عادي

أدب نجيب محفوظ..السرد يغني

20:26 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: الخليج
في كتابه الصادر عن مؤسسة بيت الحكمة للنشر والتوزيع، بعنوان «الغناء والطرب في أدب نجيب محفوظ» يرصد علي قطب دور الغناء في أعمال نجيب محفوظ، ويضع في حسبانه توظيف الشعر في القصص والروايات أيضاً، لما يمنحه الشعر من غنائية تسري في كيان النص السردي. كما يسير الطريق بالقافلة التي تضم الأحبة والغرباء في الذهاب والإياب، فإذا كان الحادي هو الذي يحث الإبل على السير، فإن الغناء عند محفوظ هو ذاك الحادي الذي يحرك قافلة السرد بكل عناصرها الدرامية المتشابكة التي يكرسها لاكتشاف فلسفة الحياة.
يتناول هذا الكتاب مجموعة من المحاور التي تتطلبها دراسة الغناء والشعر في الأعمال الإبداعية الكاملة لنجيب محفوظ منذ الثلاثية الفرعونية (عبث الأقدار – رادوبيس – كفاح طيبة) إلى أصداء السيرة الذاتية وأحلام فترة النقاهة، وهذه المحاور تعالج ظاهرة الغناء عند محفوظ بوصفها قضية يناقشها الخطاب السردي مثلما يناقش كثيراً من القضايا الحضارية من ناحية، وتحدد دور الغناء في بنية النص الدرامي وإدارة تصاعده وقراءة النص من خلال تردد الصوت الغنائي أو الشعري من ناحية ثانية، وتحلل أثر الغناء في أسلوب نجيب محفوظ وتوظيف المبدع لمفردات لغة الموسيقى في تكوينات مجازية دالة على رؤيته لكيمياء التواصل في علاقات الذات بنفسها وبغيرها والوجود.
المحور الأول معالجة موضوعية لظاهرة الغناء في السرديات المحفوظية يعرض ما خصصه نجيب محفوظ من مساحات في إبداعه للحديث عن الفن الغنائي وتطوره وطرائقه، وهذا المحاور ينطلق من فرضية ترى أن مبدعنا يتعامل مع السرد كما لو كان مجالاً لمناقشة فلسفة الفن، وهنا يقترب نجيب محفوظ من أفلاطون في محاوراته التي عالج فيها كثيراً من القضايا الحضارية.
في المحور الثاني يتأمل نجيب محفوظ الغناء داخل البنية الدرامية للعمل القصصي أو الروائي. إن الأغنية مفتاح إدارة الحركة السردية، فهي صوت يتردد على موجة الصراع الدرامي الداخلي في مونولوجات الشخصيات والخارجي في علاقات هذه الشخصيات سواء أكانت تلك العلاقات توجهاً نحو التواصل أو مؤشراً للصراع، ويصل استخدام الأغنية عند محفوظ لتكون المعادل الروحي لمسار الشخصية، بالإضافة إلى دلالة الأغاني والموسيقى والأشعار على التكوين الثقافي للشخصيات ومحيطها الاجتماعي وموقفها من الحياة.
وللشعر أهمية في خطاب محفوظ القصصي والروائي سواء أكان استخدامه لمحاكاة نص سردي له قيمة خاصة في التراث الأدبي أم لاستحضار تجربة تاريخية قارئة لتجربة عصرية أم للإشارة إلى تشكيل الذات الباحثة عن اليقين لصيغة يتجلّى فيها سعيها الروحي نحو الحقائق المضمرة في تجربتنا البشرية من الجذور إلى مستحدثات العصر.
يتخذ المحور الثالث طابع النظر اللغوي عند محفوظ الذي يكتب كل حرف بوعي تتضافر فيه الحسية والذهنية والحدسية، والأغاني في هذا المجال صورة لغنائية الأسلوب نفسه في تعامله الشعري مع لغة السرد، وهذا التعامل لم يخفت مع تطور النظرية السردية عند نجيب محفوظ، بل ظل يتصاعد ليصل إلى أعلى درجاته في الكتابات الأخيرة، وكأن النفس في اقترابها الأخير من خط النهاية تتصاعد روحها لتسكن كل متحرك وساكن في أبجديتها الفنية، وهكذا كان الخطاب السردي عند نجيب محفوظ ملتمساً من الغنائية دعماً أسلوبياً يدل على الروح الشرقية لهذا المبدع العالمي.
مع دراسة المحاور الثلاثة يضع علي قطب معجماً للأغاني عند نجيب محفوظ وآخر لأبيات الشعر الواردة في قصصه ورواياته لتكون دليلاً يستأنس به قارئ محفوظ ومحفزاً لمزيد من الدراسات لأعمال أديبنا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrenmp4s

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"