عادي
اهتم بالكلمة النزيهة والصحيحة

تريم عمران.. سياسي بارز وإعلامي متميز وقومي عروبي

00:45 صباحا
قراءة 7 دقائق
في المجلس الوطني الاتحادي
تريم عمران خلال إحدى الندوات

ملف أعدته: جيهان شعيب
عند الحديث عن الراحل الكبير تريم عمران، السياسي الأصيل، فالصدق هو عنوان الحقيقة في سرد دوره الخالد مع شقيقه المرحوم الدكتور عبدالله عمران، فقد كانا واضحين وجريئين في الحق، وعميقين في التعامل، وقياس الأمور، موضوعياً في طرح الأحداث، عبر منبر جريدة «الخليج» الشامخ، ومطبوعات «دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر» إجمالاً.

في تأبين الراحل في ذكراه ال 21، نسرد بعض جوانب عن تريم الإعلامي، والسياسي، وعن قناعاته ومبادئه، وتوجهاته القومية العروبية، التي كانت عنواناً دالاً عليه، فتريم، رحمه الله، في السياسة، كان مُحباً للناصرية، ومن أشدّ مؤيدي الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وكانت قناعته راسخة بمبدأ الوحدة العربية، وكان حريصاً على الحديث عن ذلك في اجتماعاته ونقاشاته المختلفة، مع تأكيده المتواصل أهمية ذلك للوطن العربي كله.

الصورة
1

دور فاعل

ومحلياً كان لتريم مع شقيقه عبدالله، رحمهما الله، دور فاعل في جميع مراحل تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة وتطورّها، إذ كانا من دعاة «الاتحاد التساعي» وطالبا بتوحيد إمارات الخليج التسع، عقب خروج الاحتلال البريطاني في مطلع سبعينات القرن الماضي، وحينما تعسر ذلك كانا في مقدمة المنادين بإقامة «الاتحاد السباعي» – الإمارات حالياً - وشاركا في مفاوضات تشكيل الاتحاد، وكان تريم عمران في اجتماعات التأسيس، حريصاً على طرح أفكاره الوحدوية، ورؤيته القائمة على أن تكون منفتحة على المحيط العربي والإسلامي، وتحقق النهضة الشاملة بسواعد أبنائها.

وعقب ذلك حرص تريم عمران، رحمه الله، خلال ترؤسه المجلس الوطني الاتحادي، على تكريس حضور الدولة بين نظيراتها في الوطن العربي، والعالم الإسلامي، وعندما توجّه إلى جمهورية مصر العربية لتولي سفارة الدولة فيها، بأمر من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، عقب تأسيس الاتحاد، ترسخ لديه الفكر القومي العروبي، وكان مخلصاً لمبادئه، غير مساوم أو مزايد عليها، وكان متحدثاً لبقاً، راسخاً فكرياً، ثابتاً في المواقف، وملمّاً بالشؤون السياسية في الخليج، والمنطقة العربية والعالم.

1

عرب أحرار

ومن كلمات تريم، رحمه الله، عقب قيام الدولة، التي عبر بها عن رؤاه للاتحاد قوله «كياننا يعتمد أولاً على أننا عرب، وثانياً على أننا أحرار؛ وكوننا عرباً يعني أننا مصرّون على المحافظة على الكيان العروبي، مالكاً لمصيره بلا مهانة، وبقاء القبيلة العربية إطاراً يحمي التكتل العربي مرحلياً، في مواجهة الأخطار المحيقة به، على أن يطور هذا الإطار بإدخال الجانب العلمي من الحضارة المعاصرة، لرفع مفاهيم الإنسان، وتوعيته بمتطلبات عالم اليوم. وأحرار يعني أننا قد نختلف، وقد نتناقش، وأننا نؤمن بحق الآخرين في التفكير، والنقاش بكل حرية، ولكننا في النهاية نلتزم بالرأي الصحيح، والملائم لأوضاعنا، وأن حل كل خلافاتنا الفكرية سيكون عقلانياً، دون لجوء إلى تدمير ما نبني من كيان، أو ما ورثنا من علاقات، إننا في النهاية إخوة في العروبة، والمواطنة، وفي مواجهة الخطر».

الإعلام

وإعلامياً، تفرغ تريم عمران تريم في 1980 للعمل الإعلامي رئيساً لمجلس إدارة «دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر»، التي أسسها مع شقيقه الدكتور عبدالله عمران، عام 1970، ومن ثم توقفت بفعل أوضاع طارئة، لتعود بقوة مرة أخرى عام 1980، وترأس تريم عمران، مجلس إدارتها، وصدرت عنها مطبوعات عدة، منها مجلة منوعات هي «كل الأسرة»، ومجلة «الاقتصادي» الشهرية اليومية باللغة الإنجليزية، ومجلة الأطفال «الأذكياء».

