عادي

إلغاء المواطنة بالولادة.. أمر ترامب في مهب «عواصف القضايا»

01:06 صباحا
قراءة 6 دقائق
إلغاء المواطنة بالولادة.. أمر ترامب في مهب «عواصف القضايا»

إعداد ـ محمد كمال
مع منع قاض اتحادي مؤقتاً الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي بإنهاء حق المواطنة التلقائية للأطفال المولودين على الأراضي الأمريكية، فإن ثمة وقائع وسوابق قضائية قد تؤدي إلى تعطيل هذا الأمر، حيث يعتبره كثير من خبراء القانون مخالفاً للدستور الأمريكي وأكثر من قرن من السوابق القانونية.
وفي جلسة استماع عقدت بعد ثلاثة أيام من إصدار ترامب لأمره التنفيذي، وقف قاضي المحكمة الفيدرالية جون كوهينور الأمر مؤقتاً، قائلاً إنه «أمر غير دستوري بشكل صارخ»، لكن سرعان ما أعلن الرئيس الأمريكي أن إدارته سوف تستأنف هذا الحكم الذي يعلق تقييد حق منح الجنسية الأمريكية بالولادة.

ترامب بعد ساعات من تنصيبه رئيساً لأمريكا، أصدر أمراً تنفيذياً يقضي بأن الأطفال المولودين في الولايات المتحدة لمهاجرين غير شرعيين لن يعاملوا كمواطنين بعد الآن. ويمتد الأمر أيضاً إلى أطفال الأمهات الموجودات في البلاد بشكل قانوني ولكن مؤقت، مثل السياح أو طلاب الجامعات أو العمال المؤقتين.
رداً على ذلك، رفعت 22 ولاية، إلى جانب الجماعات الناشطة والأمهات الحوامل، ست دعاوى قضائية لوقف ما أمر ترامب، بدعوى أنه ينتهك التعديل الرابع عشر للدستور، الذي ينص على أن «جميع الأشخاص المولودين أو المتجنسين في الولايات المتحدة، والخاضعين لولايتها القضائية، هم مواطنون أمريكيون»، كما فسرت السابقة القانونية منذ فترة طويلة التعديل، بأنه ينطبق على كل طفل يولد في الولايات المتحدة، مع استثناءات قليلة.
وفي القضية المرفوعة أمام القاضي كوجينور من المحكمة الجزئية الأمريكية للمنطقة الغربية في واشنطن، والذي رشحه الرئيس رونالد ريغان للمحكمة، قال المدعون العامون في واشنطن وإلينوي وأوريجون وأريزونا، إن أمر ترامب سوف يرفض الحقوق والمزايا لأكثر من 150 ألف طفل يولدون كل عام، وسيتم ترك بعضهم عديمي الجنسية، كما ستفقد الولايات أيضاً التمويل الفيدرالي لبرامج المساعدة المختلفة.
وتستشهد الولايات التي اشتركت في رفع الدعوى بشهادة مساعد المدعي العام آنذاك والتر ديلينجر، في عام 1995، والذي أخبر الكونغرس أن القانون الذي يحد من حق المواطنة بالولادة سيكون «غير دستوري في ظاهره»، وأنه حتى التعديل الدستوري من شأنه أن «يتناقض بشكل صارخ مع التاريخ الدستوري للدولة».

تفاصيل أمر ترامب 
ترامب وقع الأمر التنفيذي بعد وقت قصير من تنصيبه. وينص الأمر الذي يحمل عنوان «حماية معنى وقيمة المواطنة الأمريكية»، على أن إدارته لن تعترف بعد الآن بالجنسية التلقائية للأطفال المولودين على الأراضي الأمريكية لأبوين مهاجرين موجودين في البلاد دون تصريح، بشرط ألا يكون أي من الوالدين مواطناً أمريكياً أو مقيماً بشكل دائم وقانوني. 
والأمر، الذي قال ترامب إنه سيدخل حيز التنفيذ بعد 30 يوماً من توقيعه، يحظر أيضاً الحصول على الجنسية التلقائية للأطفال المولودين لأبوين غير أمريكيين موجودين في البلاد بتأشيرات عمل مؤقتة أو طلابية أو سياحية.

