السلام أم الديمقراطية؟

معضلات وتحديات ما بعد الحروب الأهلية
22:33 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 7 دقائق
1
1
1

عن المؤلف

الصورة
3
إيزابيلا بيريرا واتس
* إيزابيلا بيريرا واتس أستاذة جامعية في الدراسات الدولية والعلوم السياسية في جامعة ولونغونغ في أستراليا، وهي خبيرة في حفظ السلام وبناء الديمقراطية، ولديها أكثر من 15 عاماً من الخبرة في التنمية الدولية، بما في ذلك بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة في مناطق النزاع.

أظهر العقد الماضي زيادة هائلة في عدد النزاعات الأهلية والأنظمة الاستبدادية، فضلاً عن انخفاض مستويات الديمقراطية والسلم والأمن. يتناول هذا الكتاب القضايا المعاصرة المرتبطة بهذه الصراعات، والدول الهشة، وبناء السلام والدولة. ينصبّ التركيز على فهم التناقضات والتحديات التي تواجه الحكومات المؤقتة، ودور المجتمع الدولي في إقامة أنظمة سياسية جديدة.

ترى الكاتبة بيريرا واتس في هذا العمل أنه على عكس الاعتقاد السائد بأن السلام والديمقراطية يسيران بمحاذاة بعضهما بعد الحروب الأهلية، إلا أنهما في الواقع على مفترق طرق. من خلال تقديمها إطاراً عملياً قائماً على الاعتبارات الفلسفية والفاعلين والجوانب التكتيكية، تحدد بيريرا واتس 14 معضلة ديناميكية في بناء السلام الديمقراطي. تركز على شرح التناقضات والتحديات في التعافي الحديث بعد الصراع. 

 تستند في مناقشتها إلى تحليل حالات لأكثر من 40 دولة بين عامي 1989 و2022 وأكثر من 60 عملية سلام للأمم المتحدة، لتقدم بذلك قضايا حاسمة تحتاج عادةً إلى المعالجة في مثل هذه السيناريوهات: الانتخابات والأحزاب السياسية؛ الدستور؛ الضوابط والتوازنات وتقاسم السلطة؛ تحول عادل في السلطة؛ حقوق الإنسان والعفو ولجان الحقيقة ومحاكم جرائم الحرب؛ نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج؛ وإصلاح الإعلام والمجتمع المدني. وترى أن حلّ أي من هذه المعضلات يؤدي إلى مشكلات أخرى تشكل جهازاً معقداً لاستعادة السلام وتثبيت نظام سياسي جديد.

 تتساءل المؤلفة في بداية الكتاب: «عندما تنتهي الحرب الأهلية، ما هي المعضلات الرئيسة التي ينطوي عليها السعي لتحقيق«السلام والديمقراطية ونظام الدولة»؟ وما هو الدور الذي تلعبه عمليات الأمم المتحدة في تحقيق السلام والديمقراطية في وقت واحد في بلدان ما بعد الحرب الأهلية؟« تشير المؤلفة إلى أنه » على مدى ثلاثة عقود منذ نهاية الحرب الباردة، يبدو أن هناك شيئاً خاطئاً حدث في أجندة «بناء السلام الديمقراطي». غالباً ما يكون الانتقال السياسي إلى السلام الديمقراطي المدني مملوءاً بالصراعات. على الرغم من العدد غير المسبوق من عمليات التدخل التي تقوم بها الأمم المتحدة «لفرض السلام وبناء الديمقراطية»، نادراً ما تتمكن البلدان التي مزقتها الحروب من الانتقال إلى السلام والديمقراطية، إما لأنهم محاصرون في دائرة صراع لا نهاية لها أو أنهم يحققون الاستقرار فقط من خلال حكم غير ديمقراطي.