وفضلاً عن مشاغله ومسؤولياته داخل الدولة وخارجها، كان عضواً مؤسساً في منتدى التنمية لدول مجلس التعاون الخليجي، ورئيساً للجنة الإمارات للتكافل الاجتماعي، ونائباً لرئيس مجلس أمناء «مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية»، وعضواً في مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية. كما ترأس مجلس إدارة «مركز الخليج للدراسات» الذي كان يُصدر تقارير ثانوية عن القضايا العربية عامة، والخليجية خاصة. ثم ترأس بعد ذلك مجلس إدارة «مؤسسة تريم عمران تريم للأعمال الثقافية والإنسانية»، وألّف الكثير من الكتب عن قيام دولة الإمارات، وغير ذلك.

1
محمد بن راشد وتريم في افتتاح صحيفة الجولف تودي

التجديد والتحديث

وكان الراحل تريم عمران، رحمه الله، إعلامياً بامتياز، يعرف موقع الكلمة، ودورها، وتأثيرها، وما يترتب عليها، وحظي بمكانة كبيرة في المنطقة كلها، وفي ذلك ومما رواه عنه محمد الحربي أيضاً «كان تريم عمران لا ينظر إلى الساحة المحلية عند قياسه للأمور في الصحافة، شكلاً ومضموناً، بل كان، من كثرة أسفاره واختلاطه بأهل الاختصاص، واطلاعه، يتلمّس ما يمكن تطبيقه في «الخليج» الجريدة، حيث إذا ما استنسب شيئاً، لم يتأخر في تنفيذه على الفور، تشوفاً للتميز، وللاحتفاظ بسبق الأولوية على صعُد عدة. وكان دائماً يريد أن يكون عمله نموذجاً يحتذى، يقلده الآخر، وليس العكس، بل الاحتفاظ بالآخر، في غمرة المنافسة الشريفة».

و«كان ممن يحبون التجديد، والتحديث على نحو مستمر، بل من عرفه وعمل معه، يعلم كم كان طرحه، أحياناً كثيرة، متقدماً على فريق العمل، فكان على أحدهم الاحتفاظ بقدراته مستفزة، كي يكون في الأقل، على الخط معه، كان يذكر دائماً، بالتاريخ، والتراث العربي الإسلامي المضيء، ويدعو إلى النهل منه بما يتواءم، مع الظواهر المختلفة، والمتنوعة القائمة في الراهن الثقافي والفني والفكري، والاجتماعي عامة، بدءاً من الإمارات، ومنطقة الجزيرة، والخليج العربية، وصولاً إلى المغرب العربي، والكثير من الدول الإسلامية».

صحافة غير مقيدة

وعن رؤية الراحل تريم عمران، لماهية الصحافة، وما يجب أن تكون عليه، التي انعكست في عمله الإعلامي، جاء قول صديقه عبد الغفار حسين «كان تريم عمران، يفهم الإعلام بأنه المعلومة الصحيحة، والمعرفة الصحيحة، وكان يؤمن بأن الإعلام إذا خلا من هاتين الصفتين، فإنه مجرد طبل أجوف، يؤذي السمع، وضرره أكثر من نفعه. وكان همّ تريم عمران، أن تكون الكلمة النزيهة التي تحمل المعلومة الصحيحة، والمعرفة الصحيحة هي العليا، وكان يؤمن أن هذه الكلمة النزيهة هي البلسم، لكل الأوبئة السياسية والاجتماعية، التي يعانيها المجتمع العربي، سواء في بيئته المحلية، أو الإقليمية، وهذه الكلمة هي القادرة على أن تشير إلى مواطن الفساد، والأوبئة».

ويضيف عبد الغفار حسين: «وكون تريم عمران إعلامياً وليبرالياً في التفكير السياسي، كان يؤمن بأن الصحافة غير المقيدة هي الأساس في النهوض من الكبوة، وعلى العرب أن يطلقوا الصحافة من عقالها، ويرفعوا عنها المحظورات، كي تؤدي دورها في التوجيه، والإرشاد، إلى الطريق السليم، والابتعاد عن الغواية، والضلالات».

افتتاحيات الراحل.. جرأة وتوازن وموضوعية

افتتاحيات الراحل تريم عمران تريم في صحيفته «الخليج» تضمنت الكثير من أفكاره التنويرية، والموضوعية، وآرائه الجريئة، وتحليلاته المتوازنة، لأحداث الواقع حينذاك، ولم يكن مبالغاً في تفنيدها، ولا مزايداً في مناقشتها، ولا منحازاً لحدث ما، أو تفصيله معينة، على حساب أخرى.

