عادي

الصراع من الأرض إلى الفضاء

23:08 مساء
قراءة 4 دقائق
صورة مقاربة لشكل القمر الصناعي الذي سيسقط

كتب - بنيمين زرزور

كان الحديث عن غزو الفضاء حلماً ثم صار حقيقة، واتسعت دائرته لتشمل السياحة الفضائية وأغراضاً أخرى، ثم خضعت معايير استخدام الفضاء في إطار القانون الدولي للكثير من المناقشات تخللتها مخاوف من أنشطة غير مشروعة منها عسكرة الفضاء والتنافس على السيطرة عليه.

يبدو أن هذه العسكرة لم تعد مجرد أحلام. فقد أكدت عملية تدمير روسيا قبل أيام قمراً صناعياً قديماً كان يسبح في فضاء الأرض، أن تطوير تقنيات غزو الفضاء لا يزال مستمراً على قدم وساق، ما قد ينذر بنزاعات متسارعة وخطيرة بين الدول الكبرى تهدد سلامة العيش على الأرض قبل أن تهدد مدارات الأرض، وما تحمله من أقمار اصطناعية باتت تشكل النصف الأهم من دماغ العالم المعاصر.

فقد أكّدت وكالة الفضاء الروسية يوم الثلاثاء 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 أن سلامة طاقم محطة الفضاء الدولية واحدة من أولوياتها القصوى في معرض تهدئتها حدة الانتقادات والمخاوف التي نتجت عن تدمير القمر الاصطناعي «كوزموس 1408»، والحطام المتناثر في الفضاء نتيجة تدميره. ولفتت الوكالة في بيان إلى أن الجهود المشتركة لجميع القوى الفضائية ستكون وحدها قادرة على ضمان تعايش آمن قدر الإمكان وإدارة العمليات في مجال الفضاء.

وكان مسؤولون أمريكيون قد قالوا إن صاروخاً أطلقته روسيا باتجاه أحد أقمارها الصناعية خلال اختبارها لأسلحة، أدى لانتشار ما يشبه حقل حطام مدارياً عرّض محطة الفضاء الدولية للخطر، وسيشكل خطراً على أنشطة الفضاء لسنوات مقبلة. وذكرت «ناسا» أنه تم توجيه طاقم محطة الفضاء المكون من سبعة أفراد- أربعة رواد أمريكيين ورائد ألماني واثنان من الروس - للاحتماء في كبسولاتهم لمدة ساعتين كإجراء احترازي.

ونجح مختبر الأبحاث، الذي يدور على ارتفاع 402 كيلومتر فوق سطح الأرض، في المرور عبر مجموعة الحطام أو بالقرب منها كل 90 دقيقة، لكن متخصصين في «ناسا» قالوا إنه من الآمن أن يعود الطاقم إلى داخل المحطة بعد المرور الثالث للمختبر.

انتقادات غربية

وانهالت الانتقادات العنيفة على موسكو من كل حدب وصوب، وقد حمل بعضها فيما بين السطور رعب المفاجأة. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن العمل الروسي تصرف غير مسؤول وأضاف أنّ هذه التجربة الصاروخية «خلّفت حتى الآن أكثر من 1500 قطعة كبيرة من الحطام المداري المُمكن تتبّعه، وستخلّف على الأرجح مئات آلاف القطع من الحطام المداري الأصغر حجماً».

وقالت خبيرة السياسات الفضائية في المركز الوطني للأبحاث العلمية في فرنسا إيزابيل سوربيس-فيرجيه “لم يكن الروس بحاجة إلى تفجير القمر الاصطناعي لإظهار أنهم قادرون على ذلك”. ويقول خبراء إن اختبار الأسلحة التي تدمر الأقمار الصناعية في مدارها يشكل خطراً فضائياً من خلال تكوين سحب من الشظايا التي يمكن أن تصطدم بأجسام أخرى مما قد يؤدي لرد فعل متسلسل من المقذوفات عبر مدار الأرض.

وقللت رسالة نشرتها وكالة الفضاء الروسية (روسكوزموس) على موقع تويتر من شأن الأخطار المتوقعة نتيجة العملية. وقالت إن المحطة الدولية تقع في منطقة خضراء آمنة بالنسبة لموقع التفجير.

ورغم أن هذه العملية ليست الأولى حيث هناك تجارب مماثلة قامت بها الولايات المتحدة والصين وروسيا وحتى الهند، إلا أن ذلك لم يمنع من إطلاق التحذيرات مجدداً من أن حطام الأقمار الصناعية يتحول إلى مقذوفات بسرعات هائلة ودرجة حرارة مرتفعة تهدد بتدمير أي قمر صناعي.

وإلى جانب الانتقادات العلنية كشفت العملية الروسية عن مدى القلق الذي يساور نادي الفضاء من جراء التطور التقني الذي تكشف عنه في مجال التسلح الفضائي، حيث أضافت العملية نقاطاً جديدة لرصيد روسيا في هذا السباق، ما قد يمكنها من تدمير أقمار دولة معادية مفترضة.

وكان جنرال أمريكي قد حذّر في شباط/فبراير 2020 من أن قمرين اصطناعيين وضعتهما روسيا مؤخراً في المدار، يتعقّبان قمراً اصطناعياً أمريكياً للتجسس.

وتدشن العملية الروسية حقبة جديدة من سباق التسلّح في الفضاء حيث صارت الأقمار الاصطناعية المزوّدة بقنابل، والمركبات الفضائية القادرة على إطلاق أشعة ليزر، أكثر من مجرّد خيال علمي.

روسيا ليست الأولى

وكانت الولايات المتحدة أول من نفذ عملية تدمير قمر صناعي عام 1959، أما آخر تجربة فأجرتها الهند عام 2019. ويقول خبراء الفضاء إن مثل هذه العمليات نادراً ما تتسبب في حوادث تذكر. وأفادت تقارير علمية أن القمر الصناعي الذي استهدفته التجربة الروسية هو «كوزموس 1408» الذي خرج من الخدمة منذ ثمانينات القرن الماضي وأن تدميره لم يكن ضرورياً، وأن الروس أجروا اختباراً عسكرياً بحتاً. إلا أن الخطورة تكمن في تكديس المزيد من الحطام في فضاء مكتظ أصلاً به.

ومعلوم أن الحطام الناجم عن مثل هذا الاختبار يتفكّك عند دخوله الغلاف الجوي خلال الأشهر المقبلة، في حين يمكن أن يبقى البعض الآخر في المدار لمدة تصل إلى عشر سنوات.

وغالباً ما تتوخى الدول السرية المطلقة في أنشطتها العسكرية في الفضاء، لكن السباق محتدم إلى حد دفع بالبنتاغون للإشارة في العام 2019 إلى أن روسيا والصين لديهما الإمكانات لتحقيق السبق على الولايات المتحدة.

وقد طورت الصين وروسيا مجتمعتين تقنيات تسليح فضائية تعمل بواسطة أذرع روبوتية تتيح للأقمار الاصطناعية تعقب القمر الاصطناعي المنافس وإزاحته أو تعطيل تجهيزات الاتصال فيه.

ومنذ أن أطلقت الولايات المتحدة في العام 1983 في عهد الرئيس رونالد ريغان، برنامجها الدفاعي “حرب النجوم” الذي يشمل صواريخ مضادة للصواريخ الموجّهة بدقة، وأقماراً اصطناعية تطلق أشعة ليزر، دخل العالم في سباق عسكرة الفضاء الذي قد لا يدع فرصة لفوز أي طرف في حال نشوب الحرب، بل قد يقضي على الحياة على كوكب الأرض.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"