بعدما فاز التيار الصدري ب73 مقعداً، وأصبح بالتالي قادراً على تشكيل الحكومة الجديدة، في حين تراجع «تحالف الفتح» المحسوب على ميليشيات «الحشد الشعبي»، وغيره إلى مراكز خلفية، ما أدى بهذا التحالف إلى رفض النتائج واتهام رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بتدبير «مؤامرة» لاستهدافه.
 لم يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل عمد «تحالف الفتح» على تجييش الشارع في أكثر من منطقة للاحتجاج على نتائج الانتخابات، والتهديد بالتصعيد إذا لم يتم تعديل النتائج باعتبارها «مزورة».
 صحيح أن الخلاف في الرأي مشروع، والاعتراض على النتائج مشروع أيضاً، لكن في إطار القانون، ومن خلال الطعن بالنتائج أمام المفوضية العليا للانتخابات ليتسنى لها التحقق منها وتحديد مدى خطورتها على النتاج الأولية قبل المصادقة عليها رسمياً من قبل المحكمة الاتحادية العليا.
 هناك أصوات ارتفعت داعية إلى إعادة الانتخابات، لكن ذلك قد يأخذ البلاد إلى خيارات خطِرة، لأن مثل هذه الدعوة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال توافق سياسي، وهو أمر مستحيل قد يدخل العراق في نفق مظلم، وربما يقود إلى اقتتال مذهبي، بين من فاز في الانتخابات ومن خسرها.
 لذلك، فإن الغيورين على المصلحة الوطنية، لا يجدون حرجاً في إعادة فرز الأصوات يدوياً وتحت إشراف دولي لتأكيد النتائج وإعلانها رسمياً؛ إذ لا بد في نهاية المطاف من احترام إرادة الناس والعملية السياسية والدستورية والمسار السلمي، لذلك دعا الرئيس العراقي برهم صالح إلى تغليب لغة الحوار وتقديم مصالح البلد العليا، والانطلاق نحو تلبية الاستحقاقات وتطلعات الشعب.
 إن تحريض الشارع هو شكل من أشكال التمرد على الإرادة الشعبية، وتهديد للسلم الأهلي إذا تم تجاوز القوانين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"