عادي

اللاجئون.. بين الجوع وأصوات المدافع

23:05 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب - بنيمين زرزور
تحولت الهجرة من حلم لدى الكثير من شباب العالم النامي خلال العقود الماضية إلى كابوس للكثير من العائلات التي تلفظها بلدانها بسبب الحروب أو المجاعة في الوقت الراهن، ثم إلى أزمة سياسية على أبواب أرض الأحلام الموعودة بين دول تخشى على أمنها الوطني من تدفق اللاجئين، وأخرى متهمة بأنها تضغط من خلالهم لتحقيق مآرب خاصة، أو دفع بلاء الأعداء.

على الرغم من أن أزمات اللاجئين تكررت في أكثر من مكان، لكن الأزمة الحالية التي تشهدها الحدود بين بيلاروسيا وبولندا تتخذ طابعاً دولياً تتبدى من خلاله القطبية السياسية في محاولة تحقيق النقلة الأهم على رقعة شطرنج الصراع بين الروس وحلفائهم من جهة، والغرب من جهة أخرى.

ورغم الاتهامات بأن بيلاروسيا، ومن ورائها روسيا، تستخدم اللاجئين سلاحاً للرد على عقوبات فرضتها دول الاتحاد الأوروبي عليها مؤخراً، إلا أن هذه ليست كل الحكاية.فالخلافات بين الجانبين تتفاعل وتتفاقم على خلفية عدد من القضايا، بدءاً من حقوق الإنسان والديمقراطية، وانتهاء بأزمة الغاز الناشئة على أبواب فصل الشتاء الأوروبي القارس.

اتهام بوتين

فقد اتّهم رئيس وزراء بولندا، ماتيوش مورافيتسكي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالوقوف خلف أزمة المهاجرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا. وقال إن رئيس بيلاروسيا، الحليف المقرب من بوتين، يدير الأزمة، لكن «العقل المدبّر في موسكو».

وفي حديثه خلال جلسة برلمانية طارئة، قال رئيس الوزراء البولندي بعد زيارة تفقدية للقوات على الحدود: «هذا الهجوم الذي يقوده لوكاشينكو له عقل مدبّر في موسكو، العقل المدبّر هو الرئيس بوتين».

واتهم مورافيتسكي رئيسي روسيا وبيلاروسيا، بمحاولة زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي، من خلال السماح للاجئين بالسفر عبر حدود بيلاروسيا، والعبور إلى دول الاتحاد الأوروبي.

من جانبه، نفى الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، مزاعم إرساله الناس عبر الحدود، انتقاماً من العقوبات الأوروبية.

ولا تزال آلاف الحشود من المهاجرين عالقة على الجانب البيلاروسي من الشريط الشائك الحدودي مع بولندا، حيث يحاول بعضهم العبور إلى الجانب الآخر، مستخدماً القواطع وجذوع الأشجار وقوة الدفع الجماعي، بالتزامن مع صدّهم من قبل الشرطة البولندية، بواسطة قنابل الغاز المسيل للدموع.

وتعكس هذه المشاهد مدى التوتر الذي باتت قضية المهاجرين تتسبب به للعديد من الدول التي كانت في الماضي تتباهى باستضافة المهاجرين الفارّين من لهيب الحروب، أو الجوع. لكن ربط قضية الهجرة بالمخاوف السياسية غيّر بيئة التعامل مع هؤلاء المهاجرين الذين فقدوا كل أمل بالحياة.

لاجئون محاصرون

ويأتي أغلب المهاجرين من الشرق الأوسط وآسيا، ومعظمهم من النساء والأطفال. يخيمون في بيلاروسيا، ويحاصرهم حرس الحدود البولندي من جانب، والحرس البيلاروسي من جانب آخر، في ظروف طقس تنخفض درجة الحرارة فيها إلى ما دون الصفر.

وشهدت بولندا وليتوانيا ولاتفيا، الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، زيادة في عدد الأشخاص الذين يحاولون دخولها بشكل غير قانوني، قادمين من بيلاروسيا في الأشهر الأخيرة. وأعلنت ليتوانيا حالة الطوارئ على الحدود مع بيلاروسيا. أما أوكرانيا فيصلها النصيب الأكبر من الوافدين، لا سيما عبر معبر كوزنيكا الحدودي.

