عادي
مفاهيم كونية في القرآن

احتمالية وجود الحياة (1 – 6 )

22:34 مساء
قراءة 3 دقائق
حميد مجول

أ.د. حميد مجول النعيمي *

في مقالتنا القادمة نحاول أن نقرأ ماذا قال الله تعالى في احتمالية وجود الحياة في الكون وماذا قالت العلوم الفلكية الكونية والفضائية. قال الله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ، وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ» الشورى 29.

أخذ موضوع البحث عن الحياة وعن وجود حياة لا أرضية في الكون يجذب اهتمام الاختصاصيين والعلماء والمؤسسات الفلكية والفضائية في السنوات الأخيرة وبخاصة بعد إطلاق عدد من التلسكوبات الفضائية (مثل تلسكوب «كبلر» و «سبتزر» ومؤخراً مرصد «جيمس ويب») الخاصة برصد مجاميع نجمية شبيه بالنظام الشمسي ونجوم شبيه الشمس وكواكب شبيهة الأرض.

يتطلب هذا الموضوع دراسات فيزيائية فلكية وأرصاداً فلكية فضائية متقدمة ومكثفة ومستمرة، وعلى أساس ذلك نجد المراصد الفلكية الأرضية والفضائية منتشرة على سطح الأرض وفي مدارات حول الأرض بإعداد كبيرة و بحجوم مختلفة، وكلها للإجابة عن الأسئلة: هل نكون بمفردنا في هذا الكون الشاسع؟ وهل من أحياء في مكان آخر منه؟ وإن وجد أحياء فلماذا لم تحدث الاتصالات بيننا وبينهم ولم نتحدث إليهم؟

قد يبدو أن المعطيات المتوافرة لدى العلماء تدل على انتشار الكائنات الحية (العاقلة أو غير العاقلة) في الكون على نطاق واسع جداً. ولكن قبل أن ندخل في تفاصيل الموضوع الشائك والشائق لابد لنا من معرفة حجم الكون وكم عدد النجوم فيه؟ وبخاصة تلك المشابهة للشمس.

يحتوي الكون في الأقل على مليار (ألف مليون) حشد مجري. وكل حشد مجري يحوي في المتوسط على 100 مجرة، وكل مجرة تحوي على (100 – 200) ألف مليون نجم (ومجرتنا درب التبانة من بين المجرات التي قطرها 100000 سنة ضوئية تحوي في الأقل 100 إلى 200 ألف مليون نجم أكثر من 10% منها تشبه الشمس). ومن خلال نتائج الأرصاد التي حصل عليها تلسكوب ناسا الفضائي «كبلر» الذي أطلق عام 2009 لرصد كواكب تشبه الأرض، وكذلك تلسكوب «سبتزر» الفضائي الذي رصد أكثر من 300 نجم يشبه الشمس، وجد أنه بين كل (6) نجوم هناك نجم في الأقل له كواكب تدور حول هذا النجم، ومن بينها واحد في الأقل يشبه أرضنا. وهذا يعني أنه في مجرتنا فقط هناك ما لا يقل عن 17 ألف مليون كوكب يشبه أرضنا (فهل هناك حياة على هذه الكواكب ؟ ). مع هذا العدد الكبير من «الأرضين»، فإن احتمالية وجود الحياة في مجرتنا أو في الكون كبيرة جداً وقد تكون مؤكدة (ولكن لغاية يومنا هذا لم يحصل أي اتصال معهم لبعد المسافة و لضعف تقنيات الاتصال الفضائي) وهذا ما أكده الله سبحانه وتعالى في الآية أعلاه «الشورى 29». وكذلك: ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الحج 18.

بعد أن أمضينا رحلة تأمل وتحليل مع السماء والسماوات (الكون) في كتاب الله وفي العلوم الفلكية (ضمن مقالاتنا السابقة) جاء الآن دور الإنسان العاقل في الأرض، وما دونه أقل عقلاً أو غير عاقل مما هو معروف، أما الأرض هنا فنكنّي بها عن المرئيات والمحسوسات، أي عالم الشهادة، كما يسميه القرآن الكريم. أما عالم الغيب فيضم عقلاء من غير جنس الإنسان مثل الملائكة والجن من التسميات القرآنية المعروفة، واستناداً إلى الوصف القرآني نفسه فإن خلق الإنسان العاقل لا يماثل خلق العاقل من ملائكة الرحمن والجن من حيث الأصل والنشوء القدسي؛ إذ الإنسان من طين والملائكة من نور والجن من نار. فإذا أضفنا تسمية الشياطين بوصفها كائنات غير منظورة وتتصف بالعقل المدبر النازع نحو الشر، فإن عالم الغيب يضم عقلاء أكثر عدداً ونوعاً من جنس الإنسان، ولو افترضنا كائنات عاقلة من غير عالم الغيب، أي من عالم الشهادة إلا أنها ليست من جنس الإنسان وغير موجودة على كوكب الأرض، فإن تسميتها تصبح مجهولة على وجهي الدقة والتشخيص، إلا أن هذا الافتراض ليس لأجل الجدل السطحي العابر؛ بل هو من ضمن سياق الاستدلال بآثار لغوية ومادية معاً، أي نظرية وعملية على نحو مّا.

تبدأ مشكلة محتوى التفسير من هذه الزوايا (الكائنية) عندما تظهر (مَنْ) في النص القرآني على هيئة تسمح بتصور الكثير في هذا الصدد مرة، وتسمح بالقليل مرة، لأنها تأتي في الغالب للدلالة على العاقل، وقد تستعمل في غير العاقل بحسب القرينة والسياق كما ورد في القرآن الكريم في آيات كريمات نكملها في مقالاتنا القادمة.

* مدير جامعة الشارقة

* رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"