عوائق لوجستية
إضافة إلى السوابق القانونية، فإن خطة ترامب تواجه أيضاً عقبات لوجستية كبيرة، حيث تخطط الإدارة لتطبيق أمر ترامب من خلال حجب الوثائق، مثل جوازات السفر، عن الأشخاص الذين يعتبرهم غير مؤهلين للحصول على الجنسية. وينص الأمر أيضاً على أن الإدارة سترفض قبول المستندات من الحكومات المحلية أو حكومات الولايات التي ستقر الجنسية الأمريكية للأطفال بالتعارض مع أمر ترامب.
لكن إدارة ترامب لم توضح حتى الآن، من سيقوم بمراجعة الوثائق القانونية للآباء لتقييم ما إذا كان أطفالهم يمكن أن يصبحوا أمريكيين، وإذا كان هذا الدور سيتم إسناده إلى المستشفيات، أو شركات التأمين الصحي، أو الحكومات المحلية أو حكومات الولايات، أو المسؤولين الفيدراليين أو بعض السلطات الأخرى.

حق أصيل 
تقول منظمات الحريات المدنية في الولايات المتحدة: «إن حق المواطنة بالولادة محمي بموجب التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي، ويُمكن في نهاية المطاف أن يتم البت في قضية من قبل المحكمة العليا، والتي تشهد حالياً غلبة للقضاة المحافظين»، وعندما واجه ترامب سؤالاً عن أن المحكمة قد ترى أمره غير دستوري، قال: «يمكن أن يكون كذلك، لكن أعتقد أن لدينا أسباباً وجيهة، سنكتشف ذلك، إنه أمر سخيف، لقد أراد الناس القيام بذلك منذ عقود».

 30 دولة 
في حين تذرع ترامب بأن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تمنح حق المواطنة بالولادة، فقد أثبتت الحقائق أن هناك أكثر من 30 دولة تفعل ذلك، من بينها كندا والمكسيك وأغلبية دول أمريكا الجنوبية.
وتم تأسيس حق المواطنة بالولادة في الولايات المتحدة بموجب التعديل الرابع عشر للدستور، الذي أقره الكونغرس في عام 1868، ويتضمن بنداً ينص على ما يلي: «جميع الأشخاص المولودين أو المتجنسين في الولايات المتحدة، والخاضعين لولايتها القضائية، هم مواطنون للولايات المتحدة والولاية التي يقيمون فيها».
مساعدو ترامب حاولوا توضيح نقاط الجدل، حيث قالوا: «إن الأمر التنفيذي ينص على أن الإدارة لديها سلطة حظر حق المواطنة بالولادة لأن المهاجرين غير المصرح لهم موجودون في البلاد بشكل غير قانوني، وبالتالي لا يخضعون للولاية القضائية لحكومة الولايات المتحدة.
كما أشاروا إلى أن استراتيجية إدارة ترامب ستتمثل في التحرك بسرعة للمضي قدماً في تحقيق أهدافه، حتى لو واجهت تحديات قانونية، بل وعبروا عن اعتقادهم بأن الجماعات الليبرالية سيكون لديها أموال وموارد أقل للمعارك القضائية الطويلة، كما سيواجه هذه الجماعات قضاة أكثر محافظة، بما في ذلك في المحكمة العليا.