ووجهت إلى بولندا اتهامات بإجبار المهاجرين على العودة عبر الحدود إلى بيلاروسيا، الأمر الذي يتعارض مع قوانين اللجوء الدولية. ووجّه كل من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والولايات المتحدة، اتهامات لبيلاروسيا بتنسيق زيادة موجة المهاجرين.

واتهمت المفوضية الأوروبية الرئيس البيلاروسي، لوكاشنكو، بإغراء المهاجرين بوعد كاذب بشأن الدخول السهل إلى الاتحاد الأوروبي.

وقالت بلجيكا إن أفعال لوكاشينكو، هي انتقام من عقوبات الاتحاد الأوروبي، التي فرضت بعد إعادة انتخابه في عملية اقتراع فقدت مصداقيتها على نطاق واسع، مع ما تلاها من قمع ضد الاحتجاجات الشعبية.

وتحمل هذه التهديدات نذر تصعيد عسكري، وهو ما تعكسه تحركات قوات شملت كل الدول المتجاورة مع بيلاروسيا. فقد نقلت ليتوانيا قوات إلى حدودها مع بيلاروسيا، استعداداً لتدفق محتمل للاجئين. وأعلنت حكومتها الطوارئ، كردّ احترازي. واتهم وزير دفاع بيلاروسيا بولندا بخرق الاتفاقيات عبر نقل الآلاف من القوات إلى الحدود.

وقال الرئيس لوكاشينكو إنه يحاول جاهداً تجنب أي تصعيد عسكري على الحدود، قد يدخل روسيا في صراع. ويشدد الجانب البيلاروسي على أن المهاجرين يصلون إليها بشكل قانوني، وأنها تتعامل على أنها بلد مضيف فقط.

وفي تطور جديد، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيضاعف عقوباته ضد بيلاروسيا والمقربين من رئيسها. واتهم الاتحاد الأوروبي بيلاروسيا بتنظيم هجوم بتشجيع الآلاف على عبور الحدود إلى بولندا، وعدد آخر من دول الاتحاد. وقال مسؤولون في الاتحاد أن العقوبات ستستهدف أي شخص متورط في تهريب المهاجرين عبر بيلاروسيا.

وتتسع دائرة الأزمة لتشمل تهديدات من نوع جديد. فقد قال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، إن شركات الطيران التي تنقل المهاجرين إلى بيلاروسيا قد تُمنع من الهبوط في مطارات الاتحاد الأوروبي.

وقد لجأت دول ذات صلة بتدفق اللاجئين إلى منع رحلات طيران من مطاراتها إلى مينسك في محاولة للتخفيف من حدة تصاعد الأزمة.

دعوات إنسانية

من جانبها، طالبت منظمات دولية السماح لها بإيصال مساعدات إنسانية عاجلة إلى المهاجرين العالقين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، الذين يواجهون ظروفاً قاسية. ووثقت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقرير لها، احتجاز اللاجئين قسراً في أماكن مفتوحة تزامناً مع تدني الحرارة والنقص الحاد بالطعام والماء في المنطقة الحدودية.

وفي بيان مشترك، ناشد الاتحاد الدولي لجمعيات «الصليب الأحمر»، و«الهلال الأحمر»، و«اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، الجهات المعنية بإيصال مساعدات إنسانية عاجلة إلى المهاجرين العالقين على الحدود البيلاروسية- البولندية.

ولفت البيان إلى تخصيص مبلغ يصل إلى مليون فرنك سويسري لجمعيات «الصليب» و«الهلال الأحمر» في كل من بيلاروسيا وبولندا وليتوانيا، بهدف تأمين المياه والغذاء والمساعدات الطبية والبطانيات للمهاجرين، لمساعدتهم على مواجهة أوضاعهم الصعبة.

وأنعش اتصال هاتفي بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس لوكاشينكو، واستمر خمسين دقيقة، تركز على سبل منع التصعيد، آمال الانفراج في الأزمة التي قد تدفع العالم المتوتر أصلاً إلى حافة المواجهة العسكرية، خاصة أن ما يجري في البحر الأسود والذي يصب في قنوات النزاع الروسي الغربي نفسها، يزيد من قتامة المشهد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"