الشارقة: جاكاتي الشيخ
الناشر: معهد الشارقة للتراث
«الطيور في الرؤى والأحلام»، ذلك هو عنوان كتاب علي العبدان، والذي يسعى فيه إلى تقريب تفسير الأحلام في التراث العربي من قراء اليوم، بما يُمكنهم من فهم واستيعاب ما يحويه هذا الجزء الكبير من التراث الروحيّ؛ الغني بالأدبيات والخبرات النفسية.
صدرت الطبعة الأولى للكتاب عن معهد الشارقة للتراث، سنة 2024، وجاءت في 204 صفحات، وهو من بين المؤلفات التي طبعت في إطار الدورة 24 لملتقى الشارقة الدولي للراوي.
اشتمل الكتاب على مقدمة وعدد من المباحث، أولها «مدخل موجز إلى الاختلاف في طبيعة تفسير الأحلام»، الذي ذكر فيه المؤلف منهج العلماء المسلمين في تقسيم أنواع الرؤيا، ثم شيئاً من قواعد تعبير الرؤيا لديهم، مع مقارنة بينهم وبين المسيحيين القدماء، ومن جاء بعدهم في مرحلة الحداثة، مثل سيغموند فرويد، وصولاً إلى المعاصرين، مثل جون ألان هوبسون الذي يورد له قوله: «أذهلتْ الرؤى والأحلام البشر منذ فجر التاريخ المُدوّن على الأقل، ولأن الحلم حيٌّ جداً، ومُعقَّدٌ جداً، وعاطفيٌّ جداً، فقد ألهم الكثير من الحركات الدينية... والاتجاهات الفنية التمثيلية أو التشخيصية (مثل اتجاه الفنان جيوتو)، والنظريات المعرفية الاستنباطية (سيغموند فرويد كأوضح مثال)، وقد اعتمدت هذه التوجهات ما قبل الحداثية فكرة أن الأحلام تحوي رسائل لا يمكن توصيلها بأية طريقة أخرى غير الحلم».
*تأويلات
ويرى المؤلف أن علم تفسير الأحلام في تراثنا العربي، والإسلامي خاصة يعتمد في تأويلاته على المعاني والمفاهيم التي استقرت في اللاوعي، سواء الفردي منه والجمعي، والتي تظهر في شكل رموز في المنام، كما يعتمد على الاستدلال اللغوي والاشتقاق، ويستفيد في ذلك من نصوص الدين الإسلامي المتعلقة بهذا السياق، والخبرة المعرفية الموروثة من استقراء طبائع الأشياء، وجميع الأمور التي تدور في فلك الحياة والوجود، فحقيقة الحلم في تراثنا العربي والإسلامي تختلف عنها في العلوم الحديثة، فالحلم في تراثنا قد يكون خطاب نفس، وقد يكون خطاباً غيبياً لا بالكلام، بل بالصور التي يراها النائم، والتي تعتبر رموزاً دالّة على معان عدة، يفسِّرها سياق الرؤية أو الحلم، ويُقسّم تراثنا العربي والإسلامي الرؤيا إلى ثلاثة أقسام: رؤيا من الله، وهي إما بشارة بخير وفَرَج، وإما نذير يشير إلى إثم وخطر، ورؤيا من الشيطان، وهي الأحلامُ التي تأتي لتُسبِّبَ الحزن والفزع لرائيها، وليس لها تأويل أو اعتبار، وحلم حديث النفس، ويدخل فيه ما يشعر به الإنسان أو يهتم به، فهذا مجرّد انعكاس للواقع المحيط بالحالم، ويخلص المؤلف إلى أن القسم الأول – فقط – هو الذي يمكن تأويله في التراث العربي والإسلامي.
* مناهج
أما مادة الكتاب الرئيسة: الطيور في الرؤى والأحلام، فقد تناولها المؤلف في عدة مباحث، بدأها بتمهيد وضّح فيه مناهج التأليف في تفسير الأحلام في التراث الإسلامي، مُصَوِّباً بعض آرائه التي سبق وأن نشرها سابقاًَ حول الموضوع، حيث يرى أن المنهج الأول هو التأليف حسب القواعد، ثم إتباعها بالموضوعات، أو التأليف حسب الموضوعات، مع التركيز على تقديم ذكر القواعد، وتوضيحها والتوسع فيها، فهو منهج يؤكد الاهتمام بتأصيل القواعد، وكتب هذا النوع قليلة العدد، لما يتطلّبه من وفرة التنظير، والجرأة العلمية على التجديد، والخبرة العالية، ومنه كتاب «تعبير الرؤيا» لابن قتيبة الدينوري (ت 276هـ)، ومنه أيضاً كتاب «البدر المنير في علم التعبير» مع شرحه، للشيخ الشهاب العابر (ت 697هـ). والمنهج الثاني هو التأليف حسب الموضوعات، دون كبير اهتمام بتأصيل القواعد، وهو ما جرى عليه غالبية المؤلفين في المجال، فهم يهتمون بترتيب الموضوعات والإكثار من التفاصيل، ومن أشهر كتبه «البشارة والنذارة في تعبير الرؤيا» لأبي سعد الواعظ (ت 407هـ)، وهو كتاب ينسب خطأً لابن سيرين، ومنه أيضا «تعطير الأنام في تعبير المنام» للشيخ عبد الغني النابلسي (ت 1143هـ)، و«تنبيه الأفهام بتأويل الأحلام» للمُلا الأحسائي (ت 1270هـ) وغيرها. والمنهج الثالث هو التأليف حسب حروف المعجم، ومنه كتاب «المُعلَم على حروف المعجم» للشيخ ابن غنّام المقدسي (ت 779هـ). أما المنهج الرابع فهو التأليف بالنظم، ويشبه التأليف حسب الموضوعات، حيث لا يختلف عنه إلا بكونه ينظم في أرجوزة لتيسير حفظ أصول هذا العلم، وتأويلاته، ومنه أرجوزة «الألفية الوردية في التعبير» لابن الوردي (ت 749هـ).
