عادي

«الأدب القيادي».. رؤى خلاقة تخاطب القلوب

19:46 مساء
قراءة 5 دقائق
1

الشارقة: علاء الدين محمود

مارس الكثيرون من قيادات الدولة الكتابة الإبداعية، ونظم الشعر، وهنالك العديد من المؤلفات التي غاصت وتعمقت في ذلك المنتج الأدبي الذي يكتسب خصوصيته من كونه يعبّر عن تجارب شخصيات مؤثرة في الواقع الاجتماعي والسياسي الإماراتي، بالتالي هو بلا شك يجد صدى خاصاً، ويتمتع بأسلوبيات ومميزات مختلفة.

كتاب «أسلوبية الأدب القيادي.. الشعر الإماراتي أنموذجاً»، للشاعرة والباحثة عائشة علي الغيص، الصادر في طبعته الأولى عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ومجموعة أبوظبي للثقافة والفنون «أدماف»، عام 2022، هو واحد من تلك المحاولات في الاقتراب والغوص في عوالم شعرية شديدة التميز، ولعل أكثر ما يميز الكتاب هو صرامته العلمية، وصدقيته النقدية، ووفرة المعلومات والنماذج الشعرية التي هي موضوع الدراسة التي تبحث حول الأسلوبية الخاصة بهؤلاء الشعراء من قيادات الدولة في مجالات مختلفة.

الكتاب هو عبارة عن دراسة تندرج حول النظريات المتعلقة بالأسلوب الشعري من خلال استقراء مختارات من النصوص لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والشيخ صقر بن سلطان القاسمي، رحمه الله، ويقتصر الكتاب على دراسة نماذج من شعرهما الفصيح، ما يحفل بمؤشرات التمثيل الأسلوبي البليغ لإنتاجهما الأدبي بشكل عام، وما تناوله من موضوعات وطنية وقومية، وقضايا الأمة العربية والإسلامية.

يقع الكتاب في 406 صفحات من القطع المتوسط، ويضم مقدمة وتمهيد، ويتضمن 4 فصول، وقائمة كبيرة من المراجع، وتعريفات عدة، ومعلومات شتى، وتعمقاً شاملاً في النماذج الشعرية، مع تبيان السمات التعبيرية الخاصة بها عبر مستويات مختلفة، حيث يتناول الفصل الأول «المستوى الصرفي»، في الإنشاء الشعري القيادي، من حيث تنوع دلالة المفردة المعجمية المختارة، وتنوّع صيغها الاشتقاقية وفق مقتضيات أسلوب الشاعر.

بينما يتناول الفصل الثاني «المستوى التركيبي» في الصياغة الشعرية، إبرازاً لظواهر التقديم والتأخير، والتنكير والتعريف، وما يتعلق بخصائص الجملة الفعلية والاسمية، والأساليب الخبرية وغيرها، مما هو من خواص التركيب العربي، كما تجلت صورته في القصائد المختارة.

* مستوى دلالي

ويتعمق الفصل الثالث في دراسة «المستوى الدلالي» في التعبير الشعري القيادي، ومنه دلالة الصورة ومياسمها الفنية، من حيث التشبيه وعلاقاته، والاستعارة ودلالتها، والمجاز وأبحاثه، والكناية وما تحمله من دلالات.

ويتحدث الفصل الرابع عن «المستوى الصوتي»، في القصائد المختارة وعلاقته بالبنية الإيقاعية، وفي هذا الإطار، فإن مقتضيات التحليل دعت إلى التمييز بين مستويي الإيقاع: الداخلي والخارجي، حيث ركز الكتاب على شطر الإيقاع الخارجي في البداية من أجل دراسة البحور التي استخدمها الشاعران في قصائدهما، ومن ثم الوقوف على القوافي التي هي تاج الإيقاع الشعري، ثم تناولت الدراسة بعد ذلك الإيقاع الداخلي، وهو ذلك اللون الإيقاعي المتعلق بالألفاظ في الأبيات، وما ينتج من الجمع بين لفظين أو أكثر من موسيقى الأصوات.

وتتميز القصائد المختارة في الكتاب، بوجود مميزات تعبيرية مرتبطة بلغتهما الشعرية ارتباطاً غرضياً وبلاغياً، يقترن فيه التمايز على المستوى الإنشائي، بآخر على مستوى المضامين، إذ قامت القصائد على مواضيع مستحدثة تحث على النظر والدراسة، حيث تم اختيار القصائد بالنظر لما فيها من مزاوجة بين الاهتمامات القيادية المختلفة، وبين الصلة بالشعر من ناحية فنية، إذ إن الإبداع الشعري هو بمثابة نافذة للإطلال على الواقع الراهن.

