عادي

«الناتو» في قبضة الانتخابات الأمريكية

23:07 مساء
قراءة 8 دقائق
1
كامالا هاريس في أحد اجتماعات «الناتو» بواشنطن

د. أيمن سمير
لن يسهر الشعب الأمريكي بمفرده ليلة الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني، القادم لمعرفة الفائز بالانتخابات الأمريكية، بل سوف تنتظر معه شعوب 31 دولة أخرى هذه النتيجة بفارغ الصبر، وهي الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وذلك بسبب التخوفات الشديدة لدى كندا و30 دولة أوروبية أخرى، أعضاء في الحلف من فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي ترى الكثير من دوله، أنه لن يكون ملتزماً بدعم قوي للحلف، على غرار الحزب الديمقراطي ومرشحته كامالا هاريس، التي وعدت في برنامجها السياسي بدعم التحالفات العسكرية والسياسية التي تقودها الولايات المتحدة، مثل «الناتو» و«أوكوس» و«كواد الرباعي»، و«العيون الخمس».
رغم تراجع ترامب عن التصريحات التي قال فيها: إنه سوف يشجع روسيا على غزو أي دولة في «الناتو» لا تدفع الأموال الكافية لحمايتها، إلا أن أصداء هذه التصريحات لا تزال تقلق دول حلف الأطلسي، ووصل الأمر للخوف من انسحاب ترامب من الحلف على غرار انسحابه من منظمة الصحة العالمية في 8 يونيو 2020، والانسحاب من «اليونسكو» عام 2017، وانسحابه من «اتفاقية باريس للمناخ» في نوفمبر 2020.
كل هذا دفع الدول الأوروبية للبحث عن قيادة جديدة لحلف الناتو حال فوز ترامب واتخاذه قرار بالانسحاب من الحلف أو وقف التمويل العسكري واللوجستي للحلف، الذي تأسس في 1949 ب12 عضواً، واليوم بات فيه 32 عضواً، وهو ما يطرح سلسلة من الأسئلة حول مدى جدية تهديدات ترامب لحلف «الناتو»، وما هي الخيارات الاستباقية، التي يمكن أن يقوم بها «الناتو» لتشجيع ترامب على البقاء في الحلف ودعمه، خاصة أن الديمقراطيين أنفسهم باتوا يتحدثون كثيراً عن ضرورة «تقاسم الأعباء» على غرار ترامب، سواء عندما يكون الحديث عن الحلف نفسه أو القضايا المرتبطة بالأمن الجماعي الغربي، مثل توفير الدعم العسكري المستدام لأوكرانيا، فما هي رؤية كل من كامالا هاريس ودونالد ترامب لحلف «الناتو»؟ وهل الحلف يعد عنواناً للمصالح العسكرية الأمريكية أم أنه بات عبئاً مالياً ودفاعياً كبيراً على واشنطن؟
رؤية هاريس
وفق البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي، وكلمة المرشحة الرئاسية كامالا هاريس أمام المؤتمر العام للحزب في كاليفورنيا الشهر الماضي، فإن دعم وتعزيز «الناتو» جزء رئيسي من رؤيتها للسياسة الخارجية الأمريكية، وهي رؤية لن تختلف كثيراً عن رؤية الرئيس الحالي جو بايدن، الذي استثمر الكثير من الوقت والجهد لبناء سلسلة من التحالفات العسكرية وتعزيز التحالفات السابقة.
في 15 سبتمبر 2021 أسس الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس «تحالف أوكوس»، الذي يضم مع الولايات المتحدة الأمريكية، كلاً من: أستراليا والمملكة المتحدة، وسمح بتزويد أستراليا للمرة الأولى بغواصات تعمل بالطاقة النووية، وأعاد الرئيس بايدن الروح لتحالف «كواد الرباعي»، الذي يضم مع الولايات المتحدة كلاً من: الهند، اليابان وأستراليا، واستثمر بايدن وهاريس الكثير من الوقت لتعظيم العائد من التحالف الخماسي «العيون الخمس»، الذي يضم: كندا، بريطانيا، أستراليا، نيوزيلندا والولايات المتحدة.
التحالفات العسكرية
