عادي

الشكور جلَّ جلاله

00:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل
ما الشعور الذي ينتابنا لو أن أحدهم قدّم لنا كل ما يلزمنا لأداء عمل ما، وهذا العمل تعود فائدته علينا، ثم بعد إنجازنا للعمل شكرنا على حسن صنيعنا؟

الطبيعي أن نشكره نحن، ونُطرق خجلاً من كرمه وإحسانه، لكن أن يشكرنا هو، فهذا يجعلنا أسرى لديه؛ بل ربما نفكر في إطاعته في كل ما يطلبه منا من دون مناقشة. هذه حالنا مع إنسان قدّم لنا عوناً وشكرنا على أداء ما ساعدنا هو به، فما حالنا مع من أمدّنا بنعم لا تُعد ولا تحصى، ثم كلّفنا بأداء عبادات قليلة ويسّر لنا أداءها على قدر استطاعتنا، فإن كنا في سفر خفّف الركعات الأربع إلى ركعتين، وإن كنا مرضى ولم نتمكن من الصلاة واقفين، فإنه طلب إلينا أن نؤديها بما لا يحمّلنا ما لا طاقة لنا به، ثم إنه بعد ذلك يشكر لنا ما قدمنا من عبادة؛ بل ويباهي بنا ملائكته، على الرغم من تقصيرنا في حقه؟ إنه الشكور جلّ جلاله، هذا الاسم من أسماء الله الحسنى، الذي يشعر العبد معه بالحياء، إذا تأمل وتدبر معناه، فربنا شاكر وشكور.

والشكور صيغة مبالغة، بمعنى أن الله يأمر باليسير من الطاعة ويجازي عليه بكثير من الحسنات، ورفع الدرجات في الآخرة. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها». وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك، لا شريك لك، فلك الحمد، ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته».

فربنا أمرنا بالقليل، وكافأنا بالكثير، ولو أننا نظرنا إلى ما أنعم به علينا وقابلناه بما نؤدّيه من شكر، لذبنا خجلاً وحياء منه، فهو جل شأنه، يهيئ لنا الأسباب التي تعيننا على الطاعة ويتفضل علينا جزاء ذلك؛ بل يشكرنا عليه «إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورًا»، الإنسان: 22.

العبد المؤمن يقابل شكر ربه له بشكر الله آناء الليل وأطراف النهار، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأسوة الحسنة. فعن أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتورّم قدماه، فتقول عائشة رضي الله عنها: لمَ تصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟! فيقول: «أفلا أكون عبداً شكوراً». وهذه هي حال الأنبياء، فالله أثنى على سيدنا نوح عليه السلام، لكثرة شكره «ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدًا شكورًا»، الإسراء: 3.

والشكر فيه اعتراف بالعبودية لله؛ إذ إن من حق الله على عباده أن يعبدوه ويشكروه، فبذلك يرفع لهم الدرجات ويمدّهم بأسباب السعادة في الدنيا والآخرة، «ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرًا عليمًا»، النساء: 147، «وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم»، إبراهيم: 7، مع التنبّه إلى أن الله غني عن شكر عباده، «ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد»، لقمان: 12.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"