تحقيق: محمد الماحي
التكافؤ والتكافل في الحياة الزوجية من أهم أسس استقرار الأسرة وتماسكها، وحتى يحقق الزواج أهدافه يجب أن يقوم على أسس سليمة تتمثل في حسن الاختيار، وتحمل المسؤولية، والاستعداد للتعاون مع الآخر، وأن تكون العلاقة بين الطرفين قائمة على التكامل.
وبرز أخيراً على الساحة الاجتماعية أزواج يتملصون من مهامهم الطبيعية ويوكلونها للمرأة، فبدلاً من أن ينفق الزوج عليها تقوم هي بمسألة الإنفاق كاملة على الرجل والأبناء، وبدأت تتغير الأدوار الاجتماعية التقليدية للزوجين، وكان لها بعض الانعكاسات على الأسرة والمجتمع، وأصبح الزوج العاطل «بمزاجه» يؤثر سلباً في العلاقة بين الزوجين، ويؤدي إلى ضرب الأسرة ويحطم كيانها.
أظهرت قضايا طلاق منظورة في المحاكم، وجود صنف من الرجال يتهرّبون من مسؤولياتهم الأسرية وواجباتهم تجاه أبنائهم، ويلقونها على زوجاتهم، دون الأخذ في الحسبان، هل قدرات زوجاتهم تؤهلهن لذلك؟ هذا الخلل في الأدوار شكل خطراً كبيراً على تماسك الأسرة وكيانها، وأصبحت المعاناة للطرفين، زوجة مسؤولة على الإنفاق وتتحمل مسؤولية رعاية الأبناء وإدارة الأسرة بأكملها، رغم أنها الطرف الأضعف، وزوج يفقد مكانته في حياة أبنائه، وتغير الصورة النمطية لرب الأسرة، فغاب الحبّ واختلطت المفاهيم وتبدلت القيم، وارتفعت معدلات الطلاق، وزادت الاضطرابات النفسية، للأزواج أو الأبناء، بسبب الصراعات النفسية الداخلية أو الخلافات الأسرية المستمرة.
ومن بين أحدث هذه القضايا التي نظرتها محاكم الدولة، قضية امرأة عربية تعمل في إحدى الشركات، طلبت الطلاق من زوجها؛ كونه عاطلاً عن العمل بإرادته، وهي تعمل وتنفق عليه وعلى الأسرة.
وكانت تعتقد أن زوجها اتفق معها على سفرها للإمارات، للعمل ثم اللحاق بها، للبحث عن وظيفة تعينهم على الحياه، لكنها فوجئت بعد وصوله إلى الدولة، يتخلى عن مهامه ومسؤولياته تجاه منزله وأبنائه، ووصلت إلى حال من الضغط النفسي، دفعتها للذهاب إلى القضاء، للمطالبة بالطلاق.
وفي قضية أخرى رصدتها «الخليج»، واجه شاب عربي عاطل، دعوى الطلاق من زوجته الموظفة؛ لأنه يريد منها الصرف على بيته وأولاده. ولم يكتفِ بذلك، فألزمها دون خجل أو حياء بدفع مبالغ، عندما ينقلها بسيارته لحاجة لها، بحجة أن هذا على حساب وقته.
قررت الزوجة المغلوب على أمرها، دق المسمار الأخير في نعش العلاقة التي تربطها بزوجها، واختارت التمرد على ما تبقى لديها من صبر، والانفصال عن الزوج مهما كلفها الثمن، وحتى لو اضطرت إلى التنازل عن حقوقها المشروعة.
الحلول الناجعة
تضيء «الخليج» على هذه القضايا التي ازدادت في الآونة الأخيرة؛ لوضع الحلول الناجعة للحدّ من انتشارها، وتبصير المجتمع وحمايته، عبر لقاء عدد من الخبراء والمتخصّصين.