وترى الكاتبة أن الحروب الأهلية تمثل تحديات معاصرة لاستقرار الدول وشرعيتها وكذلك للنظام والأمن الإقليمي والدولي، وغالباً ما تصبح «حروباً أهلية عالمية». وترى أنه «بالإضافة إلى فهم أسباب ونتائج الحروب الأهلية، من الضروري إجراء المزيد من الأبحاث للتنبؤ بالتحديات بعد الحرب الأهلية نحو السلام الديمقراطي المستدام، وبناء الدولة، وربما حتى بناء الأمة».

 أهمية بناء السلام

 يتناول الجزء الأول من الكتاب بعنوان «المعضلات الانتقالية والديمقراطيات العنيفة وفن إدارة الأمم المتحدة» الأسس والأهداف المفاهيمية الرئيسة، ويبرر أهمية بناء السلام وبناء الديمقراطية والدول الهشة عند التعامل مع النزاع المسلح داخل الدول. ثانياً، يقدم تحليلاً موجزاً لبيانات السلام العالمي ويأخذ في الاعتبار تدهور الديمقراطية في جميع أنحاء العالم. أخيراً، يقدم وصفاً لهيكل الكتاب ومنهجيته وتعريفاته المفاهيمية بالإضافة إلى تقديم نظرة عامة عن كل فصل.

ويتكون الكتاب من أربعة فصول هي: أولاً: الانتقال من الحرب الأهلية إلى السلام الهجين: 14 معضلة للسلام والديمقراطية وبناء الدولة في مجتمعات ما بعد الصراع. يركز هذا الفصل على سؤال: لماذا نادراً ما تظهر البلدان التي مزقتها الحروب الأهلية كديمقراطيات قادرة على الصمود مع سلام مستدام؟ يعاين الفصل التعايش بين أشكال السلام الهجينة، ذات الجوانب العنيفة وغير العنيفة، إلى جانب الأشكال الهجينة من السياسة، مع العناصر الديمقراطية والسلطوية، خلال فترات الانتقال.. الأهم من ذلك، يقدم الفصل مجموعة من 14 إشكالية انتقالية تعارض جهود بناء السلام والديمقراطية في آن واحد في سياقات داخل الدول: الفلسفية النظرية - الفاعلون – الجوانب التكتيكية.

 يأتي الفصل الثاني بعنوان «معضلات السلام الليبرالية الهجينة للأمم المتحدة: السيادة المشروطة، المسؤولية عن الحماية والانتقائية الأخلاقية»، ليناقش المعضلة التي تتمحور حول التدخل. يوضّح الفصل بناءً على نظريات العلاقات الدولية، مبدأ السيادة والمسؤولية عن الحماية والانتقائية الأخلاقية. كما يستكشف تجاور شرعية الأمم المتحدة كممثل لما يسمى بالمجتمع الدولي عند مواجهة الحروب الأهلية. والأهم من ذلك أنه يقيم معضلات أخرى للأمم المتحدة تنشأ أثناء التدخلات عند تعزيز السلام الليبرالي.

 على عكس السرديات الاعتيادية للأدبيات حول التحول الديمقراطي، يركز الفصل الثالث بعنوان «من البنادق إلى الأصوات إلى الحمائم: الانتقال العنيف باستخدام بطاقات الاقتراع والرصاص»، على العنف كسبب ونتيجة لتزوير الديمقراطية تحت تهديد السلاح. يشير الفصل إلى أن الترابط بين التحول الديمقراطي والعنف والسلام يخلق مفارقات مركزية. تقول المؤلفة: «تخلق عمليات السلام وإرساء الديمقراطية حوافز جديدة للعنف، في الوقت الذي يمكن فيه لتدابير مكافحة العنف أن تقوض الديمقراطية. يتيح إدراج العنف فهماً أكثر شمولاً وعمقاً للتحديات الانتقالية من الحرب الأهلية إلى السلام من خلال التحول الديمقراطي». لفهم العلاقة بين بناء الديمقراطية والعنف في الدول الهشة، يحدد الفصل المعضلات المتعلقة بالنخب وقوات الأمن ونقص مؤسسات الدولة العاملة ووسائل إعلام الكراهية، مؤكدة أن«الدمقرطة لا يمكن أن تكون رخصة للعنف».

