حوّلت إسرائيل الجوع سلاحاً في حربها على قطاع غزة في واحدة من أسوأ وأفظع الحروب التي شهدتها البشرية في العصر الحديث، وربما في كل العصور. هو قرار اتخذته حكومة بنيامين نتنياهو عن سابق تصور وتصميم ضد الشعب الفلسطيني في إطار خطة لتهجيره وتصفية قضيته، بالتوازي مع آلة الحرب التي تمعن تدميراً وقتلاً واجتثاثاً للبشر والحجر، بحيث زاد عدد الضحايا عن واحد وثلاثين ألف إنسان معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من ضعفهم جرحى لا يجدون العلاج، بعد أن تعمد الجيش الإسرائيلي تدمير المستشفيات، ومَنع وصول الأدوية والمستلزمات الطبية.
لم تنفع كل المناشدات الدولية ولا قرار منظمة العفو الدولية في إلزام إسرائيل بتسهيل وصول المساعدات لقرابة مليوني فلسطيني يُطبِق عليهم الموت من البر والجو والبحر، بل عمدت إسرائيل مؤخراً إلى منع وكالة «الأونروا» من تقديم المساعدة إلى شمال غزة، وذلك بالتزامن مع قرار الكونغرس الأمريكي وقف تمويل وكالة «الأونروا» حتى مارس/ آذار 2025، وتخصيص مبلغ 3.8 مليار دولار مساعدات عسكرية لإسرائيل، وذلك في خطوة تكشف أن الإدارة الأمريكية تقدم لحكومة نتنياهو كل ما يلزم من عتاد وتغطية سياسية وإعلامية، كي يواصل الحرب التي بدأها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ولأن صوت الرأي العام العالمي الذي يضج في مختلف عواصم ومدن العالم، مطالباً بوقف الحرب، من دون جدوى، ولأن الساعة سوف تدق بشكل أسرع نحو المجاعة والموت، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى «تلطيخ إنسانيتنا الجماعية» كما يقول المفوض العام لوكالة «الأونروا» فيليب لازاريني.
من جهته دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدول التي أوقفت تمويل «الأونروا» إلى التراجع عن قرارها، لأن هذه الوكالة هي السبيل لتوفير الحياة للمدنيين في غزة. وكان غوتيريش قام منذ يومين بزيارة إلى معبر رفح للاطلاع على الوضع الإنساني المأساوي للفلسطينيين، حيث أعلن من هناك أنه «يحمل أصوات الأغلبية العظمى من دول العالم التي سئمت ما يحدث.. هُدمت المنازل وقضت عائلات، وأجيالها بأكملها، في ظل المجاعة التي تحيق بالسكان». ووصف معاناة النساء والأطفال ب«الكابوس الذي لا ينتهي». الأمر الذي أثار حفيظة وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي وصف الأمم المتحدة بأنها «منظمة معادية للسامية ولإسرائيل وتؤوي الإرهاب»، وهو رد فعل يفضح حقيقة إسرائيل كدولة معادية للمنظمات الدولية وللقوانين والقرارات الدولية.
ولتوضيح مدى الكارثة أكثر، فقد أفاد تصنيف عن معدلات الجوع عالمياً نشرته وكالات الأمم المتحدة قبل يومين بأن النقص الشديد في الغذاء بقطاع غزة «تجاوز بالفعل مستويات المجاعة، وأن الموت الجماعي أصبح الآن وشيكاً». وجاء في التصنيف «إن الإجراءات اللازمة لمنع المجاعة تتطلب قراراً سياسياً فورياً لوقف إطلاق النار، وزيادة كبيرة في وصول المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية إلى جميع سكان غزة».
«إن الجوع يستخدم سلاحاً في الحرب، وإسرائيل تتسبب في حدوث مجاعة»، كما يقول جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي. هي شهادة غربية حول وجه من وجوه حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.