سابقة قانونية 
بعض الخبراء القانونيين أشاروا إلى سابقة قانونية، ليؤكدوا أن المحكمة العليا حكمت بشكل نهائي في مسألة المواطنة بالولادة، وأن إلغاءها سيمثل تراجعاً غير عادي أكثر من قرارها بإلغاء قضية «رو ضد وايد» في عام 2022 والمتعلقة بعدم الحق في الإجهاض.
وقال خبراء الهجرة: إن الكونغرس وافق على بند حق المواطنة بالولادة في التعديل الرابع عشر، لإلغاء قضية دريد سكوت ضد قرار ساندفورد لعام 1857 الذي قضت فيه المحكمة العليا بأن الدستور يحرم الأمريكيين السود من الجنسية.
ويقول هيروشي موتومورا، أستاذ قانون الهجرة في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: «إن المواطنة المكتسبة بالولادة أعمق بكثير وأكثر أهمية لعمل هذا البلد من أي شيء آخر»، مضيفاً: «نعم، يمكنهم تحقيق الأمر، لكن ذلك لن يؤدي إلى إلغاء السابقة فحسب، بل سيتعين تغيير الدستور، ومن ثم فإن الأمر بعيد جداً».
ويؤكد جوليان كالديراس، النائب السابق لمدير المكتب الميداني لشؤون الهجرة والجمارك، إن محاولة إدارة ترامب «بعيدة المنال حقاً.. لا أعرف ما إذا كان ذلك ممكناً من خلال أمر تنفيذي».

معضلة أخرى 
ومن غير الواضح أيضاً عدد الأطفال الذين سيؤثر فيهم الأمر، بالنظر إلى أن هناك ما يقدر بنحو 11 مليون مهاجر غير شرعي في الولايات المتحدة، وفقاً للبيانات الحكومية.
في عام 2018، قدر معهد سياسات الهجرة الأمريكي أن نحو 4 ملايين طفل دون سن 18 عاماً يعيشون مع والدين أحدهما على الأقل غير قانوني الوضع، ويعيش نحو 1.3 مليون طفل مع أبوين كليهما غير موثقي الوضع، إضافة إلى 1.8 مليون طفل في أسر كان أحد الوالدين فيها أمريكياً، والآخر ليس أمريكياً، كما يعيش قرابة 900 ألف طفل في أسر أحد أبويها تم ترحيله من أمريكا.

 «سياحة الولادة»
كثيراً ما اشتكى ترامب من أن النساء الحوامل من دول أخرى يسافرن إلى الولايات المتحدة بتأشيرات سياحية قانونية للولادة، وهي ما يسميها «سياحة الولادة» ولا تحتفظ الولايات المتحدة بسجلات محدثة عن عدد الأطفال الذين يولدون لنساء يزرن البلاد، لذلك من الصعب تقييم حجم هذه الظاهرة. وفي فترة ولايته الأولى، فرضت إدارة ترامب قواعد تأمر المسؤولين القنصليين برفض تأشيرات الدخول للنساء اللاتي يشتبه في أنهن يسافرن إلى الولايات المتحدة للولادة، ما لم تتمكن النساء من إثبات أن السفر كان للضرورة الطبية وأنهن قادرات على دفع كلف الرعاية في المستشفى.


 اختبار عملي 
تم اختبار شرط المواطنة بالولادة بعد أن منع الكونغرس في عام 1882، العمال الصينيين من أن يصبحوا أمريكيين متجنسين بموجب قانون الاستبعاد الصيني، وفي عام 1898، قضت المحكمة العليا بأن وونغ كيم آرك، الذي ولد في سان فرانسيسكو، ومُنع من العودة إلى الولايات المتحدة، بعد رحلة إلى الخارج بسبب أصله الصيني، أصبح مواطناً أمريكياً.
وقالت إليزابيث ويدرا، رئيسة مركز المساءلة الدستورية: «إن أحد أسباب المواطنة الدستورية هو عدم خضوعنا لأهواء ورياح التفضيل السياسي عندما تتغير، نريد التأكد من الاعتراف بالمواطنة باعتبارها مستقرة وآمنة وجانباً مهماً من جوانب الكرامة».

https://tinyurl.com/yejz2p69

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"