د. تامر متولي
بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية الذي نحتفل به في أكتوبر/ تشرين الأول كل عام، يجب أن نتذكر أن الصحة النفسية ضرورة لا ترف، ففي ظل التطور السريع الذي يشهده العصر الرقمي، أصبحت قضية أساسية تفرض نفسها في حياة الأفراد والمجتمعات على حد سواء.
ما كان يُعتبر رفاهية في السابق بات اليوم حاجة ملحة لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية. في الوقت الذي يسعى فيه العالم نحو المزيد من التقدم التكنولوجي والتحول الرقمي، تزداد التحديات النفسية التي يواجهها الأفراد نتيجة للتوتر والضغوط التي يفرضها نمط الحياة السريع والمليء بالمحفزات الرقمية.
تأثير العالم الرقمي في الصحة النفسية لا يمكن تجاهله، إذ يعتمد الكثير من الأشخاص اليوم على الأجهزة الذكية والتطبيقات الرقمية لإدارة حياتهم اليومية، من العمل إلى الترفيه وحتى العلاقات الاجتماعية. ورغم الفوائد الكبيرة التي تقدمها التكنولوجيا، إلا أن الإفراط في استخدامها قد يؤدي إلى نتائج عكسية تؤثر في السلامة النفسية. لقد أصبح العالم الافتراضي مكاناً قد يزيد من مشاعر القلق والعزلة نتيجة التفاعل المستمر عبر الشاشات دون تواصل بشري حقيقي ينمي الشعور بالقيمة ويعزز من مهارات التخاطب والحوار البناء.
تحديات
في العصر الحديث، هذا العصر الرقمي، نواجه تحديات غير مسبوقة، فالتكنولوجيا التي تهدف إلى تسهيل حياتنا اليومية، قد تؤدي في بعض الأحيان إلى زيادة مستويات التوتر. يُمكن أن تكون الضغوط الناتجة عن ثقافة «السرعة» والانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي عبئاً إضافياً على الصحة النفسية. على سبيل المثال، يشعر الكثيرون بالضغط لتحقيق النجاح الشخصي والمادي بشكل سريع، ما يعزز الشعور بالفشل أو النقص أو الإحساس بمشاعر الإحباط والخوف.
الصحة النفسية ليست مجرد غياب للاضطرابات، بل هي القدرة على مواجهة التحديات بوعي واستبصار، خاصة في عالم رقمي يتسارع إيقاعه ما يستدعي منا وضع حدود صارمة في حياتنا اليومية لتحقيق التوازن بين ما تفرضه التكنولوجيا من متطلبات وما تطلبه أنفسنا من راحة.
أهمية
يتفق الخبراء على أن الصحة النفسية يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من روتيننا اليومي، تماماً كما نعتني بصحتنا الجسدية. من الضروري أن نتعلم كيفية إدارة التوتر والضغوط النفسية الناجمة عن الحياة الرقمية الحديثة. قد تتطلب هذه العناية ببساطة وضع حدود لاستخدام التكنولوجيا، أو تخصيص وقت يومي لممارسة الرياضة أو التأمل، أو حتى قضاء وقت مع العائلة والأصدقاء بعيداً عن الشاشات.
الاهتمام بالصحة النفسية منذ البداية يمكن أن يقلل من احتمالية الإصابة باضطرابات نفسية مستقبلية، كما أن دعم الأفراد بتقنيات لإدارة القلق والتوتر يمكن أن يكون له أثر إيجابي طويل الأمد في جودة حياتهم.
نحو مستقبل أفضل
الصحة النفسية في العصر الرقمي ليست مجرد قضية فردية، بل هي مسؤولية جماعية، فالجميع مسؤول عن تعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية، وتوفير الدعم اللازم لتحسين جودة حياة الأفراد. إن العالم الرقمي الذي نعيش فيه يوفر فرصاً لا حصر لها، ولكن من المهم أن نكون واعين للتحديات والمخاطر التي تأتي معه، وأن نتعلم كيفية التكيف مع هذه التحديات بطريقة صحية وإيجابية.
استشاري الطب النفسي والرئيس الطبي في مركز ريم نيوروساينس