ليس هذا فقط، بل إن إيمان الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس بقيمة وأهمية التحالفات العسكرية، أسهم في التقارب التاريخي بين اليابان وكوريا الجنوبية، وهما من حلفاء واشنطن الآسيويين، ولم يتوقف البيت الأبيض عند كل هذا، بل سعى بكل جهده لتعزيز العلاقات الدفاعية والتحالفات العسكرية الثنائية مع دول وأطراف أخرى، مثل بناء المزيد من القواعد العسكرية الأمريكية في أستراليا، وتشجيع اليابان على الوصول إلى نسبة إنفاق عسكري لنحو 2%، وهي نسبة الإنفاق نفسها في حلف الأطلسي، وزيادة وصول القوات الأمريكية إلى القواعد العسكرية الفلبينية، والتي وصلت إلى 9 قواعد بعد أن كانت 4 فقط قبل مجيء جو بايدن، وتعزيز التعاون العسكري مع فيتنام.
انطلاقاً من هذه الفلسفة، فإن رؤية كامالا هاريس لحلف «الناتو» تقوم على مجموعة من الثوابت، وهي:
1 - ضرورة أمريكية
كان الدافع الرئيسي وقت تأسيس الحلف قبل 75 عاماً تحقيق 3 أهداف رئيسية، وهي أن يكون الاتحاد السوفييتي خارج أوروبا، أن تظل الولايات المتحدة في أوروبا، بينما الهدف الثالث هو احتواء ألمانيا، وعدم تحولها إلى قوة عملاقة تهدد العالم من جديد.
على مسار الأسلحة التقليدية سوف تنشر الولايات المتحدة بداية من عام 2026 صواريخ «توما هوك»، بعيدة المدى، في ألمانيا مع أسلحة أخرى أسرع من الصوت، وذلك التزاماً شعار الحزب الديمقراطي بالدفاع عن «كل شبر» من أراضي «الناتو»، ووصل عدد القنابل النووية «التكتيكية» التي نشرها الديمقراطيون في أوروبا خلال السنوات الثلاث الماضية لنحو 640 قنبلة نووية مع كافة مستلزمات «المثلث النووي» للرد على أي هجوم نووي تتعرض له أي دولة من دول الحلف.
2 - التشجيع على زيادة الإنفاق
وهي قضية أثارها بقوة المرشح الجمهوري دونالد ترامب في ولايته الأولى، ويتحدث عنها كثيراً مع جي دي فانس، مرشحه لمنصب نائبه، وأسهمت سياسة الديمقراطيين في التفاوض مع دول «الناتو» عبر «دبلوماسية الأبواب المغلقة» في وصول 20 دولة من دول الحلف لنسبة إنفاق دفاعي 2% بدلاً من 3% فقط حينما تم إقرار هذه الزيادة في قمة حلف «الناتو» في ويلز عام 2014.
3- توسيع الشراكات مع «الناتو»
رؤية كامالا هاريس التي جاءت في برنامج الحزب الديمقراطي تقول: إن أمن وسلامة دول «الناتو» لا تقتصر فقط على التعاون بين الدول الأعضاء في «التحالف الأطلسي»، لكن أيضاً عبر تعزيز الأمن والسلام في المناطق المجاورة وحتى البعيدة، لهذا أقر «الناتو» في قمة الحلف في مدريد عام 2022، خططاً للتعاون مع الدول الإفريقية التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بما يسمى «الجناح الجنوبي» للحلف، خاصة التحديات التي ترتبط بهذا الجناح من قضايا الإرهاب العابر للحدود.
4 - ربط «الناتو» بالتحالفات الآسيوية
تقوم رؤية كامالا هاريس على الربط العضوي والبنيوي بين حلف «الناتو» والتحالفات العسكرية الأمريكية الأخرى، سواء في شرق آسيا أو في منطقة «الإندو- باسيفك»، وهي تحالفات «أوكوس» و«كواد الرباعي»، والتحالفات الثنائية مع كوريا الجنوبية واليابان وفيتنام والفلبين.
5 - ترسيخ للعقيدة العسكرية الأمريكية
تقوم فلسفة الديمقراطيين في قيادة الولايات المتحدة ل «الناتو» على أن هذه القيادة ترسخ العقيدة العسكرية الأمريكية لدى جيوش الحلفاء، وأن غالبية الأسلحة التي تعاقدت عليها دول الحلف، جاءت من المصانع الأمريكية.
هل ينسحب ترامب من الناتو؟