 في الفصل الرابع بعنوان«ما هو الدور الذي تلعبه عمليات الأمم المتحدة في تحقيق السلام والديمقراطية في آن واحد في بلدان ما بعد الحرب الأهلية؟» تبحث المؤلفة في الدور الذي تلعبه عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في إضفاء الطابع الديمقراطي على مجتمعات ما بعد الحرب. من خلال نهج هجين، تحلل المؤلفة عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة منذ عام 1989 في 31 دولة و11 حالة من الدول دون تدخل الأمم المتحدة. وتقدّم تحليلاً إحصائياً محدثاً وإطاراً زمنياً أطول، بالإضافة إلى تضمين المزيد من الفهارس المقارنة، وتقول إنه في معظم الحالات، يتم تحقيق مستوى معتدل من السلام والديمقراطية.

 الإنصات إلى أصوات الشعب

يأتي الجزء الثاني من الكتاب بعنوان «الانتقال إلى الأنظمة السياسية والقانونية والمدنية والاجتماعية» ويتكون من ستة فصول هي:«من الحرب إلى السلام: متى تعزز الانتخابات والأحزاب السياسية الديمقراطية؟». تشير فيه الكاتبة إلى أن«الانتخابات ضرورية للديمقراطية، ومع ذلك، يمكن أن تكون الانتخابات أيضاً واجهة لما تسمى بديمقراطية أمراء الحرب أو الديكتاتورية الانتخابية». يبحث هذا الفصل في التوترات والتناقضات في السيناريوهات السياسية لما بعد الصراع والتحديات التي تواجه الحكومات المؤقتة عند تحويل الجماعات المتحاربة إلى أحزاب سياسية. ويتناول انتخابات ما بعد الصراع كأداة للسلام أو ديمقراطيات أمراء الحرب. علاوة على ذلك، يتم اختبار الانتخابات كمتغير في التحليل باستخدام المعضلات الفلسفية - الفاعلون – الجوانب التكتيكية.

 وفي الفصل السادس بعنوان«عندما يفشل القلم، يتحكم السيف: بناء الدستور وتقاسم السلطة للمجتمعات المنقسمة»، ترى المؤلفة أن تقاسم السلطة هو«آلية معادية للديمقراطية»، ولكن ربما أداة للسلام. إذا كان الأمر كذلك، فما هي أفضل نماذج تصميم الدستور وتقاسم السلطة لجذب الخصوم للبقاء ملتزمين بعمليات السلام وبناء الديمقراطية؟ لتقليل ما يسمى باستبداد الأغلبية، يستكشف الفصل أيضاً نظاماً شبه رئاسي والتماسك بين الدستور وسيادة القانون. لتوضيح مخاطر الإصلاح الدستوري وترتيبات تقاسم السلطة، يقدم الفصل دراسات حالة مقارنة لتيمور الشرقية، وأوغندا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، والعراق، وجنوب السودان، وسيراليون، والفلبين، وقبرص، وبوروندي، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو، وجيبوتي.

 تركز المؤلفة في الفصل السابع بعنوان«لا عدالة، (لا) سلام؟ الظلم الديمقراطي أو العدالة غير الديمقراطية باسم حقوق الإنسان والمصالحة»، على العدالة الانتقالية التي تجدها قضية حاسمة في تجنب مخاطر دورة الصراع. ومع ذلك، يمكن أن تكون سلمية وغير ديمقراطية مثل الديمقراطية والعنف.