وتقول المحامية إيمان الرفاعي، إن الزوج في الأسرة هو محورها وقدوة لأفرادها، لذلك أسند الله تعالى مهمة القوامة إليه، والزوجة العاملة ليست مطالبة أو ملزمة بدفع أي مبالغ مصروفات للبيت. مشيرة إلى أن تدليل الابن في الصغر من أسرته، يسبّب له مشكلات كثيرة عندما يتزوج؛ إذ يكون غير قادر على تحمل المسؤولية، ويميل نحو الاتكالية وترك زوجته تواجه المشكلات وحدها.
وأشارت إلى أن الزوج العاطل يصعب أن يؤسس أسرة متماسكة، والزواج يكون نموذجياً عندما يقوم كل طرف بمهامه وواجباته، فكل منهما له حقوق، وعليه مسؤوليات. وحينما يتخلى طرف عن مهامه ويهرب من المسؤولية، يشعر الطرف الثاني بأن الآخر قد خذله. لافتة إلى أن الزوج الاتكالي نموذج منتشر في كثير من البيوت، وليس حالات شاذة. وقالت إنها «لا تستطيع أن تلتمس العذر لرجل يجلس في البيت ويعيش عالة على مجهود زوجته».
في السياق ذاته، تقول الرفاعي، الحل الأمثل لمواجهة هذه العيّنة من الأزواج أن تكتفي المرأة بواجباتها زوجةً وأماً فقط، إلا في الحالات الصحية الاستثنائية التي قد تعيق خروج الرجل إلى الوظيفة.
السلبية والاتكالية
وأكد المركز الرسمي للإفتاء، التابع للهيئة العامة للشؤون الإسلامية، أن الإنفاق على المنزل واجب على الزوج، لكن إذا أرادت الزوجة العاملة المشاركة، فهو من باب التعاون والمساعدة فقط. موضحاً أن الزوجة غير ملزمة بالإنفاق، لكن يمكنها التعاون مع الزوج إن أرادت ذلك.
وقدّرت المستشارة الأسرية والباحثة الاجتماعية المتخصصة في التأهيل الأسري موزة القبيسي، وفق ما يعرض عليها من قضايا، أن 70 إلى 80% من حالات الطلاق بين الزوجات ذوات الدخل تكون لأسباب مادية، وهي إما عدم تعاون أحد الزوجين في الإنفاق على المنزل، أو إنفاق أحدهما ببذخ، أو الأنانية المادية لأحد الزوجين.
وقالت: إن مشاهد الرجل المكبّل بقيود السلبية والاتكالية والهرب من المسؤولية، تتكرر يومياً في واقعنا، وأصبحت مشكلة عصرية وتعانيها كثير من الزوجات، وخصوصاً الموظفات. مشيرة إلى أن الحياة المعاصرة تفرض على الزوجين النظر إلى القضية على أنها مسؤولية مشتركة، ومن ثم من حق الزوجة المطالبة بحقوقها وتذكير زوجها بواجباته تجاه الأسرة؛ حتى لا تسهم في صناعة زوج اتكالي بمساعدتها له في كل صغيرة وكبيرة، وتطوعها لحل المشاكل التي تواجههما خلال المواقف الحياتية المختلفة.
ولحل هذا الإشكال، تؤكد القبيسي أن على الزوجين تغذية شعورهما بالمسؤولية الأسرية، وتعويد الأبناء منذ مراحل الدراسة الأولية على النهوض بالمسؤولية، بحسب طبيعة كل فرد، ومصارحة الزوجة لزوجها، وتوزيع الجمع بين عمل البيت ومهام العمل، فلكل إنسان طاقة قد تنفد وينهار، فعلى الزوجة أن ترسم الحدود وتوزع المسؤوليات والمهام، وتكون حازمة وجادة إذا طلب منها زوجها تغيير دورها والصرف على الأسرة.
