نحن لا نحصد ما نغرس فقط، بل نحن من الأساس حصاد ما غرسه الآخرون فينا منذ الطفولة أيضاً. لو يدرك كل واحد منا حجم الأثر الذي يحدثه في وعي الأطفال، لضمنا أن مستقبلنا بألف خير، ولو كنا ندرك أن كل فعل يصدر عنا أمام الطفل قد يحدد إن كان سيصبح ناجحاً أم فاشلاً، متزناً في شخصيته، منحازاً للخير، أم يجد في الشر ملجأ له من ذكريات طفولته السيئة، لأصبحت ترجمة شعار بناء أجيال الغد أكثر سهولة ووعياً.
إلى هذا الحد وأكثر تؤثر النماذج والقدوات في حياة الأطفال، كثير من الدراسات أثبتت أن من يحيطون بالطفل، وبشكل خاص الذين لهم مكانة بارزة، يكون تأثيرهم على الطفل أكثر من كافة مصادر المعرفة التقليدية، ومن بين هذه النماذج يبرز المعلمون الذين تولي الدول والحكومات، وبشكل خاص دولة الإمارات العربية المتحدة، أهمية كبرى لدورهم، وتحرص دوماً على أن يكونوا مصدر إلهام وتشجيع، وأثبتوا فعلاً أنهم شركاء لهذا البلد في تنشئة أبنائه.
يذهب الطفل إلى مدرسته حاملاً صورة نموذجية عن المعلم رسمها المجتمع وأحاديث الأهالي، ما يجعله قابلاً للتأثر بشكل عميق بالمعلم، بل وتجعل منه حساساً جداً تجاه أي صغيرة وكبيرة تصدر عنه، لأن المعلمين ليسوا مجرد مصادر للمعلومات، بل صناع أجيال وبناة مجتمعات.
بعض الأساليب التي يمارسها المعلمون ظناً منهم أنها ستشجع الطلبة على الاجتهاد، تمثل بدون قصد أحياناً، شكلاً من أشكال التنمر التي تكون تداعياتها سلبية على علاقة الطفل بالعلم طوال عمره. أثبتت دراسة لجامعة هارفارد أن 70% من الطلاب الذين يتعرضون لتعليقات سلبية من معلميهم يعانون من تدنٍ في الثقة بالنفس ويواجهون صعوبة في الأداء الأكاديمي. بينما يزداد الشغف لدى الطلبة الذين يتلقون التحفيز بنسبة 85%.
تُحدث الممارسات غير المباشرة من المعلمين ضرراً كبيراً في نفوس الطلبة، مثل تجاهل آرائهم أو السخرية منها، أو وضع بعضهم في دائرة الاهتمام، بينما يُهمش الآخرون، وتتجلى خطورة هذه الممارسات في أنها تمس القيم الأساسية التي يجب أن نربي عليها أبناءنا مثل المساواة والعدالة والتعاطف ومساندة الأقل حظاً، إذ لا يمكن غرس هذه القيم في وعي أبنائنا وهم يرون مواقف تتعارض معها من أهم الشخصيات في حياتهم.
لا يحتاج الطلبة إلى تلقي المواد التعليمية بشكل احترافي عالي الجودة فقط، بل أيضاً إلى معلمين يفهمون تحدياتهم النفسية والاجتماعية، قريبين منهم، أصدقاء لهم، عادلين معهم، يثرون حياتهم بالنماذج الإيجابية.
ليس المقصود هنا أن نوجه الانتقادات ضد المعلمين الذين بنوا وأسسوا الطاقات البشرية للأمم، لدرجة أن كل فرد منهم يكاد أن يكون رسولاً بحسب وصف الشاعر العربي الكبير أحمد شوقي، بقدر ما نريد التأكيد على القيمة العالية لرسالتهم، وهنا لا بد من ذكر أن للأهل دوراً كبيراً في تعزيز هذه العلاقة عند أبنائهم من خلال تقديم الصورة النبيلة التي تليق بالمعلم وتذكرنا جميعاً بمهنته النبيلة وأثرها المستدام في حياتنا.
https://tinyurl.com/yjucubhz