عادي

لحظات من الغطرسة غيرت العالم

20:43 مساء
قراءة 4 دقائق
تاريخ الغطرسة

القاهرة: الخليج

أصدرت دار العربي للنشر والتوزيع كتاب «تاريخ الغطرسة.. هل تعرف مع من تتحدث؟» لآري تورنين، ترجمة د. سمر منير، وتعد الغطرسة دائماً سوء تقدير من الإنسان، فكم من أشخاص حكموا على الآخرين بناء على مظهرهم أو على صفة أخرى، وكم من أشخاص استخلصوا استنتاجات انطلاقاً من وظيفة الآخرين أو تعليمهم أو مكانتهم فحسب، أو كم منهم لا يكترثون بالأساس بإلقاء التحية على من يقابلونهم.

على الرغم من أن الإنسان هبط على سطح القمر، وأجرى بحوثاً على خارطته الجينية، إلا أن طريقة تعاملنا مع بعضنا بعضاً لم تصبح أكثر تهذيباً منذ العصر الذي كان يتم اصطياد «الماموث» فيه، فالغطرسة هي أكثر المشاعر التي لا فائدة من وجودها، إذ يعلمنا التاريخ أن الغطرسة لم تفرز شيئاً سوى الحروب والكوارث والكراهية وعدداً لا بأس به من حالات الفشل لاسيما للمتغطرسين أنفسهم.

**بحث

هذا الكتاب ينشغل بالأساس بالتساؤل عن سبب انتشار السلوك المتعجرف والمحتقر للآخرين انتشاراً واسعاً، وهل يمكن أن يفعل الإنسان شيئاً ما للحيلولة دون حدوث ذلك السلوك؟، فكل الأساطير أياً كان أصلها الثقافي تحذر من الغطرسة، ففي القرن الأول الميلادي اكتشف مهندس روماني أنه قد تم ابتكار جميع الاختراعات قبل وقت طويل، وأنه ليس من المتوقع الوصول إلى شيء جديد أو مدهش.

يشير الكتاب إلى أن من يفترض مثل هذا الزعم لا بد أن يكون إنساناً جامداً متحجراً، فكثيرون يعتقدون أن قدرتهم على الحكم على الأمور ممتازة وأنهم ليسوا في حاجة إلى إعادة النظر في آرائهم، في حين أن الإنسان يظل يتعلم حتى نهاية عمره.

يقول المؤلف: «ربما يرى البعض أن تأليف هذا الكتاب جاء أيضاً بصورة متغطرسة، فمن أكون أنا لكي أستنكر محاولات الآخرين وأخطاءهم بحكمة اكتسبتها في سن متأخرة؟ لأن الاستعلاء صفة تنتاب الجميع من حين لآخر، ومن الغرور ادعاء أن هناك إنساناً لم يصبه الغرور قط، وقد ظهرت وجهة النظر الخاطئة هذه في ملاحم الكثير من الحضارات وأساطيرها ومآسيها منذ وقت مبكر بالفعل».

*أساس

إن أساطير الحضارات المختلفة تعد بالأساس بمثابة تحذيرات مفيدة من التكبر والغباء والميل إلى الكذب وبالمقام الأول من الغطرسة، فالمآسي التاريخية لأوديسيوس الذي وجه اللعنات لبوسيدون، وأوديب المفتون بالقوة، تكرر نموذجاً معروفاً، إذ سرعان ما تتدهور الثقة بالنفس بطريقة صحية، لتصبح غطرسة مرضية، فالنجاح يتغذى على نفسه والكثيرون يفتنون بأنفسهم وهو ما يؤدي إلى كوارث في كثير من الأحيان.

وقد رأى الناس في العصور القديمة أنه ما من شيء أكثر خطورة من أن يقع الإنسان في براثن العجرفة، أي الغطرسة في لحظات النجاح، فالشخص المريض بالعجرفة يعتقد أنه قادر على كل شيء، والثقة الزائدة عن الحد تستدرج الإنسان إلى تفسيرات خاطئة لبيئته ولتقديرات خاطئة.

يوضح الكتاب أن شكسبير انشغل بالغطرسة إذ يعد الكثير من أعماله المسرحية مسرحيات تراجيدية تحكي عن الدمار والحسد الناتجين عن السلطة، ففي قلب واحدة من أهم مسرحياته التراجيدية، نجد «ماكبث» ذلك الشخص الذي اغتر بسلطته فقد استخدمها دون ضمير، ولم يعد يثق بأي شخص، ودفعه الخوف من أن ينتقم منه أحدهم، إلى ارتكاب جرائم جديدة، وفي نهاية المطاف أطاح به رعيته.

*4 سلوكيات

ذكرت إحدى المؤرخات أربعة سلوكيات تؤدي في المعتاد إلى حالات طلاق وإنهاء علاقات وحروب وكوارث، أول هذه السلوكيات السلوك المستبد وهو عادة سيئة منتشرة على نطاق واسع بداية من العمل حتى على مائدة الطعام، السلوك الثاني هو الطموح اللامتناهي، أما الثالث فهو الانحطاط الناتج عن القوة، وكذلك العجز الذي أدى إلى سقوط الإمبراطورية الرومانية، والسلوك الرابع هو العناد غير العاقل، أي الميل إلى التصرفات التي تتعارض مع مصالح الفرد على الدوام.

في هذا الكتاب يقلب المؤلف صفحات التاريخ ويعرض الأماكن التي أدى فيها حدث تافه مثير للسخرية إلى حدوث تغييرات، يبحث عن نقاط تحول كارثية في تاريخ الغطرسة، لحظات غيرت العالم بطريقة أو بأخرى، ربما كان وراء هذه اللحظة مشاعر استخفاف أو ثقة مفرطة بتفوق المرء أو استعلاء ثقافي أو اغترار بالنفس، بسبب استئثار المرء بشيء ما، في مثل هذه المواقف تصبح التوترات غير محتملة، ويكفي القيام بفعل متعجرف أو أن توجد ملاحظة متعجرفة واحدة لهدم كيان بأكمله، إذ تندلع ثورة ويصير الهواء نقياً، وتعود الأخلاقيات لسابق عهدها من جديد حتى يحدث الانهيار التالي.

يطرح المؤلف في هذا الكتاب كيف تبدأ الأفكار المتغطرسة، وكيف تسببت في أكبر كوارث البشرية، بداية من تغير المناخ إلى الأزمات الاقتصادية، ويعرض مواقف وقصصاً من التاريخ عن مآلات سيطرة الأفكار أو الشخصيات المتغطرسة على الدول والشعوب، ويسرد أخيراً قصص النجاح التي كانت على النقيض من الغطرسة والكبر، وانطلقت من أفكار متواضعة من النقد والسخرية الذاتية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2t5pf5pw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"