إعداد ـ محمد كمال
لم يترك الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب فرصة للتعبير عن مدى تقديره للزعيم البريطاني التاريخي ونستون تشرشل إلا واغتنمها، حيث يعتبره مثله الأعلى في السياسة والإدارة، لدرجة أن ترامب العائد إلى البيت الأبيض سيطحب معه مجدداً تمثالاً تمت إزالته من قبل جو بايدن، بينما يصف بعض السياسيين عودة ترامب المذهلة إلى منصبه بأنها أعظم عودة منذ فعلها تشرشل بطريقة مشابهة في إنجلترا عام 1951
مقربون من ترامب قالوا إنه تعهد بشكل مفاجئ للمملكة المتحدة بإعادة تمثال نصفي من البرونز لونستون تشرشل إلى المكتب البيضاوي باعتباره «علامة احترام» لزعيم بريطانيا العظيم في زمن الحرب، بعد أن أزاله بايدن واستبدله بتمثال لزعيم الاتحاد الإسباني سيزار تشافيز.
ويضيف المصدر المقرب من ترامب، لصحيفة «ديلي ميل»، أن: «أحد الأشياء الأولى التي سيفعلها هو إعادة تمثال تشرشل النصفي إلى المكتب البيضاوي كدليل على الاحترام».
وبينما لتشرشل أم من أصول أمريكية، فإن لترامب والدة تعود أصولها إلى المملكة المتحدة، حيث ولدت ماري في اسكتلندا ثم هاجرت إلى الولايات المتحدة في عام 1930، ولا تحمل معها سوى 50 دولاراً، وجلست مع شقيقتها، ثم كافحت في العمل، وأصبحت أمريكية عام 1942، بعد ست سنوات من زواجها من فريد ترامب في مدينة نيويورك.
ولهذا نشأ ترامب على حب القصص واللغة الإنجليزية، وكثيراً ما وصف تشرشل بأنه مثله الأعلى، بل و«يعتقد أنه أعظم زعيم شهده العالم»، وسبق أن قال ترامب إن فيلمه المفضل على الإطلاق، هو «أحلك ساعة» The Darkest Hour، والذي يعد سيرة ذاتية لرئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية تشرشل، حيث يكشف الفيلم الحائز على جائزة الأوسكار والذي تم إنتاجه عام 2007 الفترة العصيبة التي قضاها تشرشل أثناء الحرب، حيث وقعت على عاتقه مهمّة انتشال بريطانيا من الوضعية الخطرة التي عاشتها في ظلّ زحف القوات النازية بقيادة هتلر داخل أوروبا.
قصة التمثال
كان تمثال تشرشل النصفي، الذي صنعه النحات الإنجليزي الحداثي جاكوب إبستين، هدية من أصدقاء ونستون تشرشل في زمن الحرب إلى الرئيس ليندون جونسون في عام 1965. ثم احتل مكانة مرموقة في المكتب البيضاوي حتى عام 2009 عندما استبدله باراك أوباما بأحد قادة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ.
وفي ذلك الوقت، انتقد رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون، الذي كتب سيرة تشرشل، أوباما بل ووصل إلى حد قوله «كراهية الأجداد للإمبراطورية البريطانية».
وعندما تغلب ترامب على هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016، قام على الفور بإزالة التمثال النصفي لمارتن لوثر كينغ وأعاد تشرشل «إلى مكانه».
ولم يفوت ترامب فرصة إدانة المتظاهرين الذين كتبوا كلمة «عنصرية» على تمثال لتشرشل في لندن خلال احتجاجات «حياة السود مهمة». وقال المصدر: «كان يعتقد أنه من المخزي أن يهاجم الناس صورة تشرشل عندما أنقذ تشرشل العالم من النازية».
أعظم عودة منذ تشرشل
يبدو أن الساسة المقربون من ترامب يدركون مدى ولعه بسياسات تشرشل، لدرجة أن نايجل فاراج، المقرب منه قال بعد هزيمة ترامب لكامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية إنها «أعظم عودة منذ تشرشل»، في إشارة إلى أن تشرشل هُزم في الانتخابات العامة البريطانية عام 1945 ثم عاد إلى السلطة عام 1951.
ويبدو أن ثمة مقاربة واضحة بالفعل، ففي حين أن ترامب الذي هزم أمام جو بايدن عام 2020، تخيل الكثيرون أن مستقبله السياسي قد انتهى عند هذا الحد، خصوصاً مع توالي الأحداث واقتحام أنصاره لمقر الكونغرس الأمريكي، ثم اتهامه في قضايا جنائية، ولكنه أذهل العالم بفوزه الساحق بالرئاسة الأمريكية، أمام كامالا هاريس، التي خاضت السباق بدلاً عن جو بايدن على أمل تحقيق انتصار للحزب الديمقراطي أو حتى أداء مشرف.
