عادي
صدر في الشارقة

«الشتاء».. مناخ الشوق والحنين

23:45 مساء
قراءة 4 دقائق
آلي سميث - الرواية

الشارقة: علاء الدين محمود

دار روايات

رواية «الشتاء»، للكاتبة الإسكتلندية آلي سميث، الصادرة عربياً في طبعتها الأولى عام 2022، عن دار روايات، بترجمة ميلاد فائزة، هي من الأعمال السردية العميقة، التي تغوص في دواخل النفس البشرية، حيث تطل على موسم الشتاء الذي يفعل بالبشر الأفاعيل.
فصل الشتاء هو موسم الحنين والوحدة والبرد والظلمة والخوف، لكنه أيضاً وقت الحكمة والهدوء والجمال الذي يتسرب إلى الإنسان في ذلك الصمت الذي يشبه الصومعة المحرضة على التأمل والتفكير في كل مظاهر البرد القارص وهو يحرض على التحولات الداخلية العميقة في الإنسان.
تثير الرواية الكثير من الأسئلة المتعلقة بفصول السنة الأربعة، وربما لن تكون المطالعة في الصيف تختلف في طقوسها عن ممارسة فعل القراءة في الخريف أو الربيع أو الشتاء، ولعل القارئ لن يجد، في هذه الأجواء الباردة خلال هذا الموسم، أفضل من رواية تحكي عن عوالم وأحاسيس الغربة والأشواق والحنين.
حكاية
تتحدث الرواية عن عائلة تتجمع في منزل كبير في «كورنوال»، من أجل لمِّ شمل عيد الميلاد. ينضم إلى الأم صوفيا والأخت إيريس الابن آرت، ولوكس، حيث يعتقدان أنها صديقة آرت وتدعى (شارلوت)، ومن خلال تلك اللحظة تبدأ تفاصيل السرد، حيث إن شخصيات هذه العائلة هي بمثابة أبطال للعمل، فصوفيا كليفس هي البطلة الرئيسية، وهي أبخل نساء زماننا، تاجرة متقاعدة لطالما قدّمَت مهمّات العمل على واجبات الأسرة، تعيش الآن، ليلة عيد الميلاد، في بيت ذي خمس عشرة غرفة فارغة، لكنها لم تكن وحدها، فثمّة رأس طفل أخضر يطفو حولها مثل بالون طائر يؤنس وحدتها. أو هكذا تتخيل، وفيما الليل يمضي بها، يتقطّع السّرد بين الماضي والحاضر كأنّه رؤية حُلميّة أمام القارئ، تصل أختها إيريس التي تجمعها بها علاقة ملتبسة، وهي الناشطة الحقوقية التي لا شيء من الأخطار التي قضت الخمسين عاماً المنصرمة تناضل لمحوها قد اختفى، وابنها آرت المهتمّ بالطبيعة وأحوالها، والذي يُبحر في الإنترنت ليبلّغ عن الفنّانين الذين ينتهكون حقوق الملكيّة الفكرية. وإلى هذه العائلة المتصادمة الأطراف، تصل تلك الغريبة التي تفترض أنها تحمل رُخصة قول الحقيقة، الحقيقة التي تُلقي الضوء على صدوع هذه الأسرة وأسرارها، ومن خلال هذا الاجتماع الأسري تبدأ تفاصيل ومنعطفات الحكاية.
جوهر
يركز العمل على تفكيك جوهر «الشتاء»، ذلك الفصل القاسي الحكيم، والذي رغم قسوته يثير الشجون ومشاعر الحنين، والرواية محتشدة بالمقاطع التي تشكل صورة عن الشتاء وتبرزه كعالم مختلف له خصوصيته، ونقرأ في الرواية بعضاً مما كتبته آلي سميث في تفكيكها لفصل الشتاء: «ما يتوق إليه بدلاً من ذلك، وهو يجلس على المائدة المتناثرة بالطعام، هو الشتاء، الشتاء نفسه. إنه يريد أساسيات الشتاء، وليس هذا التشابه الذاتي الرمادي في نصف موسم».
