إعداد: مصطفى الزعبي
نشر الجراح الاستشاري جيمس كينروس، المتخصص في ميكروبيوم الأمعاء، والمحاضر الأول في جراحة القولون والمستقيم في قسم الجراحة والسرطان في إمبريال كوليدج لندن البريطانية، كتاباً جديداً لشرح سبب أهمية الميكروبيوم للصحة البشرية.
وللجراح اهتمامات بحثية حول كيف يسبب ميكروبيوم الأمعاء سرطان القولون والمستقيم، وكيف يمكننا التأثير فيه لتحسين صحتنا؟ واستخدام الذكاء الاصطناعي لدعم القرار في الوقت الحقيقي في غرفة العمليات. ويتناول كتابه «المادة المظلمة» دور الكائنات الحية الدقيقة، الضارة والمفيدة، في أجسامنا، وتأثير عدم توازنها في نظامنا وفي العالم من حولنا على صحتنا.
يشير الميكروبيوم إلى جميع الكائنات الحية المجهرية الموجودة في بيئة معينة، وجميع الأشياء التي تحتاجها للحفاظ على نفسها، فهي موجودة في العديد من أجزاء الجسم، ونمتلكها في كل مكان حولنا، وفي داخلنا، لذا، على سبيل المثال، كوكبنا يحتوي على ميكروبيوم، ولدينا مثله على جلدنا، وفي رئتينا، وأمعائنا.
وتطورت الميكروبات لدينا معنا، وهي تتغير، وتنمو معنا على مدار حياتنا، وتسهم في دور تكافلي مهم في صحتنا، فهي تحتاج إلينا للبقاء على قيد الحياة، ولكننا نحتاجها أيضاً.
أهمية
يوضح د. كينروس أن الأطباء تعلموا أن الميكروبيوم المعوي له أهمية حيوية للصحة، وبطبيعة الحال، يساعدنا على هضم وامتصاص طعامنا، واستقلاب الفيتامينات والمعادن والأدوية، لكن له أيضاً دور رئيسي يلعبه في نظام المناعة لدينا، إذ توجد نسبة كبيرة من جهاز المناعة لدينا داخل القناة الهضمية، لأنه يتعين عليه معالجة عدد كبير من المستضدات البيئية. والمستضد هو أي مادة تجعل جهاز المناعة لدينا ينتج أجساماً مضادة ضده، ويمكن أن يكون ذلك حبوب اللقاح، أو المواد الكيميائية، أو الفيروسات، وفي يوم واحد فقط، سيتعين على الأمعاء أن تتعامل مع مستضدات أكثر مما ستتعامل معها بقية الجهاز المناعي طوال العمر.
وإن الميكروبيوم المعوي لدينا مسؤول عن تثقيف أنظمتنا المناعية أثناء نمونا، وعن التحكم في كيفية عمل هذه الأجهزة المناعية لاحقاً في الحياة، مع تقدمنا في العمر.
وبدأ العلماء الآن بفهم الدور الذي يلعبه الميكروبيوم المعوي، وتحديد خطر الإصابة بالأمراض المزمنة أو غير المعدية، مثل مرض السكري، والتهاب المفاصل، والحساسية، والسرطان.
النظام الغذائي
يشرح البروفيسور فرضيته العامة، وهي أن العلماء يشهدون تغيراً جوهرياً في نوع وعدد ووظيفة الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش داخلنا، وحدث ذلك خلال فترة زمنية قصيرة جداً، والسبب في ذلك لا يتعلق بالنظام الغذائي والطعام فقط، بل أيضاً ببيئتنا سريعة التغير، والتي نسميها «الإكسبوسوم»، وحقيقة أننا نتناول الآن الكثير من الأدوية، خاصة المضادات الحيوية.
ويشرح البروفيسور أن العلماء قارنوا الأنظمة الغذائية بين الدول الأوروبية وأمريكا والموجودة في إفريقيا، حيث تتمتع المجتمعات الريفية بأنظمة غذائية نباتية عالية الألياف.
ونادراً ما يأكلون اللحوم، وعندما يفعلون ذلك، يكون لحمها قليل الدهن، ويمارسون الرياضة كثيراً، ويعيشون في مجتمعات اجتماعية، حيث يزرعون معاً، ويطبخون معاً، ويتشاركون أطباق الطعام، لذا، فهم يتبادلون ويتشاركون الميكروبات عبر العديد من الطرق المختلفة، ونتيجة لذلك، فإن لديهم مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء أكثر تنوعاً ومرونة.
وإذا قمت بتغيير نظامهم الغذائي إلى نظام غني بالدهون والبروتين ولكنه منخفض الألياف، فسترى تغيرات جذرية في وظائف الميكروبات الموجودة داخل أمعائهم، وتسبب هذه التغييرات الالتهابات وتؤدي إلى حدوثها، ويعتقد العلماء أن هذا يزيد من خطر الإصابة بالسرطان والأمراض المزمنة الأخرى.
حماية
يتعرض الميكروبيوم المعوي لدينا لأضرار بالغة في حياتنا المبكرة. وهذا لا يؤدي فقط إلى تعزيز الالتهاب وحساسيتنا لنظام غذائي سيئ، على حد وصف البروفيسور، ولكن الميكروبات لدينا أقل مرونة وتنوعاً، ولهذا السبب نشهد على مستوى السكان زيادات مثيرة للقلق في خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم والربو والحساسية والتوحد والتهاب المفاصل الروماتويدي، وغيرها من الحالات المزمنة.
والخبر السار هو أنه يمكنك استهداف الميكروبيوم لتغيير هذه المخاطر، على سبيل المثال، وجدنا في الأبحاث أن خطر الإصابة بالسرطان يمكن تقليله بسرعة كبيرة إذا قمت بإلغاء الطابع الغربي لنظامك الغذائي، والانتقال إلى نظام غذائي غني بالألياف، ونباتي وقليل الدهون ومنخفض البروتين. ويؤدي هذا إلى تغيير وظائف الميكروبات الموجودة في الأمعاء بسرعة كبيرة، وتبدأ بإنتاج الكثير من الجزيئات الصغيرة التي تسمى المستقلبات التي تحمي الأمعاء.