ترامب وأسرة تشرشل
أقام ترامب علاقات وثيقة مع عائلة تشرشل خلال فترة ولايته الأولى في منصبه، حيث زار قصر بلاينهايم، بمدينة أوكسفورد البريطانية، حيث مسقط رأس تشرشل، وصادق دوق مارلبورو الثاني عشر، الذي يسميه بمودة «الدوق»، حيث تتوارث الأسرة اللقب منذ الدوق الأول جون تشرشل عام 1702. أما قصر بلاينهايم التاريخي فقد بني بين عامي 1705 و1722، وهو المبنى الوحيد الذي يطلق عليه اسم «القصر» رغم عدم ملكيته للأسرة المالكة. وقد تم استخدام القصر كمستشفى عسكري خلال الحرب العالمية الأولى واستضاف جهاز المخابرات البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية. وشهد تصوير أفلام شهيرة مثل «جيمس بوند» و«هاري بوتر» و«المهمة المستحيلة» و«إنديانا جونز».
وقد قام الدوق، المعروف أيضاً باسم جيمي بلاندفورد، وهو من أسرة تشرشل برد زيارة ترامب عام 2019، حيث قام برحلة مدتها أربعة أيام إلى مارالاغو بفلوريدا.
علاقات متوترة
يأمل مراقبون أن تمثل إعادة التمثال إلى المكتب البيضاوي على يدي ترامب إلى تحسين العلاقات بين الرئيس المنتخب وحكومة حزب العمال البريطانية بقيادة كير ستارمر، وذلك بعد هجوم لاذع لوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي على ترامب حيث وصفه بأنه «مخدوع وغير أمين ونرجسي كاره للأجانب وليس صديقاً لبريطانيا» في تغريدة له عام 2019.
يعتبر المؤرخ وكاتب سيرة تشرشل أندرو روبرتس إعادة التمثال إلى المكتب البيضاوي:بالأخبار الممتازة، ولكنها لن تكون منطقية إلا إذا دعمها الرئيس ترامب أيضًا من خلال تبني سياسة تشرشل المميزة المتمثلة في تحدي الديكتاتوريات التي تغزو جيرانها.
ويقول المذيع والنائب المحافظ السابق روري ستيوارت: أنا سعيد بعودة تمثال تشرشل إلى المكتب البيضاوي. أياً كان رأينا جميعاً في دونالد ترامب، فمن المهم جداً بالنسبة لبريطانيا أن نحافظ على علاقة إيجابية مع رئيس الولايات المتحدة، الذي يظل القوة التي لا غنى عنها في العالم ومحور السياسة في النظام الدولي.
ويؤكد اللورد مايكل دوبس، مؤلف ثلاثية House of Cards: إنها منحوتة جميلة. كان تشرشل نفسه نصف أمريكي، فوالدته جيني ولدت في بروكلين. وأعرب عن اعتقاده بأن الشراكة بين بلدينا هي أفضل ضمان لعالم آمن. إنها علامة على الأمل الكبير الذي يريد الرئيس ترامب أن يستمد منه الإلهام. وقال: سيكون من المفيد جداً أيضاً أن يتوقف وزراء حزب العمل عن إهانته.
أما حفيد تشرشل، اللورد نيك
نبذة عن تشرشل
تقول دائرة المعارف البريطانية إن السير ونستون ليونارد سبنسر تشرشل وُلد في 30 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1874 في قصر بلينهايم بأوكسفوردشاير في إنجلترا، وتوفي في 24 يناير/كانون الثاني من عام 1965 في العاصمة البريطانية لندن.
وكان رجل دولة بريطاني وخطيباً مفوهاً ومؤلفاً وخدم كرئيس للوزراء مرتين الأولى خلال الحرب العالمية الثانية بين عامي 1940 و1945 والثانية بين عامي 1951 و1955، وقد حشد الشعب البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية وقاد بلاده من حافة الهزيمة إلى النصر.
وبعد مرور عشرات السنين على وفاته، مازال الكثيرون يعتبرون تشرشل أعظم سياسي بريطاني. لكن طريقه لم يكن سهلاً دائماً، فمن المشاكل في المدرسة إلى الأخطاء في المنصب، غالباً ما كان طريق تشرشل نحو العظمة صعباً.