عادي

الزخرفة.. نقوش الوجدان

23:48 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

الخطاط التركي الدكتور صواش جويك، هو أحد الخطاطين البارعين، الذين أتقنوا أنواعاً عديدة من الخطوط كالرقعة والتعليق والثلث والنسخ والديواني، وأيضاً الديواني الجلي، وفي هذا النوع الأخير له لوحة خطية استخدم فيها الآية القرآنية (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ).

وفي هذه اللوحة تجلت براعة صواش جويك في الجلي الديواني، هذا الخط القادم من الديواني، الذي يعتمد على استدارة الحروف وتداخلها، لكنه في الجلي الديواني يتميز بكثرة علامات الزخرفة التي تملأ ما بين الحروف.

معروف أن الجلي الديواني، هو خط زخرفي بالأساس، ويحتمل كافة أنواع الزخرفة من زخرفة كتابية وأخرى هندسية، فاللوحة بهذا المعنى، تحقق شروط فن الخط العربي، الذي اقترن أصلاً بالزخرفة العربية، من خلال ما برع فيه الخطاطون في طرق المد والاستدارة والتشابك والتداخل والتركيب.

في مجال الزخرفة الكتابية، تقع عين المشاهد على أشكال عديدة من التزيينات التي تحقق شرط «الجلي الديواني» بوصفه خطاً كامل التشكيل، ما بين الحرف والحرف، وفي مهارة وضع النقاط الدقيقة، لنكون أمام لوحة خطية مشكلة في طولها وعرضها، ففي هذه اللوحة، لا تكاد تجد حرفاً من دون تلك الزخارف الكتابية الصغيرة التي تحوطه من جوانبه كافة؛ بل لا تكاد تنظر إلى الحرف وجواره من الحروف، إلا وتقع العين على تشكيلات حروفية صغيرة، تعزز من دور الزخرفة وسيلةً من وسائل التزيين والتجميل، التي تكشف هنا، عن مهارة الخطاط صواش جويك وإتقانه للجلي الديواني، بحيث يمكن قراءة الحرف الواحد أو الكلمة الواحدة من اليمين إلى اليسار وبالعكس، ناهيك عن ما تشهده من مزج بين الحروف، لتخرج بشكل زخرفي جميل وآسر.

ملمح

لقد امتلأت حروف اللوحة بالزخارف الكتابية ما زاد من ألقها وإشراقها، حيث تضفي الزخرفة الكتابية هنا ملمحاً جمالياً، خاصة إذا تتبعنا امتدادات الحروف ونهاياتها ومواقعها على سطح اللوحة، وأيضاً في التقاء الحروف وتلاصقها في المسارات الأفقية، وفي بعض الحروف التي تخرج عن هذا المسار، لتعطي بعداً أكثر جمالية، وذلك بسبب مرونة هذه الحروف وإمكانية خطها في مسارات من الإبداع والتناغم والانسجام والرشاقة البادية في اللوحة بوجه عام.

نشير هنا، إلى أن الزخرفة الكتابية، برزت ظاهرةً فنية وإبداعية في مرحلة النهوض الحضاري الذي عم الأقطار الإسلامية جميعها، هنا، يخرج الخطاط صواش جويك في لوحته هذه ومن خلال الجلي الديواني من إطار الكتابة التقليدية، نحو أنماط جمالية تشبه إلى حد بعيد حال اللوحة الفنية في الرسم والتصوير، أو القصيدة الشعرية. واللوحة مزينة كذلك بأشكال آسرة من الزخرفة الهندسية، التي برع فيها المسلمون في العصر الأموي، بشكل لا نظير له في أي حضارة أخرى، أما الزخرفة الهندسية في هذه اللوحة، فجاءت من خلال ما أبدعه صواش جويك من زخرفة نباتية مستمدة من عناصر الطبيعة التي تعد مصدر إلهام للفنانين والخطاطين، في محاكاة لأشكال النباتات والورود والأزهار، وفي تشكيلات الأغصان والسيقان والأوراق وغيرها، وهذه البساطة في استخدام الزخارف النباتية تزيد من ألق اللوحة، وبراعة منظورها بما فيه من تكوينات خطية وزخرفية ملونة، كما يبرز في اللوحة على وجه الخصوص ميل صواش لاستخدام اللون الذهبي، وهو اللون الذي اعتاد الخطاطون العرب على تلوين خطوطهم به، كما هي حال زخارفهم النباتية لتظهر بشكل بديع ومهذب وجميل، كما هو في المصاحف والمخطوطات الإسلامية الكثيرة.

تجلت في اللوحة مهارة لا تقل أثراً عند الخطاط صواش جويك، خاصة في تصميمه للإطار العريض الذي يحتضن كتلة النص القرآني (داخل مستطيل بخلفية صفراء) في حين لون جويك هذا الإطار العريض من جوانب اللوحة المستطيلة الشكل بمزيج اللونين الأحمر والبني ما زادها إشراقاً وانسجاماً، وهو تصميم مبهر، بما يعكسه من وحدة جمالية تجلت في اللون والخط والزخرفة في ثوب من التناغم المبدع والخلاق التي تستقبله عين المشاهد براحة وطمأنينة، تضيف الكثير إلى معاني النص، وما فيه من إشراقات إيمانية وروحية.

بدأ صواش جويك رحلته مع الخط العربي عام 1974؛ حيث تعلم أصوله وقواعده وأساليبه، على يد الخطاط المعلم كمال بطان آي فأخذ عنه خطي الرقعة والتعليق، وفي عام 1975 تعلم جويك خط الثلث والنسخ من الخطاط الرائد حامد الآمدي وواصل تعلمه للخط العربي على يد علي الب أصلان فأخذ منه أصول الخط الديواني وجلي الديواني.

أقام جويك أكثر من 20 معرضاً فردياً داخل تركيا وخارجها، وله مشاركات في معارض جماعية مماثلة، وحصلت أعماله على جوائز عدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckryhp7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"