الصورة


سادت حالة من عدم اليقين في الدول الأعضاء بحلف «الناتو» في 28 يونيو الماضي، عندما رفض ترامب في مناظرته الأولى مع جو بايدن الإجابة على السؤال: هل ستنسحب من حلف الناتو؟، ومن حينها يعقد سفراء ومندوبي 31 دولة أعضاء في الحلف اجتماعات ماراثونية للوصول إلى هدفين: الأول، هو التعرف إلى حقيقية نوايا ترامب تجاه الحلف، والثاني البحث في الوسائل والأدوات التي يمكن أن تقنع ترامب بدعم الحلف، وعدم الانسحاب منه حال دخوله البيت الأبيض في 20 يناير القادم، وتقوم رؤية ترامب للحلف على مجموعة من «التشابكات»، وهي:
أولاً: استغلال أمريكا
بينما ينظر الديمقراطيون للحلف على أساس أنه يعزز القوة والهيمنة والتفرد الأمريكي بقيادة العالم، ينظر المرشح الجمهوري دونالد ترامب له باعتباره «عبئاً مالياً وسياسياً على الولايات المتحدة، فهو يعتقد أن الولايات المتحدة يحميها محيطين، الأطلنطي والهادئ، وتستطيع الدفاع عن نفسها بما لديها من موارد وجيش قوي وأسلحة متقدمة، خاصة أن واشنطن، وهي القوة الأكبر في الحلف، تنفق أكثر من الدول الأخرى التي هي في حاجة أكثر له من الولايات المتحدة الأمريكية.
ويوجه ترامب سهامه بشكل خاص إلى الدول الأوروبية الغنية الأعضاء في الحلف التي لا تنفق كثيراً على الشؤون الدفاعية، مثل البرتغال التي تنفق 1.4% من الناتج القومي، وإسبانيا التي تنفق 1.6%، كما أن دول مثل، النرويج وألمانيا وهولندا لم تتخط بعد 2%، ويطالب ترامب أن يزيد الإنفاق الدفاعي للشركاء في»الناتو«على 3%، وليس 2% كما جاء في وثيقة قمة ويلز 2014.
ينطلق ترامب برؤيته هذه من أن الولايات المتحدة أنفقت في العام المالي 2023 2024 نحو 886 مليار دولار على الدفاع، بنسبة تصل إلى نحو 3.7% من الناتج الإجمالي الأمريكي، الذي بلغ عام 2023 نحو 27 تريليون دولار، ولا تزال نحو 12 دولة في»الناتو«لم تتجاوز عتبة 2%.
ثانياً: صراع الأجنحة
لا يقف ترامب على مسافة واحدة من جميع دول»الناتو»، فهو قريب جداً من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، كما يمتدح دول «الجناح الشرقي» في الحلف، الذي يضم 9 دول يطلق عليها مجموعة «بودابست»، التي تضم كلاً من: ليتوانيا، لاتفيا، إستونيا، رومانيا، بلغاريا، المجر، بولندا، سلوفاكيا والتشيك.
ويظهر بوضوح تفضيل ترامب لدول شرق ووسط أوروبا على حساب دول غربها، الأعضاء في الحلف الأطلسي، وقد يعود ذلك لأن دول شرق ووسط أوروبا أكثر إنفاقاً على شراء السلاح الأمريكي من دول الغرب.
ثالثاً: وقف المساعدات لأوكرانيا
أكثر المخاوف التي تهيمن على دول «الناتو» تكمن في وقف المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، وهناك توافق كامل بين ترامب والمرشح الجمهوري لمنصب النائب جي دي فانس على ضرورة توقف إرسال الأموال والأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا، وخاض جي دي فانس معركة حامية في مجلس الشيوخ لوقف الحزمة الأخيرة من المساعدات الأمريكية إلى أوكرانيا والتي وصلت إلى نحو 61 مليار دولار.