«الجامعة وصناعة المستقبل»

ففي مقال بعنوان «الجامعة وصناعة المستقبل» قال: من بين الكثير من المؤسسات التي بنيناها، الجامعة وحدها تبقى الاستثمار المضمون المردود، فهناك يصنع الإنسان، الغد، والوطن الصغير يعيش وعينه على هذا الصرح الأمل، وأذنه تحصي نبضاته، وقلبه ملهوف ومشفق، والذي يريد أن يرى وطن القرن القادم، عليه أن يبحث عنه في العين، بين القاعات، والمعامل، والمدرجات، وخلال مناقشات ساخنة، متحمسة، فياضة بالأحلام، والطموحات، والأخطاء طبعاً، «لا بأس» ولكنها ليست خطايا.

1

«باقون»

وفي مقال بعنوان «باقون» قال: كل مرحلة في حياة الأمم تفرز نقيضها، وهذا في السياسة وعلومها صحيح صحة قانون نيوتن: «لكل فعل رد فعل، مساو له في القوة، ومضاد له في الاتجاه» وهذه الأمة العربية ليست نشازاً بين الأمم، ولا نقيضاً لنواميس الطبيعة، بل نحن وفي أشد لحظات التاريخ حلكة، لم نفقد القدرة على التجدد، ولم تعقم أرحامنا عن التوالد، ولم تعجز جماهيرنا عن إنجاب الرجال.

«إن الله لا يغير ما بقوم»

وبعنوان «إن الله لا يغير ما بقوم» جاءت افتتاحيته، ومن قوله فيها: الحكم يدافع عن نفسه بالعدل، والثورية تدافع عن نفسها بوسائل تتماشى مع سمو أهدافها، فلا يمكن الوصول الى الغايات العظمى بوسائل حقيرة، والناس تقيم حكومتها لتحميها، وعندما تنسى أي حكومة هذه المهمة، وتتحول وظيفتها من تأمين الناس الى ترويعهم، ومن المحافظة على حياتهم الى قتلهم، فإنها تفقد شرعيتها، ومبرر وجودها، وبالتالي يستحيل الدفاع عنها، أو الاقتناع بشعاراتها.

«عصر الحيتان والسردين»

وفي افتتاحية بعنوان «عصر الحيتان والسردين» جاءت كلماته: إن الثروة تحتاج الى قوة بحجمها وإلا ضاعت، هذه حقيقة يجب أن نفهمها، وإن أمن المنطقة يعلو على الحساسيات القبلية، والنزاعات الحدودية، هذه حقيقة أخرى، وإلا فإن الذي يعرض الحماية، وصديقه الذي يفرض الحماية، لن يجد من يمنعه أن يدخل دون استئذان بعذر، أو من دون عذر، فنحن أهل الخليج نربك كل القوى العالمية لشدة غنانا، وشدة ضعفنا تماماً، كما كانت الدولة العثمانية في طور احتضارها، فلم يمنع من التهامها، إلا عدم اتفاق الذئاب على الأنصبة في تركة «الرجل المريض».

«العرب وعقدة الخواجة»

وفي افتتاحيته «العرب وعقدة الخواجة» قال: ندوة مركز الخليج للدراسات العربية حالة متميزة لحاجتنا لأن نفكر لأنفسنا، وانعقاد ندوة «الخليج» وهي جهد علمي عربي منظم متحد الهدف، والرؤية القومية الأمينة، يحرك قضية مهمة، وهي أن تقف الجهات المسؤولة في وطننا الى جانب مراكز البحث العلمي، بحيث تكون نتائج الأبحاث، والدراسات العربية مرتكزاً حياً عند صناعة القرار السياسي، وهي بالضرورة نتيجة لدراسة علمية، ولن يملك القدرة عليها إلا المتخصصون.

ثوابت أساسية
من واقع معايشة الراحل تريم عمران، حينما كان يتولى رئاسة مجلس إدارة «الخليج»، قال عنه الكثيرون إن أهمية تريم عمران تريم، فضلاً عن الوضوح الذي تميز به، وامتلاكه للجرأة في التعبير، التي كان يضخها في الآخر، تنبع من ثوابت حرص عليها، يحسبها المرء أنها السبب في نجاح العمل الذي وقف وراءه، وأعطاه من نفسه وذهنه الشيء الكثير، ذلك هو مؤسسة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckwf7kr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"