عن المؤلف
بريت نيلسون أستاذ في معهد الثقافة والمجتمع بجامعة ويسترن، تركزت أبحاثه على الهجرة والعولمة .
يشهد النظام العالمي تحولات جذرية تعيد تشكيل موازين القوى وتحديات العولمة بشكل لم يسبق له مثيل، مع تزايد التوترات الجيوسياسية والتغيرات الاقتصادية، تظهر أسئلة جديدة حول العلاقة بين «الغرب» وما يُطلق عليه «البقية»، حيث يتداخل الاقتصاد مع السياسة والحرب في صياغة نظام عالمي متعدد الأقطاب، يأتي هذا الكتاب ليستكشف هذه التغيرات ويفهم أبعادها وتأثيرها على مستقبل النظام الدولي.
يقدم الكاتبان ساندرو ميتزادرا وبريت نيلسون في هذا العمل رؤية تحليلية لأسباب تصاعد الصراعات الجيوسياسية وأثرها على النظام العالمي. ينطلق الكتاب من فرضية مفادها أن العولمة لم تعد مجرد عملية اقتصادية تقودها القوى الكبرى، بل أصبحت ساحة لتشابك معقد بين الاقتصاد والسياسة والحرب.
يشير المؤلفان إلى أن الرأسمالية المعاصرة لم تعد قادرة على العمل بمعزل عن الصراعات، لأن الحرب باتت عنصراً جوهرياً في إعادة تشكيل بنيتها، حيث تُستخدم كأداة لإعادة توزيع السلطة والموارد، يعكس هذا التوجه تحولاً في فهم الإمبريالية، إذ يتجاوز النظر إليها كسيطرة غربية على بقية العالم ليصبح مفهوماً يتسع لدور «البقية» كفاعلين أساسيين في صياغة التوازنات الجديدة.
يرفض الكتاب التصنيفات التقليدية التي تقسم العالم إلى «الغرب» و«البقية» بشكل متناقض، ويؤكد أن «البقية» لم تعد مجرد كيان هامشي، بل أصبحت جزءاً فاعلاً ومؤثراً في تشكيل النظام العالمي، يقدم المؤلفان بذلك قراءة جديدة للعلاقات الدولية، تضع الحرب في سياق أوسع من مجرد صراع بين القوى الكبرى.
الرأسمالية الحديثة والصراعات الدولية
يبدأ المؤلفان بفكرة أن الرأسمالية لا تعيد إنتاج نفسها فقط من خلال الاقتصاد، بل من خلال الديناميكيات السياسية والعسكرية أيضاً، ويبرزان ذلك من خلال الربط بين الرأسمالية الحديثة والصراعات الدولية، مما يمهد لفهم أوسع للعولمة وآثارها المتشابكة.
يقول المؤلفان في بداية العمل «في فبراير 2023، وبعد مرور عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، نشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إحاطة سياسية حول مواقف» الرأي العام العالمي «تجاه الحرب المستمرة. أعد هذه الإحاطة كل من تيموثي غارتون آش، إيفان كراستيف، ومارك ليونارد، تحت عنوان معبّر: (موحدون في الغرب، منقسمون عن البقية)، مشيرين إلى أن الحرب الأوكرانية أعادت التأكيد على وحدة (الغرب) تحت القيادة الأمريكية، ووسعت الفجوة بين (الغرب) و(البقية)».
يشير مؤلفا الكتاب إلى أنه يمكن التعبير عن ذلك بطريقة أخرى، بوجود فوضى وأزمات متزايدة في العالم، حيث يظهر «نظام» عالمي جديد يكون فيه «الغرب» مجرد جزء من الصورة، قوياً وغنياً، لكنه لن يكون القوة العالمية الوحيدة التي تنسق نوعاً من النظام الدولي القائم على القواعد الليبرالية».