* كتب
ولعرض مادة (الطيور) ورمزيتها في الأحلام، انتقى المؤلف ثلاثة كتب، سعى إلى إيضاح فقراتها بالتعليق عليها، وإبداء ملحوظاته، حيث بدأها بكتاب «تفسير الأحلام» لأرتميدوروس، وهو الكتاب الوحيد غير العربي في هذا المُؤلَف، ويُعلِّل تناوله بأهميته، فقد نقل عنه كثير من علماء المسلمين، وتحدّث عن الطيور في المنام في مواضع متفرّقة، ابتدأها بفقرة ذكر فيها الطير البحري، حيث يقول: «الطير البحري وجميع ما شابهه، هو لمن يسير في البحر دليل رديء، يُصيِّرهم إلى حالة ضيق من غير موت أو تلف، وذلك أن هذا الطير وكل ما يشبهه يغوص في الماء، ولا يموت ولا يتلف ولا يختنق في ماء البحر»، كما عرض المؤلف تفسير أرتميدوروس لرؤية طير البحر بالنسبة لغير المسافرين في البحر، وتفسيره لرؤية طيور الهواء بالنسبة للأغنياء والفقراء، حيث يأخذ كل راءٍ حسب حاله، ثم تناول تفسيره لرؤية أنواعها المحدّدة، مثل العقاب الذي يشير إلى تطابق أحد تأويلاته لرؤيته مع ما ذكره أبو سعد الواعظ في كتابه سالف الذكر، دون أن يعزوه إليه، وهو قوله «وركوب العقاب للأشراف دليل الهلاك».
ثم تناول كتاب «تعبير الرؤيا» لابن قتيبة الدينوري، الذي وجد أن الطيور الجارحة ترمز في تأويلاته للأحلام إلى السلطة والشرف، بينما تختلف رمزية بقية أنواع الطيور لديه، كالبوم والغراب والعقعق والطاووس، والحمامة والدجاجة وغيرها، والتي رأى أن الكثير من تأويلاتها لا تناسب العصر، إلا أنه يشير إلى أن تأويله لطيور البحر إيجابي مختلفا في ذلك عن أرتميدوروس الذي اعتبره سلبياً، وتناول بعد ذلك كتاب «البدر المنير في علم التعبير» للشهاب العابر، حيث عرض تقسيماته ومفاهيمه لبابه السادس (في الحيوان)، الذي ذكر فيه مسائل الطير، فهو يرى في هذا العرض فائدة كبيرة لفهم تأويل رمز الحيوان بشكل عام في المنام، حيث قسمه الشهاب إلى: ما هو خير مطلق ينتفع به الناس، وما هو شر يضرهم، وما فيه خير وشر، وما لا خير فيه ولا شرّ، وقد جعل الطيور فيما فيه خير وشرّ، ثم ألحق بهذه الكتب الأبيات الخاصة بالطيور من أرجوزة «العبير في التعبير» لعبد الغني النابلسي، ولم يُسهب في التعليق عليها ولا توضيح معانيها، لكونها توجز ما سبق ذكره في الكتاب.
ثم ختم كتابه بملحق يضم صوراً طبيعية لأربعة وخمسين طيراً مما ورد ذكره فيه، بغية إفادة القارئ بصرياً، وألحقه بمسرد للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها في هذا المؤلف.
اقتباسات
«يستقي علم تفسير الأحلام لدى العرب والمسلمين كثيراً من قواعده في تفسير المحتوى الحلمي من دلالات نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن حكم العرب وأمثالهم».
«كان الكثير من علوم القدماء يعتمد الاستقراء منهجاً قبل ظهور التجارب العلمية التطبيقية».
«الاستقراء هو تتبع الجزئيات للحكم بها على الكليّات، لتصبح الكليّات قواعد للحكم على جزئيات أخرى».
«أنتج الاستقراء الكثير من القواعد المستعملة لدى علماء تفسير الأحلام المسلمين، فكانوا ينظرون متى تصدق تأويلاتهم للرؤى فيتبعون ما تشابه من المسائل التي صدق فيها التأويل».
«من قواعد تفسير الأحلام أن الرمز في الرؤيا أولى من الكلام، لأن الأحلام عالم رموز وصور تدل هي – لا الكلام –على المعاني».