الناشر: دائرة الثقافة في الشارقة
الشارقة: عثمان حسن
«انزياح النص في الشعر المعاصر» هو كتاب للباحث الدكتور أحمد فراج العجمي، صدر عن دائرة الثقافة في الشارقة، وهو كتاب يحاول أن يثبت أن الانزياح الأسلوبي في شعر فاروق شوشة يمثل آلية تعبيرية مقصودة ذات أبعاد وظيفية رؤيوية، وأنه شاعر متمكن وأن لديه وعياً واضحاً بوسائل الانزياح وآثاره وفق مستوياته المختلفة.
جاء الكتاب في 484 صفحة كما اشتمل على مقدمة وتمهيد وفصلين هما: (انزياح المستوى التركيبي وأثره في بناء الجملة والنص) والثاني: (الانزياح التصويري ودوره في تكوين الصورة) وقد اشتمل كل فصل على عدة محاور وأبواب ومباحث.
يكشف الكتاب عن ملامح هذا الانزياح ودلالاته وأثره ويستجلي أسرار أسلوبه وعناصر تشكيله الشعري منطلقاً من طبيعة العمل الأدبي نفسه.
يعرف د. أحمد العجمي في تمهيد الكتاب بالسيرة الحياتية والإبداعية للشاعر المصري الكبير فاروق شوشة، ومن ثم ينتقل للحديث عن مفهوم الانزياح ومستوياته ومعياره، ويرى أن الانزياح هو الظاهرة الشعرية الأهم، بوصفه الجسر الذي يعبره الشاعر من اللغة العادية المعيارية إلى اللغة الشعرية الجميلة التي يصبح من خلالها لكل شاعر أسلوبه الخاص، وتجربته المميزة، وأن الحكم على التجربة الشعرية يتعلق تعلقاً أكيداً ومباشراً بمقدار انزياح الشاعر عن الكلام العادي، أو ما سمي الدرجة الصفر للكلام، ونسبة هذا الانزياح، وطبيعته بالنظر إلى المعيار الذي يقاس إليه.
تحت عنوان «نوعا الانزياح ومستوياته» يشير الباحث إلى اللسانيات الحديثة التي اعتمدت على محورين: أحدهما المحور التركيبي الذي يتم فيه تنظيم العلاقات بين الأجزاء المختلفة في مستواها السياقي، والثاني: المحور الاستبدالي الذي تحل فيه بعض الأجزاء محل غيرها بالاختيار، ويشير د. العجمي إلى أن المحورين السياقي والاستبدالي هما إحدى ثنائيات دي سوسير الذي رأى أن اللغة «نظام من العلامات يرتبط بعضها ببعض على نحو تكون فيه القيم الخاصة بكل علامة بشروط على جهة التبادل بقيم العلامات الأخرى»، كما ينطوي هذين النوعين من الانزياح (الاستبدالي - السياقي) على عدة أنواع أو مستويات: الانزياح الإيقاعي، الانزياح التركيبي، الانزياح الدلالي التصويري.
* تركيب
يدرس د.العجمي في الفصل الأول من الكتاب الانزياح التركيبي على مستوى الجملة و الانزياح التركيبي على مستوى النص. في المستوى الأول يتناول ثلاثة متطلبات هي: (الانزياح بالتقديم والتأخير، الانزياح بالذكر والحذف، والانزياح الإسنادي)، وفي المتطلب الأول، يرى أن التقديم والتأخير، نقل لفظ عن رتبته في نظام الجملة العربية إلى رتبة تفارق الأصل، يدرس الباحث عدة انزياحات منها ما يتعلق بركني الجملة الاسمية، وهنا يقول: «انزاح فاروق شوشة عن الأصل التركيبي بتقديم ما حقه التأخير أصلاً لأغراض دلالية، ومن ذلك قوله في قصيدة «بين عينيك موعدي»: بين عينيك موعدي/ وأنا أحمل أيامي وأشواقي إليك/ وأرى في الأفق النائي يداً تمتد كالوعد، وتهفو/ وأراني نحوها طوع يديك/ من قديم الدهر، كانت نبضة، مثل اهتزاز البرق/ مثل اللمح/ شيء لست أدريه احتواني/ فتلاصقت لديك».. يقول د. العجمي: «إن التحول بمخالفة الرتبة المكانية في الجملة الاسمية عن طريق تقديم الظرف والمضاف إليه (بين عينيك) وتأخير المبتدأ، وهو حقه التقديم ينطوي على دلالات سياقية، وينسجم مع تصرف نصي مطرد بالقصيدة، ولا سيما أن هذه الجملة، هي عنوان النص نفسه، وأن لعتبة العنوان إدراكاً قاراً في وجدان المتلقي بوصفها نصاً مكثفاً موازياً، أو مفتتحاً يلج منه القارئ إلى النص، ويطلع على عالمه وأسراره، بل يختزل هذا العالم ويقدم تصوراً له».
