الشارقة: جاكاتي الشيخ
الفنان محفوظ ذنون يونس، خطاط عراقي متميز، حصل على شهادة القانون من جامعة الموصل، وعمل في بداية مشواره المهني محامياً، قبل أن يتفرغ لممارسة فن الخط العربي، ويبدع فيه، لتُزين أعماله الفنية العديد من المساجد والمباني في العراق، وخارجه، شارك في العديد من المعارض المحلية، والإقليمية، والدولية، ونال العديد من الجوائز المرموقة.
بدأ اهتمام ذنون يونس بالخط العربي في صغره، فكان يحرص على اقتناء الكتب المتخصصة في تعليم هذا الفن، بخاصة تلك التي ألّفها خطاطون كبار، ثم يقوم بتقليدها، ليبدأ، لاحقاً، التدرب عليه بإشراف من خطاطين عراقيين ذوي باع كبير في المجال، حتى أتقنه، وظل مستمراً في مسيرته الخطية، ليصبح اسماً معروفاً في المجال، محلياً وعربياً، بفضل انتشار أعماله التي طالما نالت إعجاب المشتغلين على الخط العربي، والمهتمين به، كما تتلمذ على يديه العديد من طلبة فن الخط في المعاهد، والمؤسسات الفنية، وعبر شبكة الإنترنت، فهو من الذين يؤمنون بأهمية الحفاظ على هذا الفن، باعتبار ذلك مساهمة في الحفاظ على التراث العربي، بخاصة في جانبه الجمالي، لأن ترقية الأذواق العامة هي صناعة الإنسان الذي يقدّر القيم السامية، كما يرى أن الخط العربي يجسد صورة الإبداع والتجديد، من خلال ما يوفره من خصائص؛ تمكن المبدع فيه من تقديم أعماله برؤيته الخاصة، ويعتقد أن هذا الفن يحتاج إلى المزيد من الاهتمام، وتسليط الضوء، ويُصر على أن التجديد فيه؛ لا يستقيم إلا بالمحافظة على روح أصالته، ولذلك فإنه يكتب بالأساليب التقليدية حصراً، بخاصة خطوط النسخ، والديواني، والرقعة، والطغراء، والثلث الذي كتب به اللوحة التي نتناولها هنا.
سلاسة
اختار الخطاط يونس قول الله تعالى في سورة الأنبياء: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾، وخطّها بخط الثلث الجلي، الذي يتميز بكونه من الخطوط السلسة من ناحية القراءة، رغم صعوبة كتابته، لأن حروف كلماته تظهر بشكل واضح، من دون أن يؤثر فيها ما يُعمله فيها الخطاطون من مهارات التدوير، والبسط، والاعتدال، فتبدو مشرقة بما تناله من تراكيب، وما يصاحبها من زخارف وتزيينات.
لقد أراد الخطاط تشكيل المعنى الدلالي لهاتين الآيتين في لوحته الخطية، حيث جعل اللهُ السماء سَقفاً فوق الأرض، من دون أن ترفعها أية أعمدة، فهي محفوظة بقدرته من السقوط، ولكن ذلك الحفظ ليس إلا آية من آياتها الكثيرة التي يعرض عنها الذين لا يؤمنون به، ولا يعتبرون بها، ومن أجلِّها وأوضحها تعاقب الليل والنهار، بما يوفره الليل من سكن وراحة، وما يوفره النهار من نشاط وحركة، وتعاقب الشمس والقمر اللذَّيِن يدور كلٌّ منهما سابحاً في مداره الخاص به من دون أن يصطدم بالآخر.
تشكيل دلالي
ويَبرز التشكيل الخطي للمعنى الدلالي لنص الآيتين من خلال الشكل العام لهذه اللوحة، حيث صممها على شكل مدار فلكي تتوسطه دائرة بمثابة الأرض، وكتب في الجزء العلوي من المدار الآية الكريمة: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾، ليجسد المعنى الدلالي للآية، والذي يوحي بجعل الخالق جلّ جلاله السماء سقفاً محفوظاً، فذلك الموضع العلوي هو مكان السقف، وكتب في الجزء السفلي من المدار - كقاعدة للشكل الخطي - قوله تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَر﴾، ليوحي بأن تعاقب الليل والنهار والشمس والقمر هو القاعدة التي ينبني عليها نظام الحياة المستمرة بذلك الانتظام الدائم المذهل، فيما كتب قوله تعالى ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ كدائرة تتوسط شكل المدار، ليتبادر إلى ذهن المتلقي شكل الأرض، ودورانها الذي يعتبر جزءاً من ذلك التعاقب؛ بل هو مركزه، لأن تلك الأرض هي مكان الإنسان الذي جعله الله فيها خليفة.
وقد أبدع يونس في أسلوب خطّه للوحة، وأتقن فيها إظهار الخصائص الجمالية لخط الثلث الجلي، مع محاولته تقديمه بشكل متميز، من خلال رقة حروفه/ وإحكام خطوطه، خاصة في الطريقة التي دَوَّر بها حرف السين لترسم حدود الدائرة، والطريقة التي كتب بها «في»/ وكاف «كل» بحركة واحدة، كما كان لاقتصاره على اللونين الأسود والبرتقالي الفاتح دور في إشراق اللوحة، ما يجعلها مريحة للمتلقي وباعثة على الألفة الفنية.