يُقصد بحسن الظن بالله، توقع كلِ جميل وحسن من الله تعالى، فيظن العبد بربه الرحمة، وحسن التوكل عليه، وهو من أعمال القلوب، بها يستجلب العبد مصالح الدين والدنيا، وذلك بأن يظن المؤمن المغفرة له إذا استغفر، والقبول إذا تاب، والإجابة إذا دعا، والكفاية إذا طلب الكفاية. وما أُعطي العبد المؤمن خيراً أفضل من حسن الظنِ بخالقه، فحسن الظن بالله تعالى من حُسن عبادة العبد.. قال الله تعالى: ﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الصافات: 87)، فإن الله عز وجل يعامل العبد بمقتضى ظنه به، فكما تظن بالله ستجد ذلك.
يذكر الشيخ محمد الحصاد في كتاب «علموا أولادكم أخلاق الرسول» أن حسن الظن بالله تعالى هو قوة اليقين بما وعد الله تعالى عباده من سعة كرمه ورحمته ورجاء حصول ذلك. وحسن الظن بإجابة الدعاء، يكون بقوة اليقين بأن الله تعالى يجيب الداعي، لكن إن تأخر جوابه فلا يقنط من رحمة الله تعالى وسعة كرمه، فإن في القنوط سوء ظن بالله تعالى، وهو أمر محرم، وفي المقابل على الداعي إذا تأخرت استجابة دعوته أن يسيء الظن بنفسه، فيفتش نفسه لعله دعا بإثم، أو بقلة يقين وإخلاص، أو تلبس بأمر محرم يمنع إجابة الدعاء كأكل الحرام، فمن حسن الظن بالله تعالى ألا يعترض الداعي على عدم تحقق المطلوب فلعل الخير له في عدم تحقق مطلوبه، ولعله قد أعطي بدعوته ما هو أفضل له من مطلوبه وهو لا يشعر، بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع، وبدل السيئة بالحسنة، واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة، ومثال على ذلك قال تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (النحل: 110) ه.
وهذا إبراهيم عليه السلام لمّا أُلقي في النار، قال كلمة تجسد من خلالها حُسن الظنِ بربه، وقوة توكله عليه، وأنه قطع الأسباب كلها إلا حبل الله، وأغلق الأبواب جميعها إلا باب الله، إنها كلمة: «حسبي الله ونعم الوكيل»، فماذا كانت نتيجة حسن ظنه بربه تعالى؟ يأتي الأمر السريع، من رب سميع: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾ (الأنبياء: 69,70). ولم تحرق النار من إبراهيم سوى وثاقه.
وهذا موسى عليه السلام يخرج بقومه ليلًا فيلحقه فرعون ويدركه عند البحر، وفي الساعة الحرجة والموقف الصعب يسأله قومه عن المخرج من هذه المحنة، فيجيبهم وهو ساكن القلب رابط الجأش، ويصور الله المشهد، بقوله: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ (الشعراء: 61,62)
وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يأتيه أمر الله تعالى بالهجرة إلى المدينة، فيصطحب معه أبا بكر رضي الله عنه، فتوجّها نحو غار ثور ليُقيما فيه أياماً، فتخرج قريش بغيظها وحنقها باحثة عنه في كل مكان، وتوقعت أن يتخذ من الغار ملجأً، فتوجهت صوبه ووقفوا على باب هذا الغار في لحظة تتقطع لها الأنفاس، وتنفرط لها العقول، وتتجمد منها الدماء، ويصور الله ذلك بقوله: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 40). وكان ذلك له صلى الله عليه وسلم.
عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام، يقول:«لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه مسلم
عادي
طاقات إيجابية
حسن الظن بالله.. توكلٌ وقوةُ يقين
16 مارس 2025
23:40 مساء
قراءة
3
دقائق
عناوين متفرقة
قد يعجبك ايضا