ويتابع د. العجمي بتأكيده أنه لا تكاد تخلو قصيدة في شعر فاروق شوشة من التقديم والتأخير في الجمل الاسمية، فشوشة في الحقيقة يبالغ في إحساسه بالواقع المثالي وتصوره، ودائماً يبحث عنه، ويمثل له هذا الواقع هاجساً شعرياً حاضراً باستمرار.
*حذف
يتناول الباحث أشكالاً عدة من الانزياح، بينها الانزياح بالحذف، وهو أسلوب لغوي قديم عني به البلاغيون مثل عبد القادر الجرجاني، حيث اتفقوا على أن السياق الواضح جداً غير محبب للنفس، ولا يبعث على اللذة الجمالية في الكلام، كما يدرس أربعة أشكال من الانزياح بالحذف هي (حذف جزء الكلمة، حذف جزء الجملة، حذف الجملة، وحذف أكثر من جملة) ويمثل لهذه الأشكال من خلال التجربة الشعرية لفاروق شوشة.
وتحت عنوان (الانزياح التركيبي على مستوى النص) يقدم د. أحمد العجمي نماذج عدة من قصائد شوشة ضمن مستويات أربعة من هذا النوع من الانزياح وهي: (الانزياح بالإحالة، الانزياح بالربط، الانزياح بالالتفات، والانزياح بالاعتراض)، وكل هذه الأنواع تتم دراستها في أشكال وتحت عناوين مختلفة.
*نماذج
وتحت عنوان «الانزياح التصويري» يقدم المؤلف خمسة مباحث من ذلك الانزياح ودوره في تكوين الصورة، ويورد العديد من الأمثلة التي أضاءت على تجربة الشاعر فاروق شوشة، و المباحث هي: (انزياح الصورة التشبيهية، انزياح الصورة الاستعارية، انزياح الصورة الرمزية، انزياح الصورة الدرامية، وانزياح المفارقات التصويرية).
ومن النماذج التي يسوقها المؤلف على انزياح الصورة التشبيهية قصيدة للشاعر فاروق شوشة بعنوان «أبي»، هذه القصيدة درسها الباحث تحت عنوان فرعي هو (التشبيه الجزئي) وهو الذي يقوم الشاعر من خلاله بتوظيف تشبيهات جزئية مقتحمة، يهدف من خلالها إلى إكمال أجزاء ناقصة في المشهد، أو لفت انتباه المتلقي إلى شيء يشعر أنه سيغفل عنه، أو يركز عليه لأهميته، أو غير ذلك من المسوغات التي يلجأ لأجلها الشاعر إلى التشبيه الجزئي، ولا يعني كونه جزئياً أنه خارج إطار النص ودلالته، فعلى الرغم من الشعور باستقلال التشبيه في هذا السياق فإنه بوصفه صورة جزئية يتفاعل مع دلالة النص، وينفض غبار الاستقلال الدلالي عن النص مؤكداً الدلالة العامة له، فكل الصور الجزئية في هذه القصيدة ما هي إلا مجموعة عازفين اختلفت أدوات عزفهم وإيقاعاتها، ولكنهم جميعاً يؤدون قطعة موسيقية واحدة، وأي خلل في الأداء يؤدي إلى تصدع في البناء، ونشاز لا يمكن تقويمه، وخلل لا يمكن إصلاحه، ففي قصيدة «أبي» لشوشة يقول:
كيف صدقت فاتنة عمري/ وزهوي بأنك لي/ كالنخيل الذي قد غرست/ امتداد إلى آخر الدهر/ يسطع فوق الحقول/ ويوغل مخترقاً في السديم.
وفي هذه القصيدة -كما يؤكد د. العجمي- اعترض التشبيه بين ركني الجملة (بأنك لي امتداد) ليس فقط ليعبر عن خيبته في فقد أبيه كما فقد نخله الذي غرسه وهو في القرية صبياً، وهو يظن أنه سيبقى، فإذا به يفاجأ بموت أبيه، وكان يظن أنه لن يموت وذلك كما فقد نخله وهو يظن أنه لن يفقده أبداً أو يهجره.
*اقتباسات
*ازدادت أهمية نقد الشعر بعد ظهور اللسانيات الحديثة.
*جمال العبارة يتكئ على سبك الجملة وحذف ما فيها من حشو.
*تتعلق الصورة التجريدية بالمعاني العقلية الذهنية.
*تضعف الصورة الشعرية عندما تكون عقلية برهانية.
*الرمز هو انعكاس الصورة في مرايا النفس.
*قد يكون كل رمز صورة وليس كل صورة هي رمز.
*الدراما فلسفة كبقية الفنون تعبر عن هموم الناس وتطلعاتهم.
*اتجه الشاعر المعاصر إلى إعادة النظر في شخصياته الشعرية.
عادي
صدر في الشارقة
«الانزياح الشعري».. العربية بحر بلا ضفاف
19 مارس 2025
15:17 مساء
قراءة
5
دقائق
المزيد من الملف
عناوين متفرقة
قد يعجبك ايضا