ويقول المؤلفان: «رغم الأحداث التي وقعت بعد الانتهاء من هذا الكتاب، لا يمكننا الجزم بما إذا كانت التعددية القطبية المتزايدة في العالم تسهم في تحفيز معارضة دائمة للرأسمالية أم تعيقها، إن الدعوات إلى «الفوضى العالمية» ليست مجدية سواء كانت مبرراتها تستند إلى القوانين أو الأعراف الاقتصادية، بل إنها في رأينا ردود على وضع تكافح فيه الدول القومية للسيطرة على حركة الرأسمال وإعادة إنتاجه. كلتا الحالتين، سواء كانت الدعوات للنظام أو الفوضى، تعكس استجابات لسياق عالمي متوتر، عند التأكيد على أن الحرب تشكل جزءاً أساسياً من العولمة الرأسمالية، لا يعني ذلك أننا نقول: إن تراكم رأس المال لا يمكن أن يتم من دون صراعات إقليمية عنيفة، ولكن مثل هذه المواجهات تشكل جزءاً من الحروب الجارية في أوكرانيا وغزة، حيث وفرت إعادة التسلح الواسعة التي أثارتها هذه الحروب فرصاً لتحقيق مكاسب اقتصادية، كلا النزاعين يحملان جذوراً تاريخية معقدة، وتستلزم دراستهما بشكل أعمق لمعرفة أثرهما في الهيمنة الرأسمالية الحديثة».
ويوضحان أنه «في حالة أوكرانيا، يمكن ملاحظة صراعات بين مختلف أوجه رأس المال، مثل رأس المال الصناعي المستثمر في منطقة دونباس مقابل رأس المال المعلوماتي المتمركز في كييف. بالنسبة لنا، الحرب وأنظمة الحرب التي تظهر في عسكرة السياسة والاقتصاد بما يتجاوز القتال الجسدي، تعكس العمليات العالمية التي تؤطر الرأسمالية المعاصرة، مثل اللوجستيات، والتمويل، وانتشار المنصات الرقمية، وتشغيل البنى التحتية الكبرى، وبالتالي فإن تحليل دوائر تراكم الرأسمال يبدو مهماً بقدر أهمية الصراعات الإقليمية، كما يتضح من الأزمات المتعددة التي تشمل مثلاً تعليق خط أنابيب «نورد ستريم» في عام 2022، والتوترات حول الشحن في البحر الأحمر، التي ترتبط بالاقتصاد العالمي الحديث».
ويضيفان: لا يمكن ربط أقطاب العالم المتعدد الأقطاب اليوم بالمواقع الجغرافية التي تشغلها القوى الكبرى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، فالتحولات غير المنتظمة في خريطة الحرب، التي تعيد رسم خطوط الصراع والتحالف، تؤسس لنماذج جديدة من التوتر والتعاون، يتجلى ذلك في تدفقات الطاقة والسلع التي أُنشئت لتجاوز العقوبات المفروضة على روسيا، وكذلك في التضامن الشعبي اللافت مع النضال الفلسطيني الذي ظهر في معظم الدول الغربية، على الرغم من التناقض الواضح مع المواقف الرسمية لحكومات هذه الدول.
فهم التحولات الكبرى
يبيِّن الكتاب أنه من الواضح أن التعددية القطبية الصدامية والمتمركزة بعيداً عن مركز واحد هي السمة الرئيسة لعصرنا منذ الأزمة المالية في 2007-2008، حيث برزت المزيد من الحروب وتكاثرت أنظمة الحرب التي توحي بالمزيد من النزاعات في المستقبل، يتناول الكتاب في فصله الأول مفهوم الأزمات الاقتصادية المتكررة، مع تسليط الضوء على كيفية تحولها إلى عنصر دائم في النظام الرأسمالي وتأثيراتها على التوازنات الجيوسياسية.
ينتقل الكتاب في فصله الثاني إلى مناقشة دور الإنتاج في تشكيل النظام الاقتصادي العالمي، موضحاً كيف تغيرت أنماط الإنتاج في ظل العولمة وتزايد التوترات بين القوى المختلفة، يركز المؤلفان في الفصل الثالث، على العلاقة المتشابكة بين الحرب والرأسمالية، حيث أصبحت الحرب عنصراً جوهرياً في عمليات النظام الاقتصادي الحديث، لا سيما من خلال تعزيز الهيمنة وإعادة توزيع السلطة الاقتصادية والسياسية.
ويستعرض الفصل الرابع، كيف تعمل القوى العالمية المختلفة على إدارة الأقطاب الاقتصادية والجيوسياسية، مما يعيد تعريف العلاقات بين ما يسمى ب«الغرب» و«البقية».
يختتم الكتاب بفصل يتناول النقاط الساخنة للصراعات العالمية، حيث يتم تحليل الأقطاب كمراكز للتوتر الجيوسياسي والاقتصادي وتأثيرها على مستقبل النظام العالمي، ويقدّم رؤية جديدة لتفسير العولمة والنظام العالمي المتغير، معتمداً في ذلك على تحليل عميق للأنظمة الرأسمالية والصراعات الجيوسياسية التي تشكل وجه العالم اليوم.