 يبحث الفصل، العناصر الشاملة مثل العفو وحقوق الإنسان ولجان الحقيقة والمصالحة والقانون الانتقالي وإصلاح قطاع العدالة. كدراسات حالة، تحلّل المؤلفة محاكم غاكاكا الرواندية وإصلاح العدالة في تيمور الشرقية. ويخلص الفصل إلى أنه على الرغم من أن العفو لا يمكن أن يكون بمثابة مكافأة للجناة، إلا أنه قد يكون شراً ضرورياً لتحقيق السلام بدون عدالة. وترى المؤلفة أنه في حين أن العناصر الأخرى قد تكون متغيرات ديمقراطية زائفة من أجل سلام نسبي عادل، قد يكون هذا المنظور هو الأداة المفقودة لتقليل التناقض بين الحاجة إلى العدالة الانتقالية والإحباط من الظلم المستمر أثناء العملية الانتقالية.

 ويتناول الفصل الثامن «إسكات البنادق من خلال نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني: إضفاء الطابع الأمني على السلام أو إدارة الديمقراطية غير الآمنة» مسائل أمنية. يحلل الفصل المعضلة المركزية الناشئة عن جهود بناء السلام والديمقراطية، من خلال نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح قطاع الأمن. أولاً، يقدم مراجعة لما نعرفه عن بناء الدولة وتعزيز الأمن. ثانياً، يحدد المعضلات الرئيسة لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني ومشكلة الثقة بالعدو. أخيراً، تعمل دراسات الحالة الخاصة بإصلاح قطاع الأمن في جمهورية إفريقيا الوسطى وتيمور الشرقية على سد الفجوة بين النظرية والتطبيق. لكي تكون فعالة، يجب أن تتخطى عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج / إصلاح القطاع الأمني من مجرد «استقرار مؤقت» إلى مفهوم متطرف ل«تعزيز الأمن الديمقراطي». بالإضافة إلى ذلك، فإنه يدعو إلى الابتعاد عن النهج المتمحور حول المقاتلين وإدراج المستوى الوسيط للقيادة كحلقة وصل بحكم الأمر الواقع بين النخب وكبار القادة والمجتمع المحلي.

 يأتي الفصل التاسع وهو الأخير في الجزء الثاني من الكتاب بعنوان«من الحرب إلى السلام: ناخبون لكن ليسوا مواطنين»، ليركز على النظام الاجتماعي من خلال تضمين«صوت الناس» وتحليل المعضلات المتعلقة بالمجتمع المدني ووسائل الإعلام. ترى الكاتبة أنه«في أعقاب الحرب الأهلية، قد يتحول «الشعب» إلى ناخبين، لكنهم ليسوا مواطنين بعد من حيث مشاركتهم الكاملة في الطيف الديمقراطي السياسي». يبحث الفصل في كيفية الانتقال من الصراع المدني إلى المجتمع المدني، ويوضّح أنه بدون الملكية المدنية وإصلاح وسائل الإعلام، فإن إعادة تشكيل النظام الاجتماعي في البيئات المضطربة أمر غير محتمل وغير مستدام». ويتكون الجزء الثالث من فصل واحد وهو «من السلام الديمقراطي الهجين إلى انتقال متكامل»، ويتضمن الخاتمة والقيود وبعض التوصيات.

 يعدّ هذا الكتاب الصادر عن دار «روتليدج» في إبريل 2023 باللغة الإنجليزية، مصدراً مهماً لصانعي القرار وواضعي السياسات والمحللين الدوليين والممارسين في مجال بناء السلام، ويشكّل أيضاً قيمة كبيرة لطلاب العلاقات الدولية ودراسات السلام، وأي مهتم بحفظ السلام وبناء الديمقراطية والدولة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/yc49wwre

كتب مشابهة

1
مايكل كريبون
بوتين وشي جين بينغ
ريتشارد ساكوا
1
هاين دي هاس
1
جيريمي غارليك

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث
1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج
1
ماكسيميليان هيس
1
شيلا سميث
1
لورا روبسون