عادي
روح طليقة تكسر أسوار العزلة

حياة كاملة في ذاكرة مبدعين من العالم

22:12 مساء
قراءة 4 دقائق
2001

الشارقة: علاء الدين محمود
لم تسعفهم شهرتهم كمبدعين في مختلف المجالات الأدبية والفنية، ماتوا فقراء لا يملكون شيئاً في الحياة غير أدبهم وفنونهم وحكايتهم التي يعشش فيها البؤس، لكنهم جميعاً كانوا مبدعين حقيقيين، لم يثنهم الفقر عن العمل والنجاح، رحلوا معدمين، لكنهم خلفوا أعمالاً خالدة في مجالات الأدب والفكر والفن.

الكاتب الإنجليزي أوسكار وايلد «1900 -54 19»، من أهم الشعراء والروائيين والمؤلفين المسرحيين، ممن أثروا بقوة في المشهد الأدبي في العصر الحديث، احترف الكتابة خلال ثمانينات القرن التاسع عشر، وأصبح من أكثر كتاب المسرحيات شعبية في لندن مطلع التسعينات من ذات القرن، اشتهر كذلك بمقولاته الحكيمة.

نشأ وايلد في أسرة ثرية في دبلن، وعندما انتقل إلى لندن، صار من نجوم المجتمع المخملي، وذاق رغد العيش في صحبة الأرستقراطيين، وعرف كمبدع، لكنه ابتعد عن أسرته وعاش مشرداً، وتعرض للسجن في أكثر من مرة، وقضى بقية عمره في منفاه الاختياري في باريس، وهو يعاني الفقر والإفلاس إلى أن مات بمرض التهاب السحايا.

جمع الأديب الإنجليزي وليام بليك «1857 1827»، بين الشعر والفلسفة وفن الرسم، وكان ينظم قصائد وصفت بالرؤيوية، وهو من أعظم شعراء الحقبة الرومانسية، تم اختياره عام 2002، ضمن أعظم 100 شخصية في التاريخ، وفقاً لاستطلاع أجرته هيئة الإذاعة البريطانية، في الفلسفة انتهج بليك موقفاً مخالفاً للمفاهيم التي أتى بها عصر التنوير، وبسبب آرائه الجريئة إزاء العادات الاجتماعية، بات في مواجهه مع النظام الاجتماعي والسياسي، عاش بليك منبوذاً، بل واتهم كذلك بالجنون، الأمر الذي جعله يفشل في كسب رزقه، رغم أنه كان معروفاً في كل الأوساط الأدبية والفكرية فعاش فقيراً، ومات معدماً، ودفن في مقبرة بنهيل فيلدز وسط لندن بدون شاهد قبر.

تقلبات الحياة

تقلبات الحياة ومفاجآتها غير السارة، عاشها الكاتب الإنجليزي السير والتر سكوت «1771 – 1832»، وهو روائي ومسرحي وشاعر، لا تزال أعماله تقرأ حتى اليوم، وهو كاتب الرواية الشعبية المعروفة «ايفانهو»، التي اشتهر بسببها وذاع صيته بين الناس، بل ومنح لقب سير، ويعتبر كذلك هو المؤسس الحقيقي للرواية التاريخية، وأحد أهم رموز الحركة الإبداعية «الرومانسية» في أوروبا.

ولد سكوت في أسرة من الطبقة الراقية، وعاش قسطاً من الترف، وفضلاً عن امتهانه الكتابة كان يشرف على شؤون أراض يملكها، لكن نفقات أملاكه الواسعة كانت كثيرة، وفي عام 1826 انهارت دار نشر يملك حصة كبيرة من أسهمها، وعلى إثرها، أصيب سكوت بالإفلاس، وعمل بقية حياته محاولاً أن يفي بديونه الكثيرة، فأنتج في سنتين 6 كتب بينها «حياة نابليون» في 9 أجزاء، لكن المجهود المضني والمتواصل الذي بذله كان يفوق طاقته على الاحتمال، فساءت صحته بسرعة، وتوفي في منزله عن عمر 61 عاماً بعد أن ترك حصيلة أدبية هائلة تزيد على 55 رواية.

كومبارس

الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس، «1909 1990»، كان من أشهر شعراء اليونان، كتب أول قصيدة له عام 1917، لكنه عانى الفقر الشديد، وخصوصاً بعد رحيل أكبر أشقائه بسبب إصابته بالسل، ولحقت به والدته بعد ثلاثة أشهر بذات المرض، الذي أصاب كل القرية التي يعيش فيها آنذاك، وجن جنون والده وفقد أمواله بعد أن كان رجلاً ثرياً ينتمي إلى عائلة نبيلة تملك أراض عدة.

انتهى ريتسوس الراحل من دراسته الثانوية، وانتقل بعد ذلك إلى أثينا، وبسبب فقره وقلة موارده، اضطر للعمل في مهن عدة، كاتباً في نقابة المحاميين، وراقصاً في إحدى الفرق الفنية، وكومبارس في التمثيل، ومصحح لأحد الناشرين.

خلال سنوات الحرب الثانية كتب أحد الصحفيين عن حالة ريتسوس ومعاناته مع المرض والفقر، حتى ينبه المثقفين بحالته ويتم جمع التبرعات له، لكن ريتسوس رفضها، وطالب بتوزيعها على جميع الكتاب والشعراء المحتاجين، وعلى الرغم من حالته تلك، إلا أنه لم يتوقف عن الكتابة حتى مماته.

رعب وفقر

حياة قصيرة وبائسة عاشها الناقد والأديب الأمريكي إدجار آلان بو، «1810 1849»، اشتهر بكتاباته في الرعب والغموض والشر والظلام، هجره أبوه وماتت أمه التي عاشت وهي تكافح الفقر، كان حينها بو وإخوته لا يزالون أطفالاً، تكفل بهم بعض أصدقاء الأسرة، وكان من نصيب بو أن تتبناه السيدة جون آلان وزوجها عامل التبغ، واقتضت مصالح الأسرة أن يسافر الجميع إلى إنجلترا، لكن الأسرة عادت إلى أمريكا بدافع الأزمة المالية والمرض.

وعندما بلغ سن ال 25 أصبحت مهنة الأدب حرفته التي يعتاش منها، لكنه فقد وظيفته في إحدى المجلات وهو في أوج شهرته، وفي تلك الأثناء سقطت زوجته بداء السل، فمال إلى الإدمان الذي نصحه الأطباء بالابتعاد عنه، رفض نصائح الأطباء ومات في ال 40 وعثر على جثته ملقاة على الطريق، ولا يزال الغموض يحيط بأسباب موته.

مبدعون عرب

في العالم العربي هناك الكثير من الأدباء الذين ماتوا، وهم يعانون شظف العيش، فالجاحظ الذي كان حجة في الأدب، هجر التعليم وعمل في مجال بيع السمك، بسبب الفقر واليتم.

وفي العصور الحديثة، عانى عباس محمود العقاد الفقر في آخر أيامه، بعد أن اعتزل الناس وكبر في السن، وكذلك الشاعر المصري عبد الحميد الديب الذي كان يلقب ب«وريث الصعاليك»، وقيل إنه كان يرتدي الثياب الرثة، فيما ذكر أن الأديب المغربي محمد شكري كان يتجول على القمامة ليلتقط ما يقيم أوده، وروي أن الأديب السوري حنا مينا، تشرد سنوات طويلة في بلاد غريبة بحثاً عن بضع ليرات، فيما كان الشاعر الكبير أمل دنقل يهيم على وجهه في شوارع القاهرة، وهو يعاني ويلات المرض والجوع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"