وقام الكتاب بتخيّر نماذج من قصائد الشاعرين، يتضح من خلالها التميز الأسلوبي مع البعد الجمالي، وهي قصائد حافلة بالموسيقى والإيقاعات والاشتغال البلاغي، حيث إن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يشتغل في نصوصه على الجملة الشاعرة المؤثرة، والمعنى البليغ، والرؤيا الخلاقة، وذلك ما نكتشفه في القصيدة التي كتبها في رثاء الوالد المؤسس المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد، طيب الله ثراه، إذ يقول فيها:

زلزال الأرض مصاب العرب

وتلاقى الشرق بالمغرب

وغدا عاليها سافلها

فهي في حزن وأمر عجب

ورعود وبروق حفلت

بظلام وبليل مرعب

وأعاصير وما خلفه

ذلك الزلزال طول الحقب.

ولعل المتمعن في القصيدة، يدرك على الفور بلاغة الشاعر في إصابة المعنى، والمقدرة على تخيّر الألفاظ والمفردات ذات الجرس القوي، والأثر في النفوس، خاصة أن القصيدة في مقام الرثاء، وكذلك تتميز الأبيات بدفق شعوري يخاطب القلوب ويؤكد في الوقت نفسه، على جلل الفقد وفداحته، كما جاءت القصيدة وهي حافة بالصور المشهدية التي تجعل المتلقي يسافر مع الشاعر نحو عالم مترع بجماليات الوصف، إذ عبّر الشاعر عن قوة الفقد بمفردات مثل: ظلام، ليل، رعب، أعاصير، زلزال، حزن، وغيرها من الكلمات التي تشير مباشرة إلى المعنى، وتعمّق من فداحة الفقد.

وذلك الأمر نجده أيضاً من خلال رصد الكتاب للسمات الأسلوبية الخاصة بشعر الشيخ صقر بن سلطان القاسمي، رحمه الله، الذي يتميز بجزالة اللغة والفصاحة والمقدرة الفائقة على التعبير عن الذات، ويتضح ذلك من خلال قصيدته «قومي»، التي يقول فيها:

يا ويحيي بلغ أحبائي وخلاني

مني التحيات واشرح بعض أشجاني

وقل، كئيباً، تركت الهمّ يصرعه

يهفو لكم منه قلب بالأسى عانِ

فلا تبدل عن عهد الولاء ولا

عن الوفا حاد يوماً ما لإنسان

ولا نأى باختيار عن مرابعكم

لولا الظروف وما للدهر من شأن.

ولعل المتأمل في القصيدة يكتشف تلك البراعة في توظيف الاستعارة لدى الشاعر، في صناعة نص يفيض وجداً ورقة، وكذلك تخيّر المفردات التي دارت في معظمها حول معاني الشوق والحنين، ذلك لكون القصيدة تتحدث عن المعاناة التي مر بها الشاعر في ديارة الغربة، بالتالي فإن القصيدة هي ترجمة للمشاعر والأحاسيس التي في دواخله، لكنها، بطبيعة الحال، ترجمة خلاقة ومبدعة، ذلك لأن الشاعر متمكن من أدواته الشعرية واللغوية.

*غرض

ويوضح الكتاب أن الغرض من البحث في نسيج الشعر القيادي الإماراتي، هو الإسهام في إبراز فاعلية المنهج الأسلوبي في دراسة الخطاب الشعري المعاصر بشكل عام، من خلال هذه النافذة المخصوصة المحددة في شعر القادة الإماراتيين المعاصرين، حيث إن البحث في هذه الزاوية الإبداعية له غايات محددة، تتضمن محاولة تسليط الضوء على هذا الشعر بكل سماته الجمالية والإبداعية، وكذلك محاولة الإسهام في تدعيم الدراسات الأسلوبية ذات التوجه التطبيقي، بنموذج متعلق بمدونة شعرية مختارة لها خصوصيتها التي تستحق بأن تفرد لها دراسة علمية مستقلة، وهي المتمثلة في نصوص وأشعار القادة، ويتضمن ذلك أيضاً معرفة تجليات الأسلوب في الشعر القيادي ودلائله في اللغة الشعرية ومؤشراته في تشكيلاتها التصويرية والإيقاعية، ودراسة ما بين الشكل والمضمون من علائق إنشائية ودلالية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3r7fcxbf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"