الشخصية الضعيفة
ويتفق الدكتو نواف النعيمي، اختصاصي الطب النفسي، مع ما سبق، ويضيف: «الرجال الذين يعتمدون على الزوجة في قيادة الأسرة والصرف عليها، عادة يكونون من أصحاب الشخصية الضعيفة، وهم الذين يركضون بعيداً من تحمل المسؤولية، ليس لديهم طاقة احتمالية تؤهلهم لتحمل ضغوط الحياه».
وقال، إن الزوج الاتكالي ضعيف الشخصية غير قادر على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات حتى الصغيرة منها دون الاتكال على زوجته. مشيراً إلى أن المرأة تصاب بحال توتر واضطراب سلوكي تكون ناتجة عن تأثيرات الضغط عليها، وكثرة المشاحنات الزوجية بسبب الزوج العاطل بمزاجه.
وأضاف، «تفتقد الزوجة والأبناء وجود القدوة في حياتهم عندما يكون الرجل عاطلاً بمزاجه ومعتمداً على الزوجة في كل شيء، ما يؤثر في علاقة الأبناء بوالدهم، كما يمكن أن يقلد أحدهم أسلوب الوالد واتكاليته».
ونصح النعيمي الزوجة بأن تكتفي بالقيام بواجباتها زوجةً وأماً وربةَ أسرة، من أول يوم لها في الحياه الزوجية، حتى يعتاد زوجها على تحمل مسؤولياته الكاملة زوجاً وأباً في المستقبل.
الخلافات الأسرية
ورأى المحامي والمستشار القانوني عبدالله الكعبي، أن الأصل في أن يتكفل الزوج بنفقات زوجته كاملة، حتى وإن كانت عاملة وتتقاضى راتباً كبيراً؛ حيث يتكفل بنفقاتها الشخصية أيضاً.
وأشار إلى أنه ميدانياً توجد حالات طلاق بخصوص الإنفاق؛ حيث يطلب الزوج من الزوجة العاملة المشاركة في الإنفاق، أو يتنصل من مسؤولياته المادية، ويطلب منها التدخل لسدّها، لافتاً إلى أنه في كثير من الأحيان عندما تتدخل الزوجة في الإنفاق على المنزل، ينسحب الزوج من تلك المسؤوليات تدريجياً، وهنا تنشب الخلافات الأسرية التي يمكن وصفها ب«العميقة».
وأضاف، تقوم الحياة الزوجية على المشاركة، وتتحوّل إلى صراع تعيش فيه الزوجة بمفردها لحل مشاكلها وتحمّل أعبائها، عندما لا يشاركها الزوج هذه الأعباء والمسؤوليات، لافتاً إلى أن هنالك أسباباً مهمة تقف وراء اتكالية الزوج العاطل، فإما أن يكون السبب، نشأة الزوج، وتربيته على التدليل وعدم تحمل المسؤولية، أو يستغل رغبة المرأة في الخروج إلى العمل والبحث عن الاستقلالية حرصاً على راحته في مقابل إرهاق الزوجة، ما يؤثر سلباً في العلاقة بين الزوجين ويؤدي إلى انهيارها.
وأشار إلى ضرورة المشاركة والحرص على عدم قيام الزوجة بجميع الأعمال وحدها، بل يجب تحديد مهام الزوج بكل وضوح، وعدم التنازل عنها إلاّ للضرورة أو الحاجة الماسة؛ فالصرامة يجب أن تكون موجودة في بعض المواقف، ثم التدرج في التخلي عن بعض المسؤوليات التي هي من مهام الزوج شيئاً فشيئاً، وترك المهام القابلة للتأجيل ليقوم بها بنفسه مع الحرص على تذكيره المستمر بها.
واقترح الكعبي إنهاء هذه المشكلة، بإنشاء مراكز توعية تكون إلزامية لكل المقْدمين على الزواج، ويكون دورها توضيح حقوق كل منهما على الآخر، حتى تتماسك الأسر وتكون في استقرار تام.