الصورة


تخشى دول «الناتو» أن يجبر ترامب أوكرانيا على عقد اتفاق سلام غير عادل من وجهة نظرها مع روسيا يدفع كييف للتنازل عن جزء من أراضيها لمصلحة موسكو، وكل هذه التخوفات دفعت دول الحلف، للتفكير في أدوات جديدة لتمويل الحرب الأوكرانية مع روسيا عبر أدوات بديلة، مثل شراء 2.5 مليون قذيفة مدفعية سنوياً لأوكرانيا، أو تخصيص نسبة من الناتج القومي من دول «الناتو» لمصلحة أوكرانيا.
رابعاً: التساهل مع الكرملين
تخشى الكثير من دول «الناتو» أن تسهم الرؤية الإيجابية لترامب عن الزعيم الروسي فلاديمير بوتين إلى تساهل ترامب مع أهداف موسكو، رغم أن ما جرى في فترة ولاية ترامب يقول عكس ذلك بعد انسحاب ترامب من اتفاقية منع إنتاج ونشر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، التي تحمل رؤوساً نووية في أوروبا في أغسطس 2019.
البحث عن بدائل
يعمل «مخططو المستقبل»، و«أصحاب تقديرات المواقف» في حلف «الناتو» على البحث عن البدائل حال فوز ترامب بالرئاسة وإصراره على الانسحاب من الحلف عبر عدد من الآليات، من بينها، زيادة الإنفاق، وهي استجابة مباشرة لشكوى الرئيس ترامب من عدم كفاية الإنفاق العسكري لدى الكثير من الدول الغنية في الحلف، وباتت الدول الأوروبية الأعضاء في «الناتو» أكثر ثقة في تعامل ترامب بإيجابية مع الحلف الأطلسي بعد أن وصلت 20 دولة في الحلف إلى عتبة 2% من الإنفاق على الدفاع، بعد أن كانت 6 دول فقط في الولاية الأولى لترامب، بل وصلت بعض الدول مثل، بولندا وليتوانيا إلى أكثر من 4% من الإنفاق.
خيارات «الناتو»
يأمل أعضاء «الناتو» في فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في الانتخابات القادمة، لكن حال فوز ترامب، هناك مجموعة من الأدوات التي تفكر نحو 31 دولة في «الناتو» باتخاذها، أحدها إيجاد «قيادة بديلة»، ففي حال انسحاب ترامب من الحلف، تفكر الدول في مجموعة خيارات لقيادة الحلف، من بينها ألمانيا، لكن جيشها ضعيف مقارنة بالجيش الأمريكي، بينما الجيش الفرنسي أقوى، لكن إيمان فرنسا ب«الناتو» طوال العقود الماضية كان فيه شكوك كثيرة لأنها أمضت أكثر من 43 عاماً خارجه، بينما بريطانيا دولة نووية وجيشها قوي، لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أضعف دورها السياسي والأمني في أوروبا، ولهذا هناك تفكير في بولندا التي باتت أكثر دول الحلف إنفاقاً على التسليح.
أما الخيار الثاني فإنه يكمن في إعطاء دور أكبر ل«الناتو» في التصدي للصين، وهو أمر يمكن أن يشجع ترامب للبقاء في الحلف ويطرد فكرة التخلي عن الحلف أو الخروج منه.
[email protected]

الصورة
1
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yrssf6nh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"