ونتابع: «إنه يريد شتاءً حقيقياً حيث الغابات مغلفة بالثلج، والأشجار مؤكدة ببياضها، وعراؤها يلمع ويعزز بسببه، والأرض تحت الأقدام مغطاة بالثلوج كما لو كانت بالريش المتجمد أو السحابة الممزقة، ولكنها مخطّطة بالذهب عبر الأشجار من الشتاء منخفض الشمس...»
فلسفة وسياسة
لكن الشتاء في الرواية ليس فقط هو ذلك الفصل الغامض، حيث تتجلى الرمزية بقوة من خلال أن يصبح ذلك الموسم بصورته تلك رمزاً لأشياء وممارسات أخرى، فتغوص الرواية في عوالم الفنون والهوية والثقافة والمجتمع وذلك التشظي الذي يشهده، فالعمل كذلك هو قصة متعددة الفصول والألوان عن السياسة البريطانية، وكذلك عن الفنانين في تلك البلاد التي تموت من البرد حيتانها كما يقول الروائي الطيب صالح، إذ تتجول الرواية في دهاليز الانتهازية السياسية في بريطانيا بشكل خاص وكذلك في الولايات المتحدة، في ظل عالم متغير بفضل العولمة والنظام العالمي الجديد.
أساليب
تكمن براعة الكاتبة في التعبير خلال السرد بتلك الرمزية اللطيفة غير الثقيلة عما ينوء به عالم اليوم من أثقال، وما يتطلب من حكمة، واستطاعت أن تستعين بالكثير من التقنيات السردية وتوظفها بشكل خلاق خاصة من خلال «الفلاش باك»، وهناك قوة الوصف والسخرية والمواقف الضاحكة والباكية في ذات الوقت، حيث غاصت الكاتبة في عالم وليم شكسبير واستعارت منه المقدرة المبتكرة على توظيف الكوميديا والتراجيديا من أجل صناعة عمل سردي ينتمي إلى عالم اليوم.
ثمة سرد بديع في الرواية، يحرض المتلقي على التفكير والتأمل في الأشياء من حوله.
صدى
صدرت هذه الرواية في الأصل عام 2017، وهي الثانية في سلسلة تتناول فيها الكاتبة فصول السنة الأربعة، بذات العمق الرمزي والدلالي، فهناك «الصيف»، و«الربيع»، و«الخريف»، إلى جانب هذه الرواية التي وجدت صدى كبيراً من قبل القراء والنقاد والصحف، حيث تبارى الجميع في امتداحها والثناء عليها.
ومن ذلك الكاتبة والناقدة ألكسندرا هاريس التي أشادت في صحيفة «الغارديان»، والكاتب جيمس وود من صحيفة «نيو يوركر»، والكاتبة ستيفاني ميريت من صحيفة «الأوبزيرفر»، التي وصفت الرواية بقولها: «تحمل الكثير من الإشارات ذات المدلولات السياسية، حيث عملت الكاتبة، بصورة موسعة على إضفاء الأسطورة على الحالة البريطانية الراهنة، ويكون الشتاء في أجمل حالاته عندما تتلاشى الأخبار وتندمج مع التاريخ الحديث والقديم، وهو تذكير بأن كل شيء دوري وغير ثابت».
إضاءة
الكاتبة آلي سميث من مواليد 1962، وهي مؤلفة وكاتبة مسرحية وصحفية، وعضوة في الجمعية الملكية البريطانية للأدب، كان والداها من الطبقة العاملة وقد نشأت بمنزل في إينفيرنيس. من 1967 إلى 1974 التحقت بمدرسة «سانت جوزيف آر سي»، الابتدائية، ثم التحقت بمدرسة إينفيرنيس الثانوية، وتركتها في عام 1980. تعلمت في جامعة أبردين، وكلية نيونهام، ولها العديد من الكتابات والمؤلفات السردية وحصلت على الكثير من الجوائز.

https://tinyurl.com/5